للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيخ الإسلام بدر الدين العيني قدس سره ورضي عنه، وفي «النهر» : (ويستاك بكل عود إلا الرمان والقصب، وأفضله الأراك، ثم الزيتون؛ لما رواه الطبراني: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة، وهو سواكي، وسواك الأنبياء من قبلي») انتهى.

ويحرم الاستياك بكل ذي سم من الخشب ونحوه؛ لأنَّه يضر، فيكون من الإلقاء في التهلكة، وقد نهينا عنها، والله تعالى أعلم.

[حديث: كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك]

٢٤٥ - وبه قال: (عثمان ابن أبي شيبة) كذا في رواية الأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت، وفي رواية غيرهم إسقاط (ابن أبي شيبة)، وهذا أخو أبي بكر ابن أبي شيبة (قال: حدثنا جرير)؛ هو ابن عبد الحميد، (عن منصور)؛ هو ابن المعتمر، (عن أبي وائل)؛ بالهمز، هو شقيق الحضرمي، (عن حُذيفة)؛ بضمِّ الحاء المهملة، هو ابن اليمان الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، ولا يخفى أن الإسناد كله كوفيون إلا حذيفة، فإنه عراقي، ومات بالمدائن (قال)؛ أي: حذيفة: (كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام من الليل)؛ أي: قام في الليل مطلقًا فـ (من) بمعنى (في) فهو عام في كل حالة، ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصَّلاة، ويدل لهذا الاحتمال رواية البخاري في الصَّلاة بلفظ: (إذا قام للتهجُّد)، ولمسلم نحوه، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما يشهد له أيضًا، كذا قاله إمام الشارحين، وزعم العجلوني أن معنى (من) التبعيض.

قلت: ولا يخفى فساده؛ لاحتياج معناه إلى التكلف، مع ما فيه من الفساد الظاهر.

(يَشوص)؛ بفتح التحتية، وبالشين المعجمة، والصاد المهملة، قال ابن سيده: (شاص الشيء شوصًا: غسله، وشاص فاه بالسواك شوصًا: غسله، وقيل: أمرَّه على أسنانه من سفل إلى علوٍّ، وقيل: هو أن يطعن به فيها، وقد شاصه شوصًا وشوصانًا، وشاص الشيء: دلكه، وشاص الشيء: زعزعه)، وفي «الجامع» : (كل شيء غسلته؛ فقد شصته)، وقال أبو عبيد: (شصته: نقيته)، وفي «الغريبين» (١) : (كل شيء غسلته؛ فقد شصته، ومصته)، وقال ابن عبد البر: (هو الحك)، وقال الخطابي: (الشوص: دلك الأسنان عرضًا، وقيل: الموص غسل الشيء بلين ورفق)، كذا قاله في «عمدة القاري»، وزعم ابن الملقن أنه تحصل له في تفسيره خمسة أقوال متقاربة؛ الغسل، والتنقية، والدلك، والحك، وأنه بالإصبع، وأنه يغني عن السواك، لكن يرده قوله في الحديث بالسواك، والثالث أقواها، وقال ابن زيد: (هو الاستياك من سفل إلى علوٍّ، ومنه سمِّي هذا الداء الشوصة؛ لأنَّه ريح يرفع القلب من موضعه).

قلت: وقوله: (وأنه بالإصبع) هو الخامس.

وقوله: (وأنه يغني عن السواك) بيان له، فهو حكم للسواك بالإصبع من أنه هل يجزئ بها أم لا؟ وقدمنا أنه يجزئ بنص الحديث.

وقوله: (لكن يرده...) إلخ قيل: عليه لا يلزم من كونه كان بالسواك أنه لا يكفي بالإصبع، على أن حديث البيهقي صريح في ذلك، ولفظه: «يجزئ من السواك الأصابع»، كما قدمناه.

وقوله: (وقال ابن زيد...) إلخ، فهو الحقيقة قول سادس، وهو يقتضي أن السنة في السواك أن يكون من أسفل إلى الأعلى ولو في الأسنان، لكنه خلاف السنة من أن السنة أن يستاك عرضًا لا طولًا، ويدل لذلك ما رواه أبو داود في «مراسيله» : «إذا استكتم؛ فاستاكوا عرضًا لا طولًا»، وأخرجه أبو نعيم من حديث عائشة كما قدمناه، ولأن فيه ضررًا، ويدمي اللثة، وأما اللسان؛ فالسنة فيه الاستياك عرضًا؛ فافهم.

(فاه بالسواك)؛ لأنَّ النوم مُقتضٍ لتغير الفم؛ لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة، والسواك آلة تنظيفه، فيستحب عند مقتضاه، ففيه: استحباب السواك عند القيام من النوم، وكذا في كل حال سواء كان صائمًا أو لا، بعد الزوال للصائم أو لا؛ لعمومات الأحاديث؛ منها: قوله عليه السلام: «استاكوا أي وقت شئتم»، رواه أبو داود، ومنها: قوله عليه السلام: «لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»؛ أي: أمر إيجاب، رواه ابن خزيمة، ومنها: قوله عليه السلام: «لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم- أي: أمر إيجاب- بالسواك عند كلِّ صلاة»، رواه الطبراني، وهذا يدل على عدم التوقيت بوقت، بل في أي وقت وحال شاء، وهذا حجة على الشافعي حيث كره السواك بعد الزوال للصائم، ويستحب السواك لتلاوة القرآن، والذكر، ولاصفرار الأسنان، وللاستيقاظ من النوم مطلقًا ليلًا أو نهارًا، وعند دخول البيت، وعند الاجتماع بالناس، وعند قراءة الحديث والفقه وغيرهما، وهذا مستفاد من قول إمامنا رئيس المجتهدين وسيدهم الإمام الأعظم رضي الله عنه: السواك من سنن الدين فيستوي فيه جميع الأحوال، ومن منافعه أنه يُبْطِئُ بالشيب، ويحد البصر، وأحسنها أنه شفاء لما دون الموت، وأنه يسرع في المشي على الصراط، وأنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، ويذهب البخر، والحضر، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم، ويضاعف الصَّلاة، ويزيد في الحسنات، ويصحح الجسم، ويزيد في الحفظ، وينبت الشعر، ويصفي اللون، ويطهر طريق القرآن، ويزيد في الفصاحة، ويقوي المعدة، ويسخط الشيطان، ويقطع المرة، ويسكن عروق الرأس، ووجع الأسنان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الروح، ويذكر الشهادة عند الموت وهو أعظمها، وينمي المال والولد، ويذهب الحقد، وينفي الفقر، ويذهب الصداع، ويقطع كل داء في الجسد، ويعقبه الله صحة، ويفتح باب الجنة، ويغلق باب النار، ويكسى صاحبه رداء كُسِي به الأنبياء يوم القيامة، ويكرمه إذا أكرموا، ويسقى فاعله من حوضه عليه السلام، ومن الرحيق المختوم، ويأتيه ملك الموت على الصورة التي قبض بها الأنبياء عليهم السلام، وتمامه في فضائل السواك المسمَّى بـ «السلاك»، وقد ذكرنا زيادة على ذلك في شرحنا «منهل الطلاب»، والله تعالى أعلم.

(٧٤) [باب دفع السواك إلى الأكبر]

هذا (باب)؛ استحباب (دفع السواك إلى الأكبر) في السِّنِّ.

[حديث: أراني أتسوك بسواك]

٢٤٦ - (وقال عَفَّان)؛ بفتح العين المهملة، وتشديد الفاء، وبالنون بعد الألف، يحتمل الصرف وعدمه؛ كحسان؛ هو ابن مسلم الصفار الأنصاري البصري، سئل عن القرآن زمن المحنة، فأبى أن يقول القرآن مخلوق، وكان من حكام الجرح والتعديل، جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل، ولا يقول: عدل، أو غير عدل، قالوا: قف فيه، ولا تقل شيئًا، فقال: لا أبطل حقًّا من الحقوق، ولم يأخذها، مات ببغداد سنة عشرين ومئتين، وظاهر قوله: (وقال عفان) : أنه تعليق، لكنَّ صاحب «عمدة القاري» [قال] : أخرج البخاري هذا الحديث بلا رواية.

قلت: وهو من شيوخ المؤلف، فليس بتعليق، بل رواه عنه على سبيل المذاكرة، ولو قال: وقال لي عفان؛ لكان تعليقًا، ويدل لهذا قول «عمدة القاري» المذكور كقول صاحب «المقدمة» عفان بن مسلم الصفار من كبار الثقات الأثبات، لقيه البخاري، وروى عنه شيئًا يسيرًا، وحدث عن جماعة من أصحابه عنه؛ فيحتمل أنه أخذ عنه بلا واسطة في هذا الموضع؛ فلا يكون تعليقًا، ويحتمل بالواسطة؛ فيكون تعليقًا، وهو ظاهر قوله: ثانيًا، وكذا أخرجه البيهقي، وفي «عمدة القاري» وصله أبو عوانة في «صحيحه» : عن محمَّد بن إسحاق الصغاني، وغيره عن عفان، وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني: عن أبي أحمد: حدثنا موسى بن العباس الجويني: حدثنا محمَّد بن يحيى: حدثنا عفان، وقال مسلم في «صحيحه» : عن صخر بن جويرية؛


(١) في الأصل: (الغربيين)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>