للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قلبت ألفًا؛ لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها بعد النقل، فصار (أراق،) وأصل يريق: يأريق على وزن (يأفعل)، مثل يكرم أصله: (يؤكرم)، حذفت الهمزة منه إتباعًا لحذفها في المتكلم؛ لاجتماع الهمزتين فيه، وهو ثقيل.

اللغة الثانية: أهرق الماء يهرقه إهراقًا؛ على وزن (أفعل إفعالًا)، قال سيبويه: (قد أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم لزمت، فصارت كأنها من نفس الكلمة، ثم حذفت الألف بعد الهاء، ونزلت الهاء عوضًا عن حذفهم العين؛ لأنَّ أصل أهرق: (أريق).

اللغة الثالثة: أهراق يهريق إهرياقًا، فهو مهريق، والشيء: مهْراق، ومهَراق أيضًا بالتحريك؛ وهذا شاذ، نظيره أَسطاع يُسطيع إسطياعًا؛ بفتح الألف في الماضي، وضم الياء في المضارع، وهو: لغة في (أطاع يطيع)، فجعلوا السين عوضًا من ذهاب حركة عين الفعل، فكذلك حكم الهاء، وقد خبط بعضهم في هذا الموضع خباطًا؛ لعدم وقوفه على قواعد علم الصرف، كذا قاله في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(عليَّ) بتشديد الياء المفتوحة (من سبع قِرَب)؛ بكسر القاف وفتح الرَّاء، جمع قربة، وهي ما يسقى به، وهو جمع كثرة، وجمع القلَّة: قرْبات؛ بسكون الرَّاء وفتحها، كذا في «عمدة القاري»، وكلاهما متعلق بـ (هريقوا) (لم تُحلل) بالبناء للمجهول (أوكيتهن) جمع وكاء؛ وهو الذي يشدُّ به رأس القربة؛ أي: فمها، (لعلِّي أَعهَد)؛ بفتح الهمزة والهاء (إلى الناس)؛ أي: أوصي إليهم، من باب (علم يعلم)، يقال: عهدت إليه؛ أي: أوصيته، (وأُجْلِسَ)، وفي رواية: (فأُجْلِسَ)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، والفعل في الروايتين مبني للمفعول (في مِخْضَب)؛ بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة: إناء يُغْسَلُ فيه، زاد ابن خزيمة: (أنَّه كان من نحاس) (لحفصة زوجِ النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ بالجر صفة لـ (حفصة)، (ثم طفِقنا)؛ بكسر الفاء، وفتحها حكاه الأخفش، والكسر أفصح، وهو من أفعال المقاربة، ومعناه: جعلنا (نَصبُّ)؛ بضم الصَّاد المهملة (عليه) الماء صلى الله عليه وسلم (من تلك)؛ أي: القِرَب السبع، وفي رواية: (تلك القِرَب)، وهو في محل نصب مفعول (نَصُبُّ) (حتى طفِق)؛ بكسر الفاء، وقد تفتح؛ أي: حتى جعل (يُشِيرُ) أي: النبي الأعظم عليه السلام (إلينا)، والجملة خبر (طفق)، وكذا جملة (نصبُّ) خبر (طفقنا)، وفي (طفق) معنى: الاستمرار والمواصلة؛ (أن قد فعلتُنَّ)؛ بضم المثناة الفوقية، وتشديد النُّون، جمع مؤنث مخاطب، و (أن) تفسيرية؛ لأنَّ (يشير) فيه معنى القول دون حروفه؛ أي: فعلتنَّ ما أمرتكنَّ به من إهراق الماء عليَّ من القرب الموصوفة، (ثم خرج) أي: النبي الأعظم عليه السلام من بيت عائشة (إلى الناس)؛ أي: إلى الذين في المسجد، فصلَّى بهم، وخطبهم، على ما يأتي إن شاء الله تعالى مفصَّلًا في مباحث الوفاة النبوية.

فإن قلت: لم يذكر للخشب ما يدل عليه من أحاديث الباب، وأجيب: باحتمال أنَّ القدح كان من الخشب، أفاده الكرماني.

وفي الحديث: جواز الإجلاس في المِخْضَبِ ونحوه؛ لأجل صبِّ الماء عليه سواء كان من خشب، أو حجر، أو نحاس، وقد روي عن ابن عمر كراهة الوضوء في النحاس، وقد ذكرناه، وقد روي عنه أنَّه قال: إنِّي أتوضأ بالنحاس وما يكره منه شيء إلا رائحته فقط، وقيل: الكراهة فيه؛ لأنَّ الماء يتغيَّر فيه، وروي أنَّ الملائكة تَكْرَهُ ريح النحاس، وقيل: يحتمل أن تكون الكراهة فيه؛ لأنَّه مستخرج من معادن الأرض شبيه بالذهب والفضة، والصَّواب: جواز استعماله؛ بما ذكرنا من رواية ابن خزيمة وفي رسول الله عليه السلام الأسوة الحسنة والحجة البالغة.

وفي الحديث: دلالة على جواز إراقة الماء على المريض بنيَّة التداوي وقصد الشفاء، وعلى جواز الرقى والتداوي للعليل، ويكره ذلك لمن ليست به علة، والحكمة في طلب النبي الأعظم عليه السلام الماء في مرضه: أنَّ المريض إذا صُبَّ عليه الماء البارد؛ بانت إليه قوته، لكن في مرض يقتضي ذلك كالحمى، والنبي الأعظم عليه السلام علم ذلك، فلذلك طلب الماء، ولذلك بعد استعمال الماء قام وخرج إلى الناس، كذا قاله في «عمدة القاري»، وقال الكرماني: (والحكمة في تعيين العدد السبع في القِرَب؛ لأنَّه يحتمل أن يكون ذلك من جهة التبرك، وفي عدد السبع بركة؛ لأنَّ له دخولًا كثيرًا في كثير من أمور الشريعة، ولأن الله تعالى خلق خلقًا كثيرًا من مخلوقاته سبعًا) انتهى.

والأحسن في الجواب ما قاله في «عمدة القاري» : (من أنَّ نهاية العدد عشرة، والمئات تركب من العشرات، والألوف من المئات، والسبعة من وسط العشرة، وخير الأمور أوساطها، وهي وتر، والله تعالى يحب الوتر، بخلاف السادس والثامن، وأمَّا التاسع؛ فليس من الوسط، وإن كان وترًا)؛ فليحفظ.

ثم قال: (والحكمة في تعيين القِرَب أن الماء يكون فيه محفوظًا، وفي معناها ما يشاكلها مما يُحْفظ فيه الماء، ولهذا جاء في رواية الطبراني في هذا الحديث من آثار شتَّى، والحكمة في شرطه عليه السلام في القِرَب عدم حل أوكيتهن: أنَّ أولى الماء أطهره وأصفاه؛ لأنَّ الأيدي لم تخالطه ولم تدنسه بعد، والقِرَب إنَّما توكى وتحل على ذكر الله عزَّ وجلَّ، فاشترط أن يكون صبُّ الماء عليه من الأسقية التي لم تحلل؛ ليكون قد جمع بركة الذكر في شدِّها وحلِّها معًا) انتهى كلامه، والله تعالى أعلم.

اللهم إني أسألك فرجًا قريبًا، وعلمًا نافعًا، وسترًا جميلًا، ورزقًا واسعًا، وعمرًا طويلًا، وجاهًا عريضًا، وأولادًا كثيرة، واكشف عنَّا وعن المسلمين هذا البلاء، وفرج عنَّا ما أهمَّنا وأهمَّهم برحمتك يا أرحم الراحمين، آمين آمين آمين، وصلى الله على محمَّد وآله وصحبه أجمعين.

(٤٦) [باب الوضوء من التور]

هذا (باب: الوُضوء)؛ بضم الواو (من التَّوْر)؛ بفتح المثناة الفوقية، وسكون الواو، بعدها راء مهملة: إناء صغير يشرب فيه، أو شبه الإجانة من صُفْر أو حجارة يُتوضَّأ فيه ويُؤْكَل منه.

قال في «عمدة القاري» : (ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج: «فأُتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب»، فدلَّ هذا أنَّ التور غير الطست، وذلك يقتضي أن يكون التور إبريقًا؛ لأنَّ الطست لا بدَّ له من ذلك) انتهى، قلت: فالظاهر أنَّ التور الأبريق، وقول الجوهري: (إناء يُشْرَبُ فيه) صادق عليه، وقول المطرزي: (إناء صغير يشرب فيه) يصدق عليه أيضًا؛ فتأمل.

[حديث ابن زيد: رأيت النبي يتوضأ فدعا بتور من ماء]

١٩٩ - وبه قال: (حدثنا خالد بن مَخْلَد)؛ بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح اللام، القطواني البجلي (قال: حدثنا سليمان)؛ أي: ابن بلال، كما في روايةٍ، أبو محمد (قال: حدثني) بالإفراد (عَمرو) بفتح العين (بن يحيى، عن أبيه) أي: يحيى بن عمارة (قال) أي: يحيى: (كان عمِّي)؛ أي: عمرو بن أبي حسن، قال الكرماني: (تقدم في باب «مسح الرأس» أنَّ المستخبر جد عمرو، فكيف يكون عم يحيى؟ وأجاب: بأنَّه جد من جهة الأم عم من جهة الأب) انتهى، قلت: وهذه عادة المؤلف، تارةً يعبر في باب باسم، وتارةً يعبر في باب آخر لذلك الشخص بكنيةٍ أو لقبٍ أو غيرها؛ قصدًا للتفنن، وبهذا ظهر اضمحلال قول ابن حجر: (إنه عمه على الحقيقة)؛ فافهم، (يكثر من الوُضوء)؛ بضم الواو؛ لأنَّه يحب أن يكون على طهارة، كما هو المستحب، (قال)، وفي رواية: (فقال) : (لعبد الله بن زيد) أي: الأنصاري، (أخبرني كيف رأيت النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم يتوضأ) حتى لا يكون فعله عبثًا، ويكون وضوءُه موافقًا (١) لوضوئه عليه السلام، (فدعا) أي: عبد الله بن زيد (بتَور)؛ بموحدة بعدها مثناة فوقية: إناء فيه شيء (من ماء)، وفيه المطابقة للترجمة، (فكفأ)؛ بالهمز؛ أي: صب (على يديه) بالتثنية (فغسلهما) إلى الرسغين (ثلاث مرات) وفي رواية: (ثلاث مرار)؛ بتكرار الرَّاء، وأورد في «عمدة القاري» على هذه الرواية: (بأنَّ حكم العدد من ثلاثة إلى عشرة أن يضاف إلى جمع القلة، فلمَ أضيف إلى جمع الكثرة مع وجود القلة وهو «مرات»؟ وأجاب:


(١) في الأصل: (موافق).

<<  <   >  >>