للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حديث: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا]

١٧٧ - وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، أو هشام بن عمار، والمكنَّى بأبي الوليد أيضًا، وهو يروي أيضًا عن ابن عيينة، ويروي عنه المؤلف، لكن الأكثر على أنه الأول، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا ابن عيينة) أي: سفيان؛ كما صرح به في رواية، (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب، (عن عبَّاد)؛ بتشديد الموحدة (بن تميم) الأنصاري، (عن عمه) عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قال: لا ينصرفْ)؛ بالجزم؛ أي لا يخرج المصلِّي من صلاته، وفي رواية: (لا ينفتل)؛ بالفاء والمثناة الفوقية (١) واللام، وهو بمعنى: لا ينصرف، وقد سبق الحديث تامًّا في باب (لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن)، ولفظه: أنَّه شكى إلى النبي عليه السلام الرجل الذي يخيل إليه أنَّه يجد الشيء في الصلاة، فقال عليه السلام: «لا ينصرف أو لا ينفتل» على الشك (حتى) للغاية؛ أي: إلى أن (يسمع) بالنصب بتقدير (أن) الناصبة (صوتًا)؛ أي: خارجًا من دُبُرِه، (أو يجد ريحًا)؛ أي: منه أيضًا، وإنما ذكر سماع الصوت ووجدان الرائحة حتى يتناول الأصم والأخشم، والمراد تحقق وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بالإجماع؛ لأنَّ الأصم لا يسمع شيئًا، والأخشم: الذي ذهبت منه حاسة الشم لا يشم أصلًا، وإنما خص النوعين بالذِّكر، وإن كان غيرهما كذلك؛ لأنَّه خرج على حرف المسألة التي سأل عنها السائل، وإنما عبر بالوجدان دون الشم؛ ليشمل ما لو لمس المحل بيده، ثمَّ شم يده، وفيه دليل على أنَّ لمسَ الدُّبرِ والذَّكَرِ غيرُناقض للوضوء؛ فليحفظ، وقد سبق تقريره.

[حديث علي: كنت رجلًا مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله]

١٧٨ - وبه قال: (حدثنا قُتيبة)؛ بضم القاف، هو ابن سعيد (قال: حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد، (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران، (عن منذر أبي يعلى) هذه كنيته، واسم أبيه يعلى أيضًا (الثَّوري) بفتح المثلثة، (عن محمد ابن الحنفية)؛ هو ابن علي بن أبي طالب: أنه (قال: قال عليٌّ) أي: ابن أبي طالب أبوه رضي الله عنه: (كنت رجلًا مذَّاء)؛ بتشديد الذال المعجمة، والمد على وزن: (فعَّال)؛ أي: كثير المَذْي، بوزن: ظَبْي، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند الشهوة لا بشهوة، ولا دفق، ولا يعقبه فُتُور، وربما لا يحس بخروجه، وهو أغلب في النساء من الرجال، وهو من النساء يسمى القَذَى-بفتحتين- كذا في «منهل الطلاب» عن «البحر»، وظاهره: أنَّ هذه الحالة مستدامة له رضي الله عنه، ولذا أتى بقوله: (كنت)؛ فإنَّها تشعر بالاستدامة؛ فافهم، ويدلُّ لذلك ما في «سنن البيهقي الكبير» من حديث ابن جريج عن عطاء: أن عليًّا كان يدخل في إحليله الفتيلة من كثرة المذي، ففيه استحباب وضع الفتيلة إن اضطر (٢) إليها في حال الاستنجاء، (فاستحييت)؛ بمثناة أو بمثناتين (أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: عن حكم المذي؛ لمكان ابنته فاطمة رضي الله عنها، (فأمرت المقداد ابن الأسود)؛ هذا مجاز؛ لأنَّ أباه في الحقيقة ثعلبة البهراني، وإنَّما نسب إلى الأسود؛ لأنَّه تبنَّاه، أو حالفه، أو لغير ذلك، أن يسأله عليه السلام عن ذلك، (فسأله)، وفي رواية: (فأمرت رجلًا)، وعند النسائي: (فأمرت عمَّار بن ياسر)، وعند ابن خزيمة: (أن عليًّا سأل)، وطريق الجمع بين الروايات: أن عليًّا أمرهم بالسؤال، ثم ذهب وسأل بنفسه، وما قيل: إنَّه يحتمل المجاز أو الحقيقة غير ظاهر؛ فافهم، (فقال) عليه السلام؛ مجيبًا له: (فيه الوضوء)؛ أي: بخروج المذي يجب الوضوء لا الغسل، فقدَّم الخبر؛ للحصر، ولو وَجَبَ فيه الغسل؛ يلزم الحرج، وفي حديث غسَّان الضبعي عند أبي موسى المديني في «معرفة الصحابة» قال عليه السلام: «لو اغتسلتم من المذي؛ كان أشدَّ عليكم من الحيض»، وإسناده لا بأس به.

(ورواه) ولابن عساكر: بإسقاط الواو؛ أي: هذا الحديث (شعبة) أي: ابن الحجاج، (عن الأعمش) سليمان بن مهران عن منذر... إلى آخر السَّند المذكور، ووصله الطيالسي في «مسنده» عن شعبة كذلك، وهذا التعليق من المؤلف ذكره متابعة، وحديث المقداد في المذي مجمعٌ عليه أنَّ فيه الوضوء، وليس له مطابقة للترجمة؛ لأنَّه خارج عن أحد المخرجين، كذا في «عمدة القاري» وابن حجر.

[حديث زيد بن خالد: أرأيت إذا جامع فلم يمن؟]

١٧٩ - وبه قال: (حدَّثنا سعْد بن حفص)؛ بسكون العين، رواية الجميع إلا القابسي، فقال: (سعيد)؛ بالمثناة التحتية، وسعد هذا هو الكوفي الطلحي -بالمهملتين- الضخم، المتوفى سنة خمس عشرة ومئتين، ولعلَّ القابسي اشتبه عليه بما في «النسائي» : (سعيد بن حفص) -بزيادة المثناة التحتية- النفيلي، المتوفى سنة سبع وثلاثين ومئتين، قلت: والظاهر: أنَّه سهو من القابسي، ولذا اقتصر جميع الشرَّاح على الأول؛ فافهم، (قال: حدثنا شَيْبان)؛ بفتح الشين المعجمة، وسكون التحتية، بعدها موحدة، هو ابن عبد الرحمن، أبو معاوية النحوي، (عن يحيى)؛ هو ابن أبي كثير البصري التابعي الصغير، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام، عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف التابعي: (أن عطاء بن يَسار)؛ بفتح التحتية أوله، بعدها سين مهملة، التابعي المدني (أخبره)؛ أي: أخبر عطاءٌ أبا سلمة: (أن زيد بن خالد) الجهني المدني الصحابي (أخبره)؛ أي: أخبرَ زيدٌ عطاءً: (أنه سأل عثمان بن عفان) رضي الله عنه (قلت) : قائله زيد بن خالد لعثمان، فهو بصيغة المتكلم، وإنما لم يقل: (قال) كما قال: (أنه سأل)؛ لأنَّ فيه نوع التفات، وهو نوع من محاسن الكلام؛ لأنَّ فيه اعتبارين، وهما عبارتان عن أمر واحد، ففي الأول: نظر إلى جانب الغيبة، وفي الثاني: إلى جانب المتكلم، كذا في «عمدة القاري».

(أرَأيت)؛ بفتح الرَّاء؛ ومفعوله محذوف؛ أي: أَخبِرْني أنه توضأ أم لا؟ (إذا جامع)؛ أي: الرجل امرأته -مثلًا- أو بطَّن، أو فخَّذ (فلم) وفي رواية: (ولم)؛ بالواو (يُمنِ)؛ بضم التحتية رواية، وقد تفتح وتسكن الميم لغة، وقد تفتح الميم وتشدد النُّون مع ضم أوله لغة ثالثة، يقال: منى، وأمنى، ومنى، وأشهرها وأفصحها الوسطى، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} [القلم: ٥٨].

(قال عثمان)؛ أي: ابن عفان رضي الله عنه: (يتوضأ) إنَّما أمره بالوضوء؛ لأجل الاحتياط؛ لأنَّ الغالب خروج المذي من المُجَامع وإن لم يشعر به (كما يتوضأ للصلاة) أشار به إلى أن المراد بالوضوء: الوضوء الشرعي لا اللغوي، ففيه أن المباشرة الفاحشة تنقض الوضوء، وهي أن يتجردا معًا متعانقين متماسين الفرجين من جهة القبل أو الدبر مع انتشار آلة الرجل بالنسبة إليه في نقض وضوئِه لا المرأة، فإنَّه لا يشترط في نقض وضوئها انتشار آلته، وسواء كانت المباشرة بين امرأتين، أو رجلين، أو رجل وامرأة، أو رجل وغلام، فيشترط أن يكون تماس الفرجين من شخصين مشتهيين؛ لأنَّه لا ينتقض الوضوء ولا يجب الغسل بوطءِ صغيرةٍ لا تُشْتَهى، فإذا حصلت المباشرة بين الشخصين؛ انتقض وضوء المباشِر والمباشَر ولو بلا بلل على المعتمد، كما في «الدر المختار»، وهو قول الإمام الأعظم والإمام أبي يوسف؛ لأنَّها لا تخلو عن خروج مذي غالبًا، وهو كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط، وهو المعوَّلُ عليه في المذهب كما في سائر المتون، كما في «شرح الملتقى» للباقاني، وقال الإمام محمد: (لا ينتقض الوضوء ما لم يظهر شيء)، وصححه في «الحقائق» وغيره، لكن قال في «البحر» و «النهر» : (هذا التصحيح لا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُعْتَمَدُ عليه؛ لمخالفته للمتون) انتهى.

قلت: وقد اختلف الصحيح، وما قاله الإمام الأعظم صاحب المذهب هو المذهب، وإلى غيره لا يُذهَب؛ فليحفظ.

(ويغسل ذَكَره) إنَّما أمره بذلك؛ لتنجُّسه بالمذي الذي يغلب خروجه حينئذٍ، وظاهره: أنه يجب غَسْلُ كل الذَّكَر، وبه قال مالك، وقال الإمام الأعظم وأصحابه والشافعي: لا يجب إلا غسل ما تنجَّس منه؛ لأنَّه يرتفع وينزوي المذي فلا يخرج، ويدلُّ لذلك ما في «صحيح مسلم» : «توضأ وانضح فرجك»، لا يقال: الغسل مقدَّم على التوضؤ، فلمَ أخَّره؟ لأنَّا نقول: الواو لا تدل على الترتيب، بل هي للجمع المطلق عند المحققين، فلو توضَّأ قبله؛ يجوز ولا يَنْتَقِضُوضوءُه، وفيه: دليل واضح على أن مسَّ الذَّكَر لا ينقض الوضوء؛ لأنَّه لو توضأ أولًا، كما هو ظاهر الحديث، ثم غسل ذَكَره، لابدَّ له من أن يمسَّ ذَكَره حتى يتم الغسل؛ لأنَّه لو لم يمسَّه بيده؛ لم يتمَّ الغسل؛ لأنَّ المذي يعلو على رأس الذَّكَر ويقف ويتجمد، فيلزمه حتَّه ودعكه بالماء حتى يزول


(١) في الأصل: (التحتية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (أضر)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>