للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أم لا؟ وهو الذي (بشرف)؛ بفتح المعجمة والرَّاء، آخره فاء: المكان العالي (الرَّوْحاء)؛ بفتح الرَّاء، وسكون الواو، آخره حاء مهملة، وبالمد: هي قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة، بينهما أحد وأربعون ميلًا، قاله البكري، وسميت روحاء؛ لكثرة رواحها، وفيها بناء يزعمون أنَّه قبر مضر بن نزار، قاله كثير، والنسب إليها: روحائي على غير قياس، وقد قيل: روحاوي على القياس، قاله أبو عبيد، والرَّوحاء: أربعة برد إلا ثلاثة أميال، قاله الزمخشري.

وثبت في «صحيح مسلم» في باب (الآذان) : أنَّ بينها وبين المدينة ستة وثلاثون ميلًا.

وعند ابن أبي شيبة: على ثلاثين ميلًا.

وقال ابن قرقول: هي من عمل الفرع على نحو أربعين ميلًا من المدينة.

وقال أبو عبيد: روى نافع عن مولاه: أنَّ بهذا الموضع المسجد الصغير دون الموضع الذي بالشرف، قال: وروى أصحاب الزهري عنه، عن حنظلة بن علي، عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده؛ ليهلنَّ ابن مريم بفج الرَّوحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما»، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة مثله.

وروى غير واحد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وقد وصل المسجد الذي ببطن الروحاء عند عرق الظبية-: «هذا واد من أودية الجنة، وصلى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيًّا عليهم السَّلام، وقد مر به موسى بن عمران حاجًّا أو معتمرًا في سبعين ألفًا من بني إسرائيل على ناقة له ورقاء عليها عباءتان قطويتان يلبي».

وحاصله: أنَّ ابن عمر كان يتبرك بهذه الأماكن المذكورة، فيصلِّي فيها، وتشديده بالإتباع مشهور، ولا يعارضه ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنَّه كان في سفر فصلى الغداة، ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه، ويصلُّون فيه، ويقولون: صلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فيه، فقال: «من عرضت له الصلاة؛ فليصلِّ، وإلا؛ فليمض، فإنَّما أهلك أهل الكتاب أنَّهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا»؛ لأنَّ ذلك محمول من عمر رضي الله عنه على أنَّه كره زيارتهم لمثلها بغير صلاة، وخشي أن يشكل على من لا يعرف حقيقة الأمر فيه، فيلتزم الناس الصلاة فيه، فيرى الناس ذلك واجبًا، وكلا الأمرين مأمون على ابن عمر، وكان يتبرك بتلك الأماكن، فالتبرك بآثار الصالحين ثابت، وفي «الصَّحيح» كما سبق صلاته عليه السَّلام في موضع من بيت عتبان؛ ليتخذه مصلى وغير ذلك، انتهى أفاده إمام الشَّارحين بزيادة.

[حديث: أن رسول الله كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر]

٤٨٤ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إبراهيم بن المنذِر)؛ بكسر الذَّال المعجمة: هو الحزامي المدني -بالزاي المعجمة- نسبة إلى أحد أجداده، فإنَّه إبراهيم بن المنذِر بن عبد الله بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد الصمد بن قصي المديني، المتوفى سنة ست وثلاثين ومئتين (قال: حدثنا أنس بن عِياض)؛ بكسر العين المهملة: هو المدني، المتوفى سنة ثمانين ومئة.

(قال: حدثنا موسى بن عقبة) هو صاحب المغازي، المدني المشهور الثِّقة، (عن نافع) هو أبو عبد الله المدني التَّابعي مولى ابن عمر رضي الله عنهما، المتوفى سنة عشرين ومئة: (أنَّ عبد الله)؛ بفتح الهمزة؛ زاد الأصيلي: (يعني: ابن عمر)، ولأبوي ذر والوقت: (أنَّ عبد الله بن عمر) هو ابن الخطاب القرشي المدني رضي الله عنهما (أخبره) أي: أخبر نافعًا (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الهمزة (كان) أتى بها لإفادة الدوام والاستمرار (ينزل بذي الحُلَيفة)؛ بِضَمِّ الحاء المهملة، وفتح اللَّام؛ وهو الميقات المشهور لأهل المدينة، وهو من المدينة على أربعة أميال، ومن مكة على مئتي ميل غير ميلين، وزعم الكرماني بينها وبين المدينة ميل أو ميلان، والميل: ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف ذراع ومنها إلى مكة عشر مراحل، وزعم ابن التين أنَّها أبعد المواقيت من مكة؛ تعظيمًا لأجر النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، كذا في «عمدة القاري»، (حين يعتمر، وفي حجته حين حج)؛ أي: حجة الوداع، قيل: وفي نسخة: (حين يحج)، وعلى الأولى شرح إمام الشَّارحين، وقال: (إنَّما قال في العمرة بلفظ المضارع، وفي الحج بلفظ الماضي؛ لأنَّه عليه السَّلام لم يحج إلا مرة واحدة، وتكررت منه العمرة) انتهى، وتبعه ابن حجر وغيره.

وزعم الكرماني أنَّ المضارع قد يفيد الاستمرار.

وردَّه إمامنا الشَّارح: (بأنَّ الماضي أقوى في إفادة الاستمرار من المضارع؛ لأنَّ الماضي قد مضى واستقر بخلاف المضارع) انتهى.

واعترضه ابن حجر تعصبًا بأنَّ من يستدل على الاستمرار بالاستقرار، فما له ولتعقيب كلام الناس؟ انتهى.

قلت: انظر إلى هذا الكلام الذي لا يصدر من ذوي الأفهام، والحال أنَّه لم يستدل بذلك، وإنَّما ذكر المعنى الذي يفيده اللَّفظ في الكلام على القواعد الموضوعة للنحاة الموافقة للمرام، وإنَّما قال ذلك في تعقيب كلام الناس عدم فهمهم الكلام بالمعاني والأساس.

ويدل على صحة ما قاله إمامنا الشَّارح أنَّ لفظ (كان) يفيد الدوام والاستمرار في الألفاظ المطلقة، ثم عبر بالعمرة بالمضارع المطلق، فأفاد التكرار، وعبر بالحج -في قوله: (وفي حجته)؛ أي: التي حجها، وهي حجة الوادع- بالماضي المقيد، فأفاد عدم التكرار، والوقوع مرة واحدة، وهذا ظاهر اللَّفظ؛ فليحفظ، ولا عليك من لقلقة اللسان بغير حجة وبرهان؛ فافهم.

والنُّسخة الثانية الله أعلم بصحتها، ولم ينقلها أحد من الشراح غير العجلوني ذكرها ولم يَعزُها لأحد من الرواة، وهو نقل أوهى من بيت العنكبوت؛ لأنَّه من غير برهان ولا نعوت؛ فافهم.

(تحت سَمُرة)؛ بفتح السين المهملة، وضم الميم: وهي شجرة الطلح، وهو عظام الأشجار التي لها شوك، وتعرف عند الناس: بأم غيلان، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وهي كثيرة في البساتين في ديارنا الشريفة الشامية، وتوضع في الحدود بينها؛ لأنَّها تُعمَّر كثيرًا كما يعهد من حالها.

(في موضع المسجد الذي بذي الحليفة) قيل: وفي نسخة: (الذي كان بذي الحليفة)، وهذا موضع التَّرجمة، ولهذا قال إمامنا الشَّارح: (ومطابقته للتَّرجمة ظاهرة في الفصلين) انتهى، (وكان إذا رجع من غزوة)؛ بالتأنيث، وفي رواية: بحذف التَّاء؛ (وكان (١) في تلك الطريق)؛ أي: طريق ذي الحليفة، والجملة حالية بالواو، وفي رواية: بحذف الواو، فهي صفة


(١) في الأصل: (كان)، وأُثبتت الواو؛ لأنه شرح عليها.

<<  <   >  >>