للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال النَّووي في «التهذيب» : (لم يسمع من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا رآه)، قال إمام الشارحين: (فإن قلت: مروان لم يسمع من النبيِّ عليه السَّلام ولا كان بالحديبية، وكيف روايته؟

قلت: رواية المسور هي الأصل، لكن ضم إليه رواية مروان للتقوية والتأكيد) انتهى.

قلت: وبهذا ظهر فساد ما زعمه الكرماني، وتبعه ابن حجر والقسطلاني من أن رواية مروان مرسل صحابي، وهو حجة، بل يقال كما قال إمام الشارحين: ضمت لرواية المسور التي هي الأصل؛ للتقوية والتأكيد، وقد ارتضاه العجلوني فاتبع الحق، وعرج عما ذكره الكرماني وابن حجر، فالعجب منه حيث لم يتعصب هنا لابن حجر، فتبع صاحب «عمدة القاري» في هذا الجواب الذي هو الصواب، لكنه ذكره في شرحه ونسبه لنفسه، وما هو له، بل قد أخذه من شرح إمام الشارحين رضي الله عنه، وجعله من الآمنين.

وقوله: (خرج النبيُّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم...) إلخ؛ مقول عروة كما يظهر، لكن في الحقيقة هو مقول المسور ومروان بدليل ما سيأتي في قصة الحديبية بلفظ: عن عروة، عن مروان والمسور؛ قالا: «خرج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم...»؛ الحديث، ولأنَّهما اللذان حضرا القصة، ولو على سبيل التغليب؛ فافهم، (زمن) : متعلق بـ (يخرج)، وللأصيلي: (في زمن) (حُدَيْبِيَة) وفي رواية: (الحُدَيْبِيَة)؛ بـ (أل) التي للمح الأصل، وهي بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الدَّال، وسكون التحتية الأولى، وكسر الموحدة، وفتح التحتية الثانية، كذا قاله أئمة العراق، وبتشديد التحتية عند أكثر المحدثين، وقال ابن المديني: (أهل المدينة يثقِّلونها)، قال صاحب «عمدة القاري» : (وهي تصغير حدباء؛ لأنَّ حديبية قرية سمِّيت بشجرة هناك، وهي حدباء، وكانت الصحابة رضي الله عنهم بايعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت هذه الشجرة، وهي تسمَّى بيعة الرضوان، وقيل: هي قرية سمِّيت ببئر هناك، وعلى كلا التقديرين الصواب التخفيف، وهي على نحو مرحلة من مكة) انتهى كلامه

وبهذا ظهر القول الصواب، وفسد ما قاله القسطلاني والعجلوني من ذكر الأقوال من غير تعبير بالصواب؛ فافهم.

(فذكر)؛ أي: عروة، وقول القسطلاني: (حذيفة) خطأ ظاهر؛ فليحفظ (الحديث)؛ أي: الآتي بتمامه إن شاء الله تعالى في صلح الحديبية، وفيه: (وما تنخَّم النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) : فعل ماض من باب (التفعُّل)، يقال: تنخَّم الرجل؛ إذا دفع بشيء من صدره أو أنفه، قاله في «المحكم»، وثلاثيه: نخم نخَمًا ونخْمًا، كذا في «عمدة القاري» (نُخامة)؛ بالنُّون المضمومة: النخاعة، كما في «الصحاح»، و «المجمل»، وفي «المغرب» : (هي ما يخرج من الخيشوم)، وزعم النووي: أنها تخرج من الفم بخلاف النخاعة، فإنها تخرج من الحلق، وقال بعض الفقهاء: النخامة: هي الخارج من الصدر، والبلغم: هو النازل من الدماغ، وبعضهم عكسوا، كذا قاله إمام الشارحين، (إلا وقعت في كف رجل منهم)؛ أي: ما تنخم في حال من الأحوال إلا في حال وقوعها في كفِّ رجلٍ من أصحابه؛ أي: رمى بنخامته في كفه، وهو إما عطف على (خرج)، وإما على (الحديث)، وهل المراد أنه ما تنخم زمن الحديبية إلا وقعت في كف رجل، أو ما تنخم قطٌّ مطلقًا في أي حال من الأحوال إلا وقت وقوعها في كف رجل منهم؛ لمبادرتهم لأخذها للتبرك، فلا يختص بزمن الحديبية، استظهر الكرماني الأول، وهو التقييد بزمن الحديبية، واستظهر إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» الثاني، وهو الإطلاق، وزعم العجلوني أن مقتضى المقام التقييد وإن كان للإطلاق وجه سديد.

قلت: هذا ممنوع، بل مقتضى المقام الإطلاق؛ لأنَّ المقصود من ذلك التبرك والتشرف بآثاره عليه السَّلام، وهو لا يختص بوقت دون وقت، والتقييد هنا بزمن الحديبية اتفاقي ولبيان الواقع، وإلا؛ فهو عام لجميع الأزمان، والمقصود منه التبرك، ولذا قال: (فدلك)؛ بالدَّال المهملة؛ أي: الرجل من أصحابه (بها)؛ أي: بنخامته عليه السَّلام (وجهه وجلده) فيزداد نورًا على نوره، وشرفًا على شرفه؛ لأنَّهم قد حصل لهم النور برؤيتهم له عليه السَّلام، وبمسِّ شيء من آثاره يزدادون نورًا، وشرفًا، وبركةً، وهذا يعين الإطلاق، وينفي التقييد، كما لا يخفى.

وقال الكرماني: (فإن قلت: ما وجه ذكر حديث الحديبية هنا؟ قلت: إما لأنَّ التنخم وقع في الحديث، وإما لأنَّ الراوي ساق الحديثين سوقًا واحدًا، وذكرهما معًا وكثيرًا ما يفعله المحدثون).

وردَّه في «عمدة القاري» فقال: (قلت: لم يطَّلع الكرماني على الموضع الذي ساق البخاري فيه الحديث، فلذلك تردَّد (١) في جواب السؤال، فلو كان اطَّلع عليه؛ لم يتردَّد) انتهى.

وتبعه الشراح فقالوا: وغفل الكرماني فظن أنه حديث آخر، ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تامًّا؛ لظهر له الصواب، انتهى.

[حديث: بزق النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه]

٢٤١ - وبه قال: (حدثنا محمَّد بن يوسف) : هو الفِريابي؛ بكسر الفاء وبالتحتية قبل الألف، وبالموحدة (قال: حدثنا سفيان) : هو الثوري، كما صرَّح به الدارقطني، ولأن الفريابي كثير الملازمة للثوري، وتمامه في «عمدة القاري»، (عن حمُيد)؛ بضمِّ الحاء المهملة، بالتصغير، المشهور بالطويل.

فإن قلت: لم لا يقال: إن حميدًا هذا هو حميد بن هلال؛ لأنَّه في طبقة حميد الطويل؟

قلت: لأنَّ السفيانين لم يرويا عن حميد بن هلال شيئًا، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»؛ أي: فتعين أن يكون هذا هو حميد الطويل؛ فافهم.

(عن أنس)؛ أي: ابن مالك، كما في رواية الأصيلي (قال) أي: أنس رضي الله عنه: (بَزق)؛ بفتح الزاي، من باب (قتل)؛ أي: بصق، وهو إبدال منه، كما نصَّ عليه في «المصباح»، ويقال بالسين أيضًا، كما قدمناه (النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوبه) أي: ثوب النبيِّ الأعظم عليه السَّلام، وهو الظاهر كما قاله إمام الشارحين، وزعم البرماوي تبعًا للكرماني أنه يحتمل عود الضمير إلى أنس رضي الله عنه، وهو بعيد، قال في «عمدة القاري» : قلت: وجه بعده ما رواه أبو نعيم في «مستخرجه»، وهو هذا الحديث من طريق الفريابي، وزاد في آخره: (وهو في الصَّلاة) انتهى.

قلت: فهذه الزيادة تعين رجوع الضمير إلى النبيِّ عليه السَّلام، وتنفي عود الضمير إلى أنس، ولهذا اقتصر عليه القسطلاني، كما لا يخفى.

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وفي رواية إسقاط (قال أبو عبد الله)، لكن أكثر الأصول على إثباتها، وعليها شرح إمام الشارحين الشيخ الإمام بدر الدين العيني رضي الله تعالى عنه: (طوله)؛ بالضمير، وفي رواية: بحذفه، لكنه مراعًى؛ أي: طول هذا الحديث؛ يعني: ذكره مطولًا في باب (حك البزاق باليد من المسجد)، وسيأتي إن شاء الله تعالى (ابنُ أبي مريم)؛ بالرفع فاعل (طوله)، وهو شيخ المؤلف، واسمه سَعِيْد بن الحكم بن محمَّد بن أبي مريم المصري الثقة، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين (قال: أخبرنا يحيى بن أيُّوب) : هو الغافِقي؛ بمعجمة، ففاء مكسورة، فقاف، المصري مولى عمر بن الحكم بن مروان أبو العباس، المتوفى سنة ثمان وستين ومئة، وفيه لين، وقال أبو حاتم: (لا يحتج به)، وقال النسائي: (ليس بالقوي) (قال: حدثني) بالإفراد (حُميد)


(١) في الأصل: (ردد)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>