للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٤) [باب التبرز في البيوت]

هذا (باب التبرز) مصدر (تبرَّز)؛ أي: قضاء الحاجة (في البيوت) أشار بهذه الترجمة إلى [أن] خروج النساء للبراز لم يستمر؛ بل اتُّخِذت بعد ذلك الأخلية والمرتفعات في البيوت، فاستُغنِي عن الخروج إلا لضرورة.

[حديث: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي]

١٤٨ - وبه قال: (حدثنا) بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (إبراهيم بن المنذر)؛ بضم الميم، وسكون النُّون، وكسر الذال المعجمة، بلفظ اسم الفاعل من الإنذار، الحراني القرشي (قال: حدثنا أنس بن عِياض)؛ بكسر العين المهملة، أبو ضمرة الليثي المدني، المتوفى سنة مئتين عن ست وتسعين سنة، (عن عبيد الله)؛ بالتصغير، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عثمان القرشي المدني، المتوفى سنة سبع وأربعين ومئة، (عن محمد بن يحيى بن حَبَّان)؛ بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، (عن) عمه (واسع بن حبان) المذكور (عن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (قال)؛ أي: عبد الله: (ارتقيتُ)؛ أي: صعدت (فوق ظهر بيت حفصة)؛ يعني: أخته كما صرح به مسلم (لبعض حاجتي)، ولفظ: (ظهر) ساقط في رواية، وفي الرواية السابقة: (على ظهر بيتٍلنا)، وفي رواية تأتي: (على ظهر بيتنا)، وطريق الجمع: أن إضافة البيت إليه مجازٌ؛ لكونها أخته، وإضافته إليها باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي الأعظم عليه السلام فيه - [لا] (١) في بيت عمر- يعرف بها، واستمر في يدها إلى أن ماتت فورثه عنها، وإضافته إلى نفسه باعتبار ما آل إليه الحال؛ لأنَّه ورثها دون إخوته؛ لكونها كانت شقيقته، (فرأيت)؛ أي: أبصرت، فلا يقتضي إلا مفعولًا واحدًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقضي حاجته) فالجملة محلها النصب على الحال، وحال كونه (مستدبر القبلة)؛ أي: جاعلها خلفه؛ أي: بالاستنجاء، كما يدل عليه حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، أو كان في مهبِّ الريح فخشي أن يعود عليه أو غير ذلك، وعلى كلِّ؛ فحديث النهي مقدَّم على هذا من وجوه ذكرناها في الباب قبله، (مستقبل الشأم)؛ بالهمز وترْكه؛ أي: جاعلها قدَّامه، لا يقال: شرط الحال أن يكون نكرة؛ لأنَّا نقول: إضافته لفظية لا تفيد التعريف، وفائدة ذكره: التأكيد والتصريح به، وإلا فمستقبل الشام في المدينة مستدبر القبلة قطعًا، وفي الرواية السابقة: (مستقبلًا بيت المقدس)، وكذا في الرواية الآتية، ولا منافاة فإنَّ العبارة مختلفة والمعنى واحد؛ لأنَّهما في جهة واحدة.

[بابٌ]

هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط في رواية، بغير ترجمة.

[حديث ابن عمر: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا فرأيت]

١٤٩ - وبه قال: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن يوسف الدورقي (قال: حدثنا يزيد)؛ أي: ابن هارون -كما صرح به الأصيلي وأبو الوقت- ابن زاذان؛ بالزاي والذال المعجمة، أبو خالد الواسطي الذي كان يحضر مجلسه ببغداد سبعون ألفًا، المتوفى بواسط سنة ست ومئتين عن ثمانٍ وثمانين سنة، (قال: أخبرنا يحيى)؛ أي: ابن سعيد الأنصاري المدني الذي روى عنه مالك هذا الحديث كما سبق، ((عن محمد بن يحيى بن حَبَّان)؛ بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: (أن عمه واسع بن حبان) المذكور (أخبره: أن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (أخبره قال: لقد ظهرت)؛ بالظاء المشالة؛ أي: علوت وارتفعت، مؤكد بـ (قد) واللام، (ذات يوم)؛ أي: يومًا، من إضافة المسمَّى إلى اسمه، أي: ظهرت في زمان هو مسمى لفظ اليوم وصاحبه، ويحتمل أن يكون من إضافة العام إلى الخاص؛ أي: ظهرت نفس اليوم، فيفيد التأكيد؛ أي: اليوم نفسه، وإنَّما لم ينصرف (ذات يوم) و (ذات مرة)؛ لأنَّ إضافتها من قبيل إضافة المسمَّى إلى الاسم كما ذكرنا؛ ولأنَّ (ذات) ليس لها تمكُّن في ظروف الزمان؛ لأنَّه ليس من أسماء الزمان.

وزعم السهيلي: أن (ذات مرة) و (ذات يوم) لا يتصرفان في لغة خثعم ولا غيرها، وحكي عن سيبويه: أنَّه ادَّعى جواز التصرف في لغة خثعم، كذا في «عمدة القاري».

(على ظهر بيتنا) متعلق بـ (ظهرت)، (فرأيت)؛ أي: أبصرت، فلا يطلب إلا مفعولًا واحدًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونه (قاعدًا على لَبِنتين)؛ بفتح اللام وكسر الموحدة، تثنية: لَبِنة: الطوب النيء (مستقبلَ بيتِ المقدس)؛ بالنصب على الحال، حال بعد حال مترادفة أو متداخلة، واستغنى هنا عن (مستدبر القبلة) كما وقع في الرواية السابقة؛ لأنَّه لازم لمستقبل بيت المقدس بالمدينة، وعبَّر هنا بـ (بيت المقدس)، وفي السابقة بـ (الشام)؛ للتفنن، وإلَّا فالمراد منهما واحد، وقعوده عليه السلام كان إما للاستنجاء، واختاره لكونه خاليًا من الناس؛ لأنَّ كشف العورة له حرام، أو إمَّا للبول أو الغائط؛ حيث كان في مهبِّ الريح، فاختار استدبار القبلة؛ لأنَّه أخفُّ، فإنه لو شرَّق أو غرَّب؛ عاد عليه الخارج بسبب الريح، فارتكب أخفَّ الضررين؛ أحدهما: هذا، والثاني: حرمة استقبال القبلة واستدبارها؛ لأنَّه قول منصوص عليه من النبي الأعظم عليه السلام، وهو أولى من الفعل عند المحققين، وذكرنا بقية الكلام عليه في باب (لا يستقبل القبلة بغائط أو بول)؛ فافهم، والله أعلم.

وفي يوم الاثنين العشرون من ذي الحجة آخر سنة ست وسبعين ومئتين وألف قامت الإسلام على النصارى في ديارنا الشريفة الشامية، فأحرقوا بيوتهم وكنائسهم، وهدموا أماكنهم، ونهبوا أموالهم، وقتلوا بعضهم، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.

(١٥) [باب الاستنجاء بالماء]

هذا (باب) حكم (الاستنجاء بالماء) المطلق، (استفعال)؛ أي: طلب الإنجاء، والهمزة للسلب والإزالة؛ كالاستعتاب؛ لطلب الإعتاب لا العتب، وهو إزالة النجو؛ أي: الأذى الباقي في فم المخرج، وأكثر ما يستعمل في الماء، وقد يستعمل في الأحجار، وأصله من النجو؛ وهو القَشْر والإزالة، وقيل: من النجوة؛ لاستتارهم به أو لارتفاعهم وتجافيهم عن الأرض عند ذلك، أو من النجو؛ بمعنى: القطع؛ لأنَّه يقطع عنه الأذى بالماء أو الحجر، والنجو: ما يخرج من البطن، يقال: نجا وأنجى؛ إذا أحدث، وفي اصطلاح الفقهاء: هو إزالة النجو عن أحد المخرجين بالماء أو بالحجر، وظاهره: أن النجاسة تزول بالحجر بالكلية حتى لو دخل الماء القليل لا ينجسه، وهو قول في المذهب كما في «السراج» وغيره، لكن ذكر في «البزازية» و «الخلاصة» وغيرهما: أن حكم النجاسة بعد الحجر باقٍ حتى لو دخل الماء القليل نجَّسه؛ بناء على أنَّ الحجر مخفِّف لا قالع، كما في «فتح القدير» فهما قولان مصحَّحان كما في «منهل الطلاب».

والفرق بين الاستنجاء والاستبراء والاستنقاء: أنَّ الاستنجاء: استعمال الماء أوالحجر، والاستبراء: نقل الأقدام والركض بها ونحو ذلك حتى يستيقن بزوال أثر البول، والاستنقاء: هو النقاوة؛ وهو أن يدلك بالأحجار حال الاستجمار، أو بالأصابع حال الاستنجاء بالماء حتى تذهب الرائحة الكريهة، هذا هو الأصحُّ في الفرق بينها كما في «المقدمة الغزنوية».

وأشار المؤلف بهذه الترجمة كما في «عمدة القاري» الرد على من كره الاستنجاء بالماء، وقال: إنه للنساء، وعلى من نفى وقوعه من النبي الأعظم عليه السلام.

[حديث أنس: كان النبي إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام]

١٥٠ - وبه قال: (حدثنا أبو الوليد هِشام) بكسر الهاء (بن عبد الملك) الطيالسي البصري، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن أبي مُعاذ)؛ بضم الميم وبالذال المعجمة، (واسمه عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي مولى أنس بن مالك أو عمران بن حصين، المتوفى بعد الطاعون في البصرة، سنة إحدى وثلاثين ومئة، وفي نسخة: الاقتصار على قوله: (عن أبي معاذ)، قيل: إنه يرى القدر، (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه حال كونه (يقول) فالجملة حال محلها النصب: (كان) أتى بها؛ لأنَّها تشعر في مثل هذا بالتكرار والاستمرار لمدخولها (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية: (رسول الله)، وعلى الروايتين فهو مرفوع بـ (كان) على أنَّه اسمها (إذا خرج)؛ أي: من بيته أو من بيت غيره (لحاجته) اللام: للتعليل؛ أي: لأجل قضائها، وهي البول أو الغائط، وجملة قوله: (أجيء أنا وغلام) خبر (كان) حذف منه العائد؛ تقديره: أجيئه أنا وغلام معي، ويدل عليه الرواية الآتية: (تبعته أنا وغلام منَّا)؛ أي: من الأنصار، وكلمة (إذا) للظرف المحض، ويحتمل أن يكون فيها معنى الشرط، وجوابه: قوله: (أجيء) والجملة تكون في محل نصب على أنَّها خبر (كان)، وكلمة (أنا) مرفوع (أبرز) (٢)؛ ليصح عطف (غلام) على ما قبله؛ لئلَّا يلزم عطف اسم على فعل،


(١) (لا) : ليس في الأصل، ولعل الصواب إثباتها.
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (أجيء).

<<  <   >  >>