للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

باسم سببه، فإن وجوده سبب لبعده عن الصَّلاة ونحوها، فلا يرد أن الجنابة معنًى لا عين (١)، فكيف تغسل؟ قاله الكرماني، وقال في «عمدة القاري» بعد ذكره: قلت: يجوز أن تكون عائشة رضي الله عنها أطلقت على المنيِّ اسم الجنابة وحينئذٍ فلا حاجة إلى التقدير بالحذف أو المجاز.

قلت: وحينئذٍ فإطلاق الجنابة على المنيِّ حقيقة؛ فليحفظ.

(من ثوب النبيِّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم) قالت عائشة: (فيخرج)؛ أي: من حجرتي (إلى الصَّلاة) أي: في المسجد (وإنَّ) بكسر الهمزة، وتشديد النون لوقوعها في أول الجملة الحالية (بقع الماء في ثوبه) الشريف عليه السلام، والبُقَع؛ بضمِّ الموحدة، وفتح القاف، وبالعين المهملة، جمع بقعة؛ كالنطفة، والنطف، والنطفة، والبقعة في الأصل: قطعة من الأرض يخالف لونها لون ما يليها، وفي بعض النسخ بفتح الموحدة، وسكون القاف، جمع بقعة؛ كتمر، وتمرة، ويفرق بين الجنس والواحد منه بالتاء، وقال التيمي: (يريد بالبقعة: الأثر)، قال أهل اللغة: البقع اختلاف اللونين يقال: غراب أبقع، كذا في «عمدة القاري»، وقال ابن بطال: البقع بقع المنيِّ وطبعه، ورده في «عمدة القاري» : (بأن هذا ليس بشيء؛ لأنَّه (٢) في الحديث صرح: «وإن بقع الماء»، ووقع عند ابن ماجه: «وأنا أرى أثر الغسل فيه»؛ يعني: لم يجف) انتهى؛ أي: فبقيت البقع في ثوبه عليه السلام بعد غسله؛ لأنَّه خرج مبادِرًا إلى الصَّلاة، ولم يكن له ثياب أخر ليلبسها، وفي الحديث حجة قوية ومحجة مستقيمة للأئمة الحنفية على أن المنيَّ نجس؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أغسل الجنابة من ثوب النبيِّ عليه السلام)، فقولها: (كنت) يدل على تكرار هذا الفعل منها، واستمراره، فهذا أدل دليل على نجاسة المني، وهو حجة على الشافعية بقولهم: إنه طاهر، وقال الكرماني: (وليس في الحديث حجة لمن قال بنجاسة المني؛ لاحتمال أن يكون غسله بسبب أنه ممن كان نجسًا، أو بسبب اختلاطه برطوبة فرجها على مذهب من قال بنجاسته رطوبة الفرج) انتهى.

ورده في «عمدة القاري» بقوله: (قلت: بل له حجة، وتعليله بهذا لدعواه لا يفيد شيئًا؛ لأنَّ المشرِّحين من الأطباء الأقدمين قالوا: إن مستقر المني في غير مستقر البول، وكذلك أكثر مخرجيهما، وأما نجاسة رطوبة فرج المرأة؛ ففيها خلاف عندهم) انتهى.

قلت: والصحيح عندهم أن رطوبة فرج المرأة طاهرة، ودعوى أن المني لا يَسْلَمُ من المذي فيتنجس به؛ ممنوعة باطلة؛ لأنَّ الشهوة إذا اشتدت خرج المني بلا مذي ولا بول؛ كحالة الاحتلام، وما عداه نادر لا حكم له؛ فليحفظ.

وزعم ابن حجر أن قولها: (كانت تغسله) ليس يقتضي إيجابه، ورده في «عمدة القاري» : بأن قولها: (كنت) يدل على تكرار الغسل منها، وهو علامة الوجوب من ورود الأمر فيه بالغسل، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، كما قاله أهل الأصول، وهذا القائل يريد تمشية مذهبه من غير دليل.

قال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث: خدمة المرأة لزوجها في غسل ثيابه ونحو ذلك خصوصًا إذا كان من أمر يتعلق بها وهو من حسن المعاشرة وجميل الصحبة، وفيه: نقل أحوال المقتدى به وإن كان يستحي من ذكرها عادة، وفيه خروج المصلي إلى المسجد بثوبه الذي غسل منه المني قبل جفافه) انتهى.

[حديث: كنت أغسله من ثوب رسول الله]

٢٣٠ - وبه قال: (حدثنا قُتِيْبة) هو ابن سَعِيْد؛ بضمِّ القاف، وفتح الفوقية، وسكون التحتية (قال: حدثنا يزيد) من الزيادة غير منسوب، قال في «عمدة القاري» : (واختلف فيه فقيل: هو يزيد بن زريع، وقيل: يزيد بن هارون، وكلاهما رويا عن عمرو بن ميمون، ووقع في رواية الفربري غير منسوب، ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري: حدثنا يزيد هو ابن زريع، وكذا أشار إليه الكلاباذي، ثم قال: (فإن قلت: الاختلاف المذكور في يزيد هل هو ابن زريع أو ابن هارون التباسٌ وهو يقدح في الحديث؟

قلت: لا التباس ولا قدح؛ لأنَّ أيَّا كان هو عدل ضابط بشرط البخاري، وإنما كان يُقْدَحُ لو كان أحدهما على غير شرطه) انتهى، والله أعلم.

ورجح القطب الحلبي أنه ابن هارون قال: لأنَّه لم يوجد من رواية ابن زريع، ووجد من رواية ابن هارون، واعترضه ابن حجر: بأنه لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود، وقد جزم ابن مسعود: بأنه رواه، فدل على وجدانه، ورده في «عمدة القاري» : بأنه ليس كذلك، فإن أبا مسعود ما جزم به، وإنما قال: يقال: هو ابن هارون لا ابن زريع، ورواه الإسماعيلي من طريق الدورقي، وأحمد بن منيع، ويوسف بن موسى؛ قالوا: حدثنا يزيد بن هارون، ورواه أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة أخبرنا يزيد بن هارون، وذكره الجيَّاني أيضًا، ورجح ابن حجر كلامه في كون يزيد هذا ابن زريع لا ابن هارون بشيئين لا ينهض كلامه بهما؛ أولهما: بقوله: وقد خرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري، وهذا من مرجحات كونه ابن زريع، والثاني: قال: وقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون ابن هارون، ورد الأول في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: هذا الذي قاله حجة عليه، ورد لكلامه؛ لأنَّ مخالفة لفظ من روى هذا الحديث لسياق البخاري، وليست بمرجحة؛ لكون يزيد هذا هو ابن زريع مع صراحة ذكر هارون في الروايات المذكورة)، ورد الثاني بقوله: (قلت: هذا أيضًا حجة عليه، ومردود عليه؛ لأنَّ كون قتيبة معروفًا بالرواية عن يزيد بن زريع لا ينافي روايته عن يزيد بن هارون بعد أن ثبت أن قتيبة روى عنهما جميعًا، ولقد غره في هذا ما قاله المزِّيُّ: «الصحيح أنه يزيد بن زريع، فإن قتيبة مشهور بالرواية عن ابن زريع دون ابن هارون») انتهى.

قالوا: وفيه نظر، ووجهه ما ذكرناه، وكان قصد هذا القائل توهية كلام الحلبي، والدليل عليه ذكره إياه بما ذكره، ولا يخفى ذلك على من له فطانة، انتهى كلامه رضي الله عنه.

(قال: حدثنا عَمرو) بفتح العين، وفي رواية؛ (يعني: ابن ميمون)، (عن سليمان)؛ بضمِّ السين المهملة، هو ابن يسار، كما في رواية (قال: سمعت عائشة)؛ الصديقة رضي الله عنها.

(ح) إشارة إلى التحويل من إسناد قبل ذكر متن الحديث إلى إسناد آخر له: (وحدثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد البصري أبو بشر ثقة صدوق، المتوفى سنة سبع وسبعين ومئة بالبصرة، قال في «عمدة القاري» : (وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري، ولم يخرِّج له المؤلف شيئًا) (قال: حدثنا عمرو) بفتح العين؛ (يعني: ابن ميمون) أشار به إلى أن شيخه لم ينسبه، وهذا تفسير له من تلقاء نفسه، وفي رواية عمرو غير منسوب، (عن سُليمان) بضمِّ المهملة: هو ابن يسار (قال: سألت عائشة)؛ الصديقة رضي الله عنها، وأشار المؤلف في الإسناد الأول بقوله: سمعت، وفي هذا الثاني (سألت) إلى الرد على من زعم أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة رضي الله عنها؛ منهم: أحمد ابن حنبل، والبزار، وقد صرح المؤلف بسماعه منها، وكذا هو في «صحيح مسلم»، قال في «عمدة القاري» بعد ذكره وفي (سمعت)، و (سألت) لطيفة أخرى لم يأت بها الشراح، وهي أن كل واحدة من هاتين اللفظتين لا تسلتزم الأخرى؛ لأنَّ السماع لا يستلزم السؤال، ولا السؤال يستلزم السماع، فلذلك ذكرهما في الإسنادين؛ ليدل على صحة السؤال، وصحة السماع؛ فافهم، والله أعلم، (عن المني) أي: عن حكم المني (يصيب الثوب) هل يُغْسَلُ رطبًا، ويُفْرَكُ يابسًا؟ (فقالت)؛ أي: عائشة رضي الله عنها: (كنت أغسله) أي: المني (من ثوب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)


(١) في الأصل: (غير)، ولعله تحريف.
(٢) في الأصل: (فإن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>