للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أوليائه من المعارف والحكم، أو ما يكتبه الحفظة، انتهى.

قال ابن بطال: (وفي الحديث: جواز دخول الدَّواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج لذلك؛ لأنَّ بولها ليس بنجس، بخلاف غيرها من الدَّواب؛ فلا يجوز، وهو قول مالك).

واعترضه ابن حجر بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز في غيرها عند الحاجة، بل الأمر دائر على التلويث وعدمه، فحيث خيف التلويث؛ امتنع الإدخال، وإلا؛ فلا.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (وفيه نظر؛ لأنَّ قوله عليه السَّلام: «طوفي وأنت راكبة» لا يدل على أنَّ الجواز وعدمه دائران مع التلويث، بل ظاهره يدل على الجواز مطلقًا عند الضرورة) انتهى.

واعترضه العجلوني بأنه مصروف عن الظَّاهر؛ لدلائل أخرى؛ منها: الخبر المار: «جنبوا مساجدكم..»؛ فتأمل، انتهى.

قلت: هذا الحديث مقيد بالضرورة، وأمَّا: «جنبوا مساجدكم»؛ فليس مقيدًا بالضرورة، فيحمل المطلق على المقيد على القاعدة المشهورة، وعلى هذا؛ فالحديث ليس مصروفًا عن الظَّاهر كما زعمه هذا القائل، على أنَّه قد جاء عند البخاري: (أنه عليه السَّلام أمر أناسًا (١) من عكل بلقاح وأن يشربوا من أبوالها...)؛ الحديث، وهو ظاهر في أنَّه يدل على الطهارة، لكنه مقيد بالضرورة كما هنا.

والحاصل: أنَّ حديث الباب يدل على الجواز مطلقًا عند الضرورة، وكذا حديث عكل، وكذلك حديث: «جنبوا مساجدكم»، فإنَّه محمول على المنع إلا للضرورة، وهذا توفيق حسن بين الأحاديث، فلا تعارض؛ فافهم ولا تكن من الغافلين.

وزعم ابن حجر أنَّ ناقته عليه السَّلام كانت مدربة معلمة، فيؤمن منها ما يخاف من التلويث وهي سائرة، فيحتمل أنَّ بعير أم سلمة كان كذلك، انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (سلمنا هذا في ناقة النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ما يقال في الناقة التي كانت عليها أم سلمة وهي طائفة، ولئن قيل: إنَّها كانت ناقته عليه السَّلام؛ قيل له: يحتاج إلى بيان ذلك بالدليل) انتهى.

قلت: واحتمال كون بعير أم سلمة كان معلمًا بعيد عن الظَّاهر؛ لأنَّه ليس جميع الإبل معلمة، ومع هذا يحتاج ذلك إلى دليل وبرهان، وإلا؛ فهو مردود لا يقبله النعسان.

وزعم العجلوني أنَّه غير وارد لمن تأمل.

قلت: بل هو وارد عليه؛ لأنَّه قائل بالاحتمال بلا دليل، فهو قول بالرأي؛ فاجتنبه.

وقال إمام الشَّارحين: (ومن فوائده: أنَّ النساء ينبغي لهنَّ أن يطفن من وراء الرجال؛ لأنَّ للطواف شبهًا للصلاة، ومن سنن النساء فيها أن يكنَّ خلف الرجال، فكذلك في الطواف.

ومنها: أنَّ راكب الدَّابة ينبغي له أن يجتنب ممر الناس ما استطاع، ولا يخالط الرجالة.

ومنها: جواز الطواف راكبًا للمعذور، ولا كراهة فيه، فإن كان غير معذور؛ يعتبر عندنا، وعند الشَّافعي: لا يجوز؛ لقوله عليه السَّلام: «الطواف بالبيت صلاة»، ولنا إطلاق قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: ٢٩]، وهو مطلق، والحديث للتشبيه، فلا عموم له، وبقولنا قال ابن المنذر وجماعة، وقال القرطبي: الجمهور على كراهة ذلك، قلنا: نحن أيضًا نقول بالكراهة حتى إنَّه يعيده ما دام بمكة، وسيجيء مزيد لذلك في «الحج») انتهى.

قلت: وهذه العبارة بتمامها لإمامنا الشَّارح، فذكرها شيخ عجلون، ونسبها لنفسه، واعترضه: بأنَّ عند الشَّافعي إن ركب بلا عذر؛ لم يكن، قال: ولعله قول ضعيف لم أقف عليه، انتهى.

قلت: فقد نص الإسنوي وجماعة: على أنَّه مكروه، وبحث الأذرعي واعتمد أنَّه لا يجوز كما ذكره في «التحفة»، فقد حفظ شيئًا وغاب عنه أشياء، وهو وإن كان لم يقف عليه؛ لقصور علمه؛ فقد وقفنا عليه ونص عليه أصحاب الشَّافعي؛ فليحفظ، ولا تكن من الغافلين؛ فافهم.

(٧٩) [بابٌ]

هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وبهذا التقدير صار معربًا، ولهذا قال إمام الشَّارحين: (إن لم نقدِّر شيئًا (٢) قبل لفظ: «باب» أو بعده؛ لا يكون معربًا؛ لأنَّ الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ثم إنَّ البخاري جرت له عادة، وهي أنَّه إذا ذكر لفظ: «باب» مجردًا عن التَّرجمة؛ يدل ذلك على أنَّ الحديث الذي يذكره بعده يكون له مناسبة بأحاديث الباب الذي قبله، وههنا لا مناسبة بينهما أصلًا بحسب الظَّاهر على ما لا يخفى، لكن تُكُلِّف في ذلكفقيل: تعلقه بأبواب المساجد من جهة أنَّ الرجلين تأخرا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في تلك الليلة المظلمة؛ لانتظار صلاة العشاء معه، وقال بعضهم: فعلى هذا كان يليق أن يترجم له: فضل المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة، قلت: كل واحد من الكلامين غير موجه؛ لأنَّ حديث الباب لا يدل عليهما أصلًا؛ لأنَّ حديث الباب في الرجلين اللذين خرجا من عند النَّبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة حتى أتيا أهلهما) انتهى كلام إمام الشَّارحين.

ومراده بقوله: (فقيل) هو قول ابن رشيد، وبقوله: (بعضهم) ابن حجر، واعترضه العجلوني، فزعم أنَّه لا وجه لاعتراضه عليهما، فإنَّهما أبديا مناسبة لذكره في أبواب المساجد أخذًا من كلام ابن بطال، انتهى.

قلت: ليس كل من أبدى (٣) مناسبة يقبل منه، وأي مناسبة ههنا، والحديث الذي ذكره في الباب لا يدل عليها، فإنَّ الباب الذي قبله في إدخال البعير المسجد، وههنا في الرجلين الذين خرجا من عنده عليه السَّلام في ليلة مظلمة حتى أتيا أهلهما، فما المناسبة بينهما؟ كما لا يخفى، على أنَّ كلام ابن بطال فيه بُعد كما ستقف عليه قريبًا.

وزعم ابن حجر أنَّ المؤلف بيَّض لهذا الباب، فاستمر كذلك، وكأنَّه تلجج بحديث أبي داود وغيره عن بريدة من قوله عليه السَّلام: «بشر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد يوم القيامة بالنور التام» انتهى.

قلت: كون المؤلف بيَّض له فاستمر كذلك يدل على أنَّ المؤلف لم ير مناسبة لحديث الباب مع أحاديث الباب الذي قبله؛ لأنَّه لو كان فيه أدنى مناسبة؛ لذكر ترجمة تناسبه، وكونه تلجج بحديث أبي داود بعيد عن الأفهام؛ لأنَّه لو كان مراده هذا؛ لترجم له وذكره تحت ترجمته، ومن البعيد أن يترجم لشيء من الأحاديث ولم يذكرها؛ لأنَّه معيب عند المؤلفين، كما لا يخفى، ولأنَّ فيه تشتيت الأذهان بلا برهان؛ لأنَّ عادته ذكر الأحاديث حتى يستدل بها، وما لم يذكره يكون غير موافق لشرطه، فلا يعتمد عليه، فكيف يترجم أو يجنح إليه، وهو لا يستدل به؛ فافهم ذلك.

وقال ابن بطال: (إنَّما ذكر البخاري هذا الحديث في باب أحكام المساجد؛ لأنَّ الرجلين كانا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وهو موضع جلوسه مع أصحابه، وأكرمهما الله بالنور في الدنيا ببركته عليه السَّلام، وفضل مسجده وملازمته، وذلك آية للنبي عليه السَّلام وكرامة له) انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (هذا أيضًا فيه بُعد، والوجه أن يقال: إنَّهما لما كانا في المسجد مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وهما ينتظران صلاة العشاء معه؛ أُكرما


(١) في الأصل: (أناس)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (شيءٌ).
(٣) في الأصل: (أيد)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>