للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواية الإسماعيلي، كما ذكرها الشَّارحون؛ فافهم

(كراهية)، بتخفيف التحتية، وفي رواية: (كراهة) بحذفها، وفي رواية: (مخافة)، وهي بالنصب مفعول لأجله (أن تُرى) بضمِّ الفوقية (عورته)؛ أي: من تحت الإزار والكساء، والمعنى: أنَّه لم يكن لأحد منهم ثوبان، ويدلُّ عليه قول جابر بن عبد الله: (وأيُّنا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟)، كما سبق في باب (عقد الإزار على القفا).

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: (من أصحاب الصفة)؛ لأنَّه يشعر بأنَّهم كانوا ينامون فيها، واستوطنوها.

وفيه: جواز النوم للفقير الغريب الأعزب في المسجد، وهو يفيد أنَّه يكره النوم في المسجد للمتزوج، وكذلك من له مسكن، وهو كذلك؛ فإنَّ المساجد إنَّما بنيت للعبادة؛ كصلاة، وتلاوة قرآن، وتدريس فقه أو حديث ونحوها مما لم يشغل المصلين، فما يفعله بعض المتصوفة: من إقامة الأذكار في المساجد مع رفع الصوت والتغني؛ فهو أمر منكر مذموم لا أصل له في السنة، بل هو بدعة منكرة، كيف وقد ثبت عن صاحب الرسالة العظمى والنبوة الكبرى: «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي»؛ فيجب على كل من له قدرة أن يغير المنكرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي الحديث: افتراض ستر العورة في الصلاة وخارجها، وفيه: جواز الأكل والشرب في المسجد للغريب والفقير الأعزب؛ كالهنود، والأغوان الذين في رواق المسجد الأموي في ديارنا الشريفة الشامية.

(٥٩) [باب الصلاة إذا قدم من سفر]

هذا (باب) حكم (الصلاة) في المسجد، وغيره (إذا قدم)؛ بكسر الدال المهملة؛ أي: الرجل (من سفر)؛ بالتنكير، وظاهره: الإطلاق؛ أي: سواء كان طويلًا، أو قصيرًا في طاعة أو لا، وزعم العجلوني أنَّ المتبادر منه الطويل، انتهى.

قلت: ليس كذلك، بل المتبادر منه الإطلاق؛ لأنَّ الإتيان بالصلاة بعد القدوم من السفر إنَّما هي لأجل الشكر على نعمة السلامة، وهي لا تخص سفرًا دون سفر، كما لا يخفى، ويدلُّ عليه تنكيره السفر في الترجمة؛ فإنَّه يفيد الإطلاق وهو الأولى؛ فافهم

(وقال كعب بن مالك) : هو الأنصاري الشاعر، أحد الثلاثة الذين أنزل الله فيهم آية: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: ١١٨] وشهد العقبة مع السبعين، المتوفى بالمدينة سنة خمسين: (كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قدم) بكسر الدال المهملة (من سفر)؛ بالتنكير، وقوله (بدأ)؛ بالهمز في آخره؛ جواب (إذا) (بالمسجد)؛ أي: النبوي (فصلى فيه)؛ أي: في المسجد قبل ذهابه لبيته، وأقلُّ الصلاة فيه: ركعتان ينوي بهما سنة القدوم من السفر، ويحصل بها تحية المسجد؛ لأنَّ النفل يتداخل بعضه في بعض، كما لو نوى سنة الوضوء، وسنة تحية المسجد وغيرهما من النوافل في صلاة واحدة؛ كفى ذلك وحصل ثواب الجميع.

قال إمام الشَّارحين: وهذا التعليق ذكره البخاري مسندًا في غزوة تبوك، وهو حديث طويل يرويه عن يحيى ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك يحدثني حين تخلف عن غزوة تبوك... ؛ الحديث بطوله، وفيه: (وأصبح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد؛ فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس...)؛ الحديث، ومطابقته للترجمة ظاهرة، انتهى.

[حديث: صل ركعتين]

٤٤٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا خَلَّاد بن يحيى)؛ بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام على وزن (فعَّال)؛ بالتشديد: هو ابن صفوان الكوفي السلمي سكن مكة، وتوفي سنة سبع عشرة ومئتين (قال: حدثنا مِسْعَر)؛ بكسر الميم، وسكون السين، وفتح العين المهملتين: هو ابن كدام الكوفي (قال: حدثنا مُحَارِب) بضمِّ الميم، وفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، آخره موحدة (بن دِثار)؛ بكسر الدال المهملة، وبالمثلثة، وبالراء: هو السدوسي قاضي الكوفة؛ (عن جابر بن عبد الله) : هو الأنصاري الصحابي رضي الله عنه أنَّه (قال: أتيت النبيَّ)؛ الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وقوله: (وهو في المسجد)؛ أي: المدني، جملة محلها نصب على الحال من (النبي) (قال: مِسْعَر) : المذكور (أُراه)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّ محاربًا شيخه (قال: ضحًى)؛ أي: وقت الضحوة؛ أي: زاد جابر لفظة: (ضحى)؛ لكن هل زادها عقب أتيت أو عقب وهو في المسجد؟ توقف فيه العجلوني.

قلت: والظاهر: الثاني، يدلُّ عليه تأخير كلام مِسْعَر المشعر بأنَّه زادها عقب قوله: (وهو في المسجد)؛ فهو كلام مدرج من الراوي، وأن ضمير (أراه) المنصوب يرجع لـ (محارب).

(فقال)؛ أي: لي النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (صل ركعتين)؛ أي: للقدوم من السفر وليستا بتحية المسجد، وإن حصل بهما التحية، بل تحصل بكل صلاة عقب دخوله ما لم يوجد قاطع، ولا يتقيَّد فعل هاتين الركعتين بالمسجد؛ بل يجوز فعلهما (١) في المنزل، لكن المسجد أفضل؛ لأنَّه المأثور، ويشترط لصحة هذه الصلاة ونحوها ألَّا يؤديها في وقت منهيٍّ عنه كالأوقات الثلاث المشهورة؛ وهي عند الطلوع، وعند الاستواء، وعند الغروب؛ فإنَّ هذه الأوقات تكره فيها النافلة، وكذلك كل ما وجب في الذمة -فرضًا كان أو واجبًا- قبل دخولها؛ فلا يصحُّ؛ فافهم؛


(١) في الأصل: (فعلها)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>