للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وزعم الخطابي (١) فيه دليل على أن الصور كلها منهي عنها، سواء كانت أشخاصًا ماثلة أو غير ماثلة، وسواء كانت في ستر، أو بساط، أو في وجه جدار، أو غير ذلك.

قلت: إنَّما قال ذلك؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامه، وإلا؛ فالحديث لا يشمل ما يبسط ويفرش على الأرض، كما يأتي.

وقال ابن بطال: علم من الحديث النهي عن اللباس الذي فيه التصاوير بالطريق الأولى، وهذا كله على الكراهة، فإن من صلى فيه؛ فصلاته مجزئة؛ لأنَّه عليه السَّلام لم يعد الصلاة، ولأنه عليه السَّلام ذكر أنها عرضت له ولم يقل: إنه قطعها، ومن صلى بذلك أو نظر إليه؛ فصلاته مجزئة عند العلماء.

وقال المهلب (٢) : وإنما أمرنا عليه السَّلام باجتناب هذا؛ لإحضار الخشوع في الصلاة وقطع دواعي الشغل، وقيل: إنه منسوخ بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، رواه مالك بن أنس، عن أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله: (أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده، فوجد عنده سهل بن حنيف، فأمر أبو طلحة إنسانًا ينزع غطاء تحته، فقال له سهل: لم تنزعه؟ قال: لأنَّ فيه تصاوير، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما قد علمت، قال: ألم يقل إلا ما كان رقمًا في ثوب؟ قال: بلى، ولكنه لم يكن أطيب لنفسي)، وأخرجه النسائي عن علي بن شعيب، عن معن، عن مالك به، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على أن الصور التي تكون فيما يبسط، ويفترش، ويمتهن خارجة عن هذا النهي الوارد في هذا الباب، وبه قال الثوري، والنخعي، ومالك، وأحمد في رواية، وقال أبو عمر: ذكر ابن القاسم قال: كان الإمام الأعظم وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال، ولا يكرهون ذلك فيما يبسط، ولم يختلفوا في أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة، وكان مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب، وقال أبو عمر (٣) (وكره الليث التماثيل في البيوت، والأسرة، والقباب، والطساس، والمنارات إلا ما كان رقمًا في ثوب، وأما الشافعي؛ فإنه كره الصور مطلقًا سواء كانت على الثياب أو على الفرش والبسط ونحوهما، واحتج بعموم حديث النهي، ولم يفرق في ذلك) انتهى.

قلت: والحديث حجة عليه؛ لأنَّه قد فرق بين المعلق وبين المنبسط المفترش، فالأول مكروه دون الثاني؛ فليحفظ.

وذكر القسطلاني أن أمره عليه السَّلام بالإماطة في حديث الباب يستلزم النهي عن الاستعمال، انتهى.

قلت: وفيه نظر، فإنه عليه السَّلام ذكر سبب الأمر بالإماطة أنه تعرض له في صلاته، فالأمر بالإماطة قاصر على ما كانت الصور في البيوت والستور المعلقة، فلا يشمل ما إذا كانت مبسوطة مفروشة يوطأ عليها بالأرجل، فالنهي خاص بما قلنا، وهو لا يستلزم النهي عن الاستعمال فيما ذكر، لا سيما وقد دل حديث سهل بن حنيف أن النهي منسوخ؛ فافهم.

وما في حديث عائشة عند المؤلف في (اللباس) قالت: (لم يكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلا نقضه)؛ فهو لا يدل على النفي على العموم؛ لأنَّ التصليب خلاف الصورة التي في الثوب، فإنما كان ينقض التصليب؛ لأنَّه معبود عند النصارى، بخلاف الصورة في الثوب، فإنه كان يتركها تبسط وتفرش، يدل عليه حديث سهل بن حنيف على أن قوله: (إلا نقضه)؛ معناه: حوَّله إلى مكان آخر، يقال: نقض زيد باب داره؛ بمعنى: حوَّله، فكان يحوِّله عن موضع صلاته، فالحديث ليس على العموم؛ فافهم.

وحكى مكي في «الهداية» له: أن جماعة جوزت التصوير، واحتجت بقوله تعالى: {وَتَمَاثِيلَ}، قال ابن عطية: وذلك خطأ، وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه، ورده القرطبي فقال: (ما حكاه مكي ذكره النحاس قبله، قال النحاس: قال قوم: عمل الصور جائز؛ لهذه الآية، وقال قوم: صح النهي عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم عنها، والتوعد لمن عملها أو اتخذها، فنسخ الله بهذا ما كان مباحًا قبله، وكانت الحكمة في ذلك أنه عليه السَّلام بعث والصور تعبد من دون الله، فكان الأصلح إزالتها، وكان ذلك جائزًا في شريعة سليمان عليه السَّلام، ونسخ ذلك في شريعة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى.

(١٦) [باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه]

هذا (باب)؛ بالتنوين خبر مبتدأ محذوف؛ يذكر فيه حكم (من صلى في فَرُّوج)؛ بفتح الفاء، وضم الراء المشددة، آخره جيم: وهو القباء الذي شق من خلفه، وقال أبو العلاء المعري: يقال فيه: بضم الفاء من غير تشديد على وزن (خروج)، وقال القرطبي: (القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين، ضيق الوسط، مشقوق من خلف، يشمر فيه للحرب والأسفار) انتهى.

والمعنى: من صلى وهو لابس فروجًا من (حرير)؛ بالجر صفة لـ (فروج) (ثم نزعه) : بعد فراغه من الصلاة، وهذا حكاية ما وقع من النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم.

[حديث: لا ينبغي هذا للمتقين]

٣٧٥ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي المصري (قال: حدثنا الليث) : هو ابن سعد المصري، وزعم الكرماني أنه عرض عليه المنصور ولاية مصر فاستعفى، ورده إمام الشَّارحين فقال: (قد قيل: إنه ولي مدة يسيرة، وكان على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه) انتهى.

قلت: ويدل لذلك ما قاله المؤرخون منهم: -ابن خلكان-: إن الليث حنفي على مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه، وما قيل: إنه مجتهد؛ فباطل وتعصب؛ فافهم.

(عن يزيد) زاد الأصيلي: (هو ابن أبي حبيب)، وفي رواية ابن عساكر: (ابن أبي حبيب) : هو المصري، (عن أبي الخير) : هو مَرثد -بفتح الميم، وبالثاء المثلثة- اليَزَنِي؛ بفتح التحتية والزاي، بعدها نون مكسورة، (عن عقبة بن عامر) : هو الجهني رضي الله عنه، كان فصيحًا كاتبًا قارئًا شاعرًا، وهو أحد من جمع القرآن في المصحف، وكان مصحفه على غير تأليف مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد شهد وقعة صفين مع معاوية رضي الله عنه، وكان أميرًا على مصر من قبل معاوية، وتوفي في خلافة معاوية على الصحيح، ودفن بمصر سنة ثمان وخمسين رضي الله عنه (قال: أُهدِي)؛ بضم الهمزة، وكسر الدال المهملة على صيغة المجهول من الماضي (إلى النبيِّ) الأعظم، وللأصيلي: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم فَرُّوج)؛ بفتح الفاء، وتشديد الراء المضمومة وتخفيفها، آخره جيم، وحكي: ضم أوله وتخفيف الراء على وزن (خروج)؛ وهو قباء مشقوق من خلفه، وهو من لبوس الأعاجم (حرير)؛ بالإضافة؛ كما في ثوب خزٍّ، وخاتم فضة، ويجوز أن يكون (حرير) صفة لـ (فروج)، والإعراب يحتمل ذلك والكلام في الرواية، والظاهر أنها الأول، كذا قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: وكان الذي أهداه إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وذكر أبو نعيم أنه أسلم وأهدى إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم حلة سيراء، وقال ابن الأثير: أهدى للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وصالحه ولم يسلم، وهذا لا خلاف فيه بين أهل السير، ومن قال: إنه أسلم؛ فقد أخطأ خطأً ظاهرًا، وكان نصرانيًّا، ولما صالحه النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ عاد إلى حصنه وبقي فيه، ثم إن خالدًا أسره لما حاصر دومة الجندل أيام أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه، فقتله مشركًا نصرانيًّا، وأُكَيْدر؛ بضم الهمزة، وفتح الكاف، وسكون التحتية، وبالدال والراء المهملتين، ودومة الجندل: اسم لحصن، قال الجوهري: (أصحاب اللغة يقولون: بضم الدال المهملة، وأهل الحديث: يفتحونها، وهو اسم


(١) في الأصل: (الخطاب)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (الهلب)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (عمرو)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>