للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وهذا يدل على أن غسل الدم كان مرتين؛ أحدهما: فعله سالم أولًا، والثاني: فعلته فاطمة وعليٌّ، يدل لذلك رواية المؤلف في (الطب) حيث قال: فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة؛ أي: بعد أن غسلت المرة الثانية؛ عمدت إلى حصير... إلخ، وبهذا يحصل الجمع بين الروايتين، ثم رأيت العجلوني قد أجاب بهذا، وزاد عليه جوابًا آخر، وعبارته: (ويمكن الجمع بأن سالمًا فعل ذلك أولًا قبل مجيء فاطمة وعليٍّ رضي الله عنهما، أو أنه كان يعينها).

قلت: وفي الجواب الثاني نظر؛ لأنَّ فاطمة حينئذٍ غير محتاجة للإعانة؛ لوجود زوجها عليٍّ معها، وهو أحق بالإعانة في ذلك على أن صريح الحديث يدل على أن الغسل وحرق الحصير فعلته هي بنفسها من غير إعانة أحد، ولو سلم؛ فإنما يصح هذا الجواب إذا كان ذلك قبل نزول آية الحجاب؛ لأنَّ اختلاط النساء بالرجال حينئذٍ كان مباحًا، أما بعد نزولها؛ فلا ريب أن هذا الجواب فاسد؛ لحرمة اختلاطهنَّ بالرجال، لا سيما بحضرة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنه أشد وأعظم، وفي الحديث كما قال ابن بطال دليل على جواز مباشرة المرأة أباها ومحارمها ومداواة أمراضهم، ولذلك قال أبو العالية لأهله: (امسحوا على رجلي؛ فإنها مريضة)، ولم يخصَّ بعضًا دون بعض، بل عمهم جميعًا، وفيه: إباحة التداوي ومشروعيته واتخاذ الترس والبيضة والدرع في الحرب؛ فإن ذلك لا يقدح في التوكل لصدوره عن سيد المتوكلين، انتهى.

قلت: والبيضة والدرع ليس لهما ذكر في هذا الحديث، فلا يدل عليهما، بل من دليل آخر؛ فافهم.

وقال النووي: وفيه وقوع الابتلاء والأسقام بالأنبياء عليهم السلام؛ لينالوا جزيل الأجر، وليعرف أممهم وغيرهم ما أصابهم؛ ليقتدوا بهم، وليعلموا أنهم من البشر يصيبهم ما يصيب غيرهم من محن الدنيا، ويطرأ على أجسادهم ما يطرأ على أجسام غيرهم؛ ليتيقنوا أنهم مخلوقون لله تعالى، فلا يفتنون بما ظهر على أيديهم من المعجزات كما افتتن النصارى بعيسى عليه السلام، وفيه: سؤال من لا يعلم؛ ليعلم ما خفي عليه، انتهى كذا في «عمدة القاري»، والله تعالى أعلم.

(٧٣) [باب السواك]

(باب السواك)؛ أي: هذا باب في بيان أحكام السِّواك؛ بكسر السين المهملة على الأفصح، وقد تضمُّ، قال ابن سيده: السواك يذكر ويؤنث، والسواك كالمسواك، والجمع سوك؛ يعني: أنه يطلق على الفعل والآلة، ويجمع على سوك بالواو، وقال الإمام الأعظم: ربما همز، فقيل: سؤك، وأنشد الخليل لعبد الرحمن بن حسان رضي الله عنهما:

أغر الثنايا أحمر اللثات... [تمنحه] سؤك الأسحل

بالهمزة، ومثله المسواك، كذا في «عمدة القاري»، وزعم العجلوني: أن عبارة «الصحاح» تقتضي أن سوك في البيت بالواو، فإنه قال: السواك يجمع على سوك في البيت بالهمز لا بالواو، بدليل تمثيله بكتب على أن الرسمين واحد في الخط، ويفترق باللفظ، فكأن العجلوني اشتبه عليه الرسم على أن المناقشة في البيت غير معتبرة بعد تصريح أئمَّة اللغة بأنه يجوز فيه الهمز، لا سيما وهو القياس في كل واو مضمومة ضمة لازمة؛ كوقتت، وأُقِّتَتْ، فإن القرآن العظيم نطق بالهمز، ولا ريب أن كلامه تعالى أفصح الفصيح؛ فافهم، وهذا دأب العجلوني فإن دأبه الاعتراض المخل، والتعصب الممل، وكثرة الكلام بلا فائدة؛ فليحفظ.

قال في «عمدة القاري» : (يقال: ساك الشيء سوكًا: دلكه، وساك فمه بالعود، واستاك مشتق منه)، وفي «الجامع» : (السواك والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العود، والتذكير أكثر، وهو نفس العود الذي يستاك به، وأصله الشيء الضعيف، ويقال: جاءت الإبل والغنم تستاك هزالًا؛ أي: ما تحرك رؤوسها، ويقال: ساك فمه، وإذا لم يذكر الفم؛ يقال: استاك) انتهى.

وفي «القاموس» : (ساك الشيء: دلكه، وفمه بالعود وسوَّكه تسويكًا واستاك وتسوَّك، ولا يذكر العود، ولا الفم معهما، والعود مسواك وسواك) انتهى.

ثم قال إمام الشارحين: (وهنا سؤالان؛ الأول: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله؟ والثاني: ما وجه ذكره بين الأبواب المذكورة ههنا؟ والجواب عن الأول: أن كلَّا منهما يشتمل على الإزالة غير أن الباب الأول يشتمل على إزالة الدم، وهذا الباب يشتمل على إزالة رائحة الفم، وهذا القدر كافٍ، وعن الثاني: ظاهر؛ وهو أن الأبواب كلها في أحكام الوضوء، وإزالة النجاسة، ونحوها، وباب السواك من أحكام الوضوء عند الأكثرين) انتهى؛ أي: أنه من سنن الوضوء، وهو مطهرة للفم مرضاة للرب، فلهذا ذكره في كتاب الطهارة.

(وقال ابن عباس)؛ هو عبد الله رضي الله عنهما، قال صاحب «عمدة القاري» : (وهذا التعليق ليس في رواية المستملي، وهو قطعة من حديث طويل في قصة مبيت عبد الله بن عباس عند خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ ليشاهد صلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقد وصله البخاري من طريق وتقدم بعضه، ويأتي الباقي إن شاء الله تعالى) انتهى؛ أي: في تفسير سورة آل عمران؛ لأنَّه وصله هناك (بتُّ) بتشديد تاء المتكلم؛ أي: ليلة (عند النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) في دار ميمونة رضي الله عنها خالته، (فاستن)؛ أي: النبيُّ الأعظم عليه السلام من الاستنان وهو: الاستياك، وهو دلك الأسنان وحكها بما يجلوها مأخوذ من السن؛ وهو إمرار الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر، ومنه المسُّ الذي يشحذ به الحديد، ونحوه، وقال ابن الأثير: (الاستنان استعمال السواك «افتعال» من الاستنان، وهو الإمرار على الشيء) انتهى.

قلت: فمأخذه كما ذكره من السَّنِّ؛ بفتح السين المهملة، وقيل: من السِّن؛ بكسر السين؛ لأنَّه يحد الأسنان ويجلوها، وزعم ابن حجر أن مقتضى كلام عبد الحق أن هذا التعليق بهذا اللفظ من إفراد مسلم وليس بجيد، قلت: بل هو جيد؛ لأنَّه عنده حديث مستقلُّ، وهو لاينافي أن المؤلف ذكره مقطعًا بعضه بصيغة التعليق، وبعضه بالإسناد؛ فافهم.

[حديث: أتيت النبي فوجدته يستن بسواك بيده]

٢٤٤ - وبه قال: (حدثنا أبو النعمان)؛ بضمِّ النون، محمَّد بن الفضل المشهور بعارم؛ بالعين المهملة (قال: حدثنا حَمَّاد) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم (بن زيد)؛ أي: ابن درهم أبو إسماعيل الأزرقي الأزدي البصري، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة، (عن غيلان) بفتح الغين المعجمة، وسكون التحتية (ابن جَرير)؛ بفتح الجيم، وبالراء المسكورة المكررة، الِمعْوَلي؛ بكسر العين المهملة، وفتح الواو، وأما الميم؛ فقال الغساني بفتحها منسوبًا إلى بطن من الأزد، وقال ابن الأثير بكسرها، مات سنة تسع وعشرين ومئة، (عن أبي بردة)؛ بضمِّ الموحدة، وسكون الراء، عامر بن أبي موسى الأشعري، (عن أبيه) هو أبو موسى عبد الله بن قَيْس الأشعري رضي الله عنه (قال: أتيت النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو يتوضأ، (فوجدته يستن)؛ بسكون المهملة، وتشديد النون؛ أي: يدلك أسنانه (بسواك) والجملة في محل نصب على أنها مفعول ثان لـ (وجدته) ووجد من أفعال القلوب؛ لأنَّ معناه: قائم بالقلب، ويأتي (وجد) بمعنى أصاب أيضًا، فإن جعل (وجدته) من هذا المعنى؛ تكون الجملة منصوبة على الحال من الضمير المنصوب الذي في (وجدته)، كذا قاله إمام الشارحين، وزعم العجلوني: بأن الأول يحتاج إلى تكلُّف، انتهى.

قلت: وهو فاسد؛ فأين التكلف الذي يحتاج إليه؟ بل هو ظاهر، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، والله اعلم.

(بيده) الشريفة، والباء فيه تتعلق بمحذوف؛ تقديره: بسواك كائن بيده، ونحو ذلك، أو صفة لـ (سواك)، والأول أظهر وأحسن؛ فافهم (يقول)؛ أي: النبيُُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وزعم العجلوني: أو السواك مجازًا؛ لكونه يحصل عند استعماله، انتهى.

قلت: وهو فاسد؛ فإن القائل بذلك النبيُّ عليه السلام حقيقة، وإذا وجدت الحقيقة والمجاز؛ لا يجوز العدول عنها إلى المجاز، على أن قوله: (لكونه يحصل...) إلخ؛ فإن كان مراده الصوت؛ فالصوت يخرج من فم المستعمل لا من السواك، وإن أراد صوت السواك؛ فممنوع؛ لأنَّ السواك لا صوت له، كما لا يخفى، فإرادة المجاز ممنوعة، كما لا يخفى؛ فافهم.

(أُع أُع)؛ بالتكرار مرتين؛ بضمِّ الهمزة، وبالعين المهملة، كذا في رواية أبي ذر،

<<  <   >  >>