للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحدًامن المقتدين به؛ ليتم بهم صلاتهم، يدل عليه شروعه في الصلاة قائمًا، ثم عرض له العذر المفضي للقعود، فصار أبو بكر مستخلفًا، فإنه عليه السَّلام لما عرض له العذر؛ استخلف أبا بكر، فهو صحيح تجوز الصلاة حينئذ؛ فتأمل.

ثم قال إمام الشَّارحين: ورواية الدارقطني وأحمد مرسلة؛ لأنَّها ليست من رواية ابن عباس عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما أوردها ابن عباس، عن أبيه العباس، عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك رواه البزار في «مسنده» بسند فيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف، قال: وكان ابن عباس كثيرًا ما يرسل، كذا قاله ابن القطان في كتابه «الوهم والإيهام»، ورده إمام إمام الشَّارحين فقال: (ورواه ابن ماجه من غير طريق قيس، فقال: حدثنا علي بن محمد: حدثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس: لما مرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ فذكره... إلى أن قال: (قال ابن عباس: وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في القراءة من حيث بلغ أبو بكر) انتهى.

قلت: وقد يقال: إن فيه الرواية تخالفًا، فمفاد الأولى: أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف أبا بكر، وهذه أبو بكر استخلف النبيَّ الأعظم عليه وسلم، والرواية الصحيحة الأولى وإن كانت مرسلة، وفي بعض طرقها ضعيف، لكن لما كثرت طرقها؛ تقوت؛ فتأمل.

وزعم الخطابي أن أبا داود ذكر هذا الحديث من رواية جابر، وأبي هريرة، وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام، وهذا آخر الأمرين من فعله عليه السَّلام، ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب كتابه أن يذكر الحديث في بابه، ويذكر الذي يخالفه في باب آخر على إثره، ولم أجده في شيء من النسخ، فلست أدري كيف أغفل ذكر هذه القصة، وهي من أمهات السنن، وإليه ذهب أكثر الفقهاء؟

ورده إمام الشَّارحين فقال: (إما (١) تركها سهوًا وغفلة، أو كان رأيه في هذا الحكم مثل ما ذهب إليه أحمد؛ فلذلك لم يذكر ما ينقضه) انتهى.

قلت: والظاهر الثاني ولا عبرة بذلك، فإن القصة ثابتة في «الصحيحين»، وهما أقوى وأصح الكتب، وما في غيرهما لا يقاوم في ما فيهما، والحاصل: أن الحجة قوية على أحمد ومن تبعه، وأن ما ذهب إليه منسوخ أو مخصوص، وسيأتي لذلك مزيد كلام إن شاء الله تعالى.

(١٩) [باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد]

هذا (باب)؛ بالتنوين (إذا أصاب ثوب المصلي امرأته) وهو (في) حالة (السجود) وفي بعض النسخ: (إذا سجد)؛ يعني: هل تفسد صلاته أم لا؟

[حديث: كان رسول الله يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض]

٣٧٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) : هو ابن مسرهد البصري، (عن خالد) : هو ابن عبد الله الواسطي الطحان أبو الهيثم (قال: حدثنا سليمان الشيباني) : هو أبو إسحاق الكوفي التابعي، (عن عبد الله بن شداد) : هو ابن الهاد المدني، وسقط لفظ (ابن شداد) للأصيلي، (عن ميمونة) : هي بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي) جملة في محل النصب على أنها خبر (كان)؛ يعني: في بيتها صلاة النافلة (وأنا حذاؤه)؛ بكسر الحاء المهملة، وبالذال المعجمة المفتوحة، والجملة اسمية وقعت حالًا؛ أي: والحال أنا بإزائه ومحاذيه، والحذاء والحذوة والحذة كلها بمعنًى، كذا في «عمدة القاري»، وزعم الكرماني أن (حذاءه)؛ بالنصب على الظرفية، ويروى: (حذاؤه)؛ بالرفع، قال إمام الشَّارحين: (الصحيح: أن «حذاؤه»؛ بالرفع على الخبرية) انتهى.

قلت: ورواية الرفع هي رواية الأكثرين، والنصب قيل: إنها رواية «اليونينية»، وللأكثر حكم الكل.

(وأنا حائض) جملة اسمية وقعت حالًا، إما من الأحوال المترادفة (٢)، أو من الأحوال المتداخلة، الأولى بالواو والضمير، والثانية بالواو فقط، كذا في «عمدة القاري».

وإنما ترك التابع مع أنها مؤنث؛ لأنَّه لا فرق بين الحائض والحائضة، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا؛ فهي حائض وحائضة، وأنشد الفراء:

كحائضة يزني بها غير حائض

وفي اللغة لم يفرق بينهما، غير أن الأصل فيه التأنيث، ولكن لخصوصية النساء به وعدم الالتباس؛ ترك التاء، كذا في «عمدة القاري»؛ فاعرفه.

(وربَّما)؛ بتشديد الموحدة، وهي تحتمل التقليل حقيقة، والتكثير مجازًا، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: عند سيبويه وجماعة: أن (رب) : حرف تكثير، وعند ابن درستويه وجماعة: أنها للتكثير دائمًا، كما في «المغني»، بل نقل الحلبي عن جماعة: أنها لا تفيد التقليل إلا بقرينة، انتهى.

وإذا زيدت كلمة (ما) بعدها؛ فالغالب أن تكفها عن العمل، وأن تهيئها للدخول على الجملة الفعلية، وأن يكون الفعل ماضيًا لفظًا ومعنًى، ومنه قول الشاعر:

ربما أوفيت في علم... ترفعن ثوبي شمالات

وتمامه في شرحنا على «الأزهرية».

(أصابني ثوبه) عليه السَّلام (إذا سجد) في صلاته، (قالت) أي: ميمونة: (وكان) عليه السَّلام (يصلي على الخُمْرة)؛ بضم الخاء المعجمة، وسكون الميم؛ سجادة صغيرة تعمل من سعف النخيل، وترمل بالخيوط، قيل: سميت خُمرة؛ لأنَّها تستر وجه المصلي عن الأرض، ومنه سمي: الخمار الذي يستر الرأس، قاله إمام الشَّارحين.

وزعم ابن بطال الخُمْرة: مصلًّى صغير ينسج من السعف، فإن كان كبيرًا قدر طول الرجل أو أكثر؛ فإنه يقال له: حصير، ولا يقال له: خمرة، وجمعها: خمر، وفي حديث ابن عباس: (جاءت فأرة فأخذت نجر الفتيل، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم)، وهذا ظاهر في إطلاق الخمرة على الكبيرة من نوعها، انتهى.

قلت: الخمرة: السجادة الصغيرة التي تكون على قدر قامة الرجل، ويدل لذلك حديث ابن عباس: وأما الخمرة الكبيرة؛ هي التي تكون أكثر من قدر قامة الرجل، وهي تسمى: سجادة أيضًا وحصيرًا، ولا تسمى خمرة، ففي كلام ابن بطال خلط، كما لا يخفى.

قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث أحكام؛ الأول: فيه جواز مخالطة الحائض، الثاني: فيه طهارة بدن الحائض وثوبها، الثالث: فيه إذا أصاب ثوب المصلي المرأة؛ لا يضر ذلك صلاته ولو كانت المرأة حائضًا، والباب معقود لذلك.

وظاهر الحديث يدل على صحة الصلاة، وكانت عادة المؤلف أن يأتي بمثل هذه الترجمة في التراجم إذا كان في الحكم اختلاف، وهذا الحكم ليس فيه اختلاف.

فإن قلت: روي عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يأتي بتراب فيضعه (٣) على الخمرة فيسجد عليه.

قلت: كان هذا منه على تقدير صحته للمبالغة في التواضع والخشوع، لا على أنه كان لا يرى الصلاة على الخمرة، وكيف هذا وقد صلى عليه السَّلام عليها وهو أكثر تواضعًا وأشد خضوعًا؟) انتهى.

قلت: وقد يقال: مراد عمر بن عبد العزيز بذلك الفضيلة؛ لأنَّ المستحب السجود على الأرض أو على ما تنبته الأرض، فجعل التراب على الخمرة؛ ليكون سجوده على الأرض، وأما صلاته عليه السَّلام عليها؛ فهو لبيان الجواز؛ لأنَّه الشَّارع صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن عروة: أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض).

قلت: لا حجة فيه لأحد في خلاف ما فعله النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويمكن أن يقال: مراده من الكراهة التنزيه، وكذا يقال في كل ما


(١) في الأصل: (لما)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (الترادفة)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (فيوضعه)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>