للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيه صلبان، ورده في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: ليس المعنى كذلك، بل معناه: إن صلى في ثوب منقوش بصور الصلبان) انتهى.

قلت: وقوله: (منقوش بصور الصلبان) يشمل ما إذا كانت الصلبان منسوجة أو معلمة؛ لأنَّ كلًّا منهما يقال له: منقوش، وأما قول ابن حجر: (فيه صلبان) : قاصر المعنى؛ لأنَّه غير شامل لما نقش فيه، ولما علم فيه من الصور، بل قاصر على تصور الثوب صلبان، وهو خلاف المعنى المراد، فقد وهم ابن حجر في ذلك، كما بينه صاحب «إيضاح المرام»؛ فافهم.

(أو) : في ثوب ذي (تصاوير)؛ أي: مصور بتصاوير، وهو عطف على (مصلب) مع حذف حرف الصلة كما سيأتي، قال الجوهري: التصاوير: التماثيل، وقد جاء التصاوير، والتماثيل، والتصاليب، فكأنها في الأصل جمع تصوير، وتمثال وتصوير، وفرق العلماء بين الصورة والتمثال؛ فقالوا: الصورة تكون في الحيوان، والتمثال يكون فيه وفي غيره، ويقال: التمثال ما له جرم وشخص، والصورة ما كان رقمًا أو تزويقًا في ثوب أو حائط.

وقال المنذري: قيل: التمثال: الصورة، وقيل في قوله تعالى: {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: ١٣] : إنها صور العقبان والطواويس على كرسي سليمان عليه السَّلام وكان مباحًا، وقيل: صور الأنبياء والملائكة عليهم السلام من رخام وشبه؛ لينشطوا في العبادة بالنظر إليهم، وقيل: صور الآدميين من نحاس، كذا في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني أن قوله: (أو تصاوير) عطف (على ثوب) لا على (مصلب)، والمصدر بمعنى المفعول، أو على (مصلب)، لكن بتقدير: أنه في معنى ثوب مصور بالصليب فكأنه قال: مصور بالصليب أو بتصاوير غيره.

وزعم ابن حجر أن قوله: (أو تصاوير)؛ أي: في ثوب ذي تصاوير، فكأنه حذف المضاف؛ لدلالة المعنى عليه، واعترضهما إمام الشَّارحين فقال: جعل الكرماني (تصاوير) مصدرًا بمعنى المفعول غير صحيح؛ لأنَّ التصاوير اسم للتماثيل، كذا قاله أهل اللغة، وساق كلام الجوهري السابق، ولئن سلمنا كون التصاوير مصدرًا في الأصل جمع تصوير؛ فلا يصح أن يقال عند كونه عطفًا على (ثوب)، أن يقدر: أو إن صلى في ثوب مصورة؛ لعدم التطابق حينئذٍ بين الصفة والموصوف مع أنه شرط، والظاهر: أنه عطفٌ على (مصلب) مع حذف حرف العلة؛ تقديره: إن صلى في ثوب مصور بصلبان أو ثوب مصور بتصاوير التي هي التماثيل، وقول ابن حجر: (لدلالة المعنى عليه) : لم يبين أن المعنى الدال عليه ما هو؟ والقول بحذف حرف الصلة أولى من القول بحذف المضاف؛ لأنَّ ذاك شائع ذائع) انتهى.

قلت: فإن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، فحذف المضاف غير شائع في كلامهم على أنه لم يدل الدليل على حذفه، ولم يظهر المعنى الدال عليه، ولو ظهر لابن حجر؛ لبينه، فكأنه ذكره رجمًا بالغيب، فهو ممنوع، والظاهر بل الصواب: ما قاله الشَّارح رضي الله عنه؛ فليحفظ.

(هل تفسد صلاته) : استفهام على سبيل الاستفسار، جرى المؤلف على عادته في ترك القطع في الشيء الذي فيه اختلاف؛ لأنَّ العلماء اختلفوا في النهي الوارد في الشيء، فإن كان لمعنًى في نفسه؛ فهو يقتضي الفساد، وإن كان لمعنًى في غيره؛ فهو يقتضي الكراهة أو الفساد، فيه خلاف، انتهى.

(وما ينهى من ذلك)؛ أي: والذي ينهى عن ذلك المذكور؛ وهو الصلاة في ثوب مصور بصلبان أو بتصاوير، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية أبي الوقت والأصيلي: (وما ينهى عنه)؛ بالضمير، وفي رواية غيرهم: (وما ينهى عن ذلك)، بكلمة (عن) موضع (من)، والأول أصح، قاله إمام الشَّارحين.

[حديث: أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي]

٣٧٤ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو معمر)؛ بفتح الميمين، بينهما عين مهملة ساكنة (عبد الله بن عمرو)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الميم: هو البصري (قال: حدثنا عبد الوارث) : هو ابن سعيد؛ بكسر العين المهملة، البصري (قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب)؛ بضم الصاد المهملة، البصري (عن أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك) : هو الأنصاري (قال: كان قِرام)؛ بكسر القاف، وتخفيف الراء: وهو ستر رقيق من صوف ذو ألوان، وقال أبو سعيد (١) : (القرام) : صوف غليظ جدًّا يفرش في الهودج، وفي «المحكم» : هو ثوب من صوف ملون، والجمع قرم، وعن ابن الأعرابي: جمعه قروم، وهو ثوب من صوف فيه ألوان من عهن، فإذا خيطفصار (٢) كأنه بيت؛ فهو كلة، وقال القزاز وابن دريد: هو الستر الرقيق وراء الستر الغليظ على الهودج وغيره، وقال الخليل: يتخذ سترًا أو يغشى به هودج أو كلة، وزعم الجوهري أنه ستر فيه رقم ونقوش، قال: وكذلك المقرم والمقرمة، كذا في «عمدة القاري».

(لعائشة)؛ أي: الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (سترت به جانب بيتها) : وفي لفظ للنسائي: (كان في بيتي ثوب فيه تصاوير، فجعلته إلى سهوة في البيت، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي إليه)، وفي لفظ: (فإن فيه تمثال طير مستقبل البيت إذا دخل الداخل)، وفي لفظ: (قدم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من سفر وقد استترت بقرام على سهوة لي فيه تماثيل)، (فقال النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) لعائشة: (أميطي)؛ أي: أزيلي (٣)، وهو أمر من أماط يميط، قال ابن سيده: يقال: ماط عني ميطًا ومياطًا، وأماط: تنحى وبعد، وأماطه وماطه عني: نحاه ودفعه، قال بعضهم: مطت به وأمطته على حكم ما يتعدى إليه الأفعال غير المتعدية بالفعل في الغالب، وماط الأذى ميطًا وأماطه: نحاه ودفعه، كذا في «عمدة القاري».

(عنا قرامك هذا) : وفي لفظ للنسائي: (ثم قال: «يا عائشة؛ أخريه عني»، فنزعته فجعلته وسائد)، وفي لفظ: (فيه تصاوير، فنزعه عليه السَّلام فقطعه وسادتين، فكان يرتفق عليهما)، وفي لفظ: «أخري هذا، فإني إذا رأيته؛ ذكرت الدنيا»، وفي لفظ: «دخل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد استترت بقرام فيه تماثيل، فلما رآه؛ تلون وجهه، ثم هتكه بيده، وقال: «إنَّ أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله»، وفي لفظ: (خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرجة، ثم دخل وقد علقت قرامًا فيه الخيل أولات الأجنحة؛ فلما رآه؛ قال: «انزعيه»).

(فإنه لا تزال تصاوير) بدون الضمير، والهاء في (فإنه) ضمير الشأن، وفي رواية: (تصاويره)؛ بالإضافة إلى الضمير، فالضمير في (فإنه) يرجع إلى الثوب، كذا في «عمدة القاري».

(تَعرِض)؛ بفتح المثناة الفوقية، وكسر الراء؛ أي: تلوح لي، وفي رواية الإسماعيلي: (تَعَرَّض)؛ بفتح المثناة والعين، وتشديد الراء، وأصله: تتعرض، فحذفت إحدى التاءين كما في (نار تلظَّى) (في صلاتي)، ووجه مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن الستر الذي فيه التصاوير إذا نهى عنه الشَّارع فمنع لبسه بالطريق الأولى.

فإن قلت: الترجمة شيئان والحديث لا يدل إلا على شيء واحد وهو الثوب الذي فيه الصورة.

قلت: نعم ويلحق به الثوب الذي فيه صور الصلبان؛ لاشتراكهما في أن كلًّا منهما عبد من دون الله، كذا قاله إمام الشَّارحين.


(١) في الأصل: (سعد)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (صار)، والمثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (أزيل)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>