للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

التعليق بصيغة التمريض؛ لكونه اختصره لا لكونه ضعيفًا؛ لأنَّ عادته ذكر التعاليق بهذه الصِّيغة، والحال أنَّها صحيحة، وزعم القسطلاني أَنَّ هذا التَّعليق رُوي من غير ذكر التَّيمم.

قلت: وهو باطلٌ، فإنَّ البُخاريَّ ذكره، وكفى به حُجة، على أنَّه قد روى هذا التَّعليق الدَّارقطني، والحاكم، وأبو داود من طُرقٍ متعددة، فقال أبو داود: حدثنا ابن المثنى: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: سمعت ابن أيُّوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرَّحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذاتِ السلاسل، فأشفقتُ إِنِ اغتسلت أَنْ أهلك فتيممت، ثُمَّ صليت...) إلى آخره، ورواه أبو داود أيضًا وذَكرَ فيه التَّيمم، وقال: إنَّ الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة، فقال فيها: (فتيمم)، وكذلك رواه عبد الرزاق من طريقين؛ أحدهما فقال: (فتيمم)، فالمُثبت مُقدمٌ على النَّافي، كما لا يخفى، وظاهر سياق المؤلف أن عَمْرًا (١) تلا الآية وهو جُنب، وليس كذلك، وإنَّما تلاها بعد رجوعه للنَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويدل عليه حديث أبي داود، ولفظه: فقال -أي: النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يا عَمْرو؛ صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟»، فأخبرته بالذي منعني مِنَ الاغتسال، وقلت: إنِّي سمعت الله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ...}؛ الآية، فإنَّ ظاهره أنَّه تلاها بعد رجوعه له عليه السَّلام، ويُحتمل أنَّه خَطرت الآية على فِكره حين كان جُنبًا؛ لأنَّه قد استدل بها على جواز التَّيمم لخوف البرد أَنْ يُهلكه، وفيه دليلٌ على جواز التَّيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان للبرد أو غيره وسواء كان في السفر أو الحضر، وسواء كان جُنبًا أو مُحدثًا، وفيه دِلالة على جواز الاجتهاد في عصره عليه السَّلام، والله تعالى أعلم.

[حديث عبد الله: لو رخصت لهم في هذا]

٣٤٥ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا بِشر)؛ بكسر الموحدة، وسكون الشين المعجمة (بن خالد) العسكري أبو مُحمَّد الفرائضي المتوفَّى سنة ثلاث وخمسين ومئتين، (قال: حدثنا مُحمَّد) : هو ابن جعفر البصري.

وقوله: (هو غُندر)؛ بضمِّ الغين المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة من كلام المؤلف، وليس هو من لفظ شيخه، وهو ساقطٌ في رواية الأصيلي ثابت في غيرها، قاله إمام الشَّارحين، (عن شُعبة) : هو ابن الحجاج، وفي رواية الأصيلي: (حدثنا شُعبة)، وفي رواية ابن عساكر: (أخبرنا شُعبة) (عن سُليمان) : هو ابن مهران الأعمش، (عن أبي وائل) : هو شقيق بن سَلَمَة (قال: قال أبو موسى) : هو عبد الله بن قَيْس الأشعري (لعبد الله ابن مسعود) : أحد الفقهاء السبعة، والعَبادلة الأربعة رضي الله عنهما: (إذا لم يجد) أي: الجُنُب (الماء)؛ أي: المطلق الكافي لطهارته؛ (لا يُصلي)؛ بصيغة الغائب في (يجد)، و (يصلي) : رواية كريمة، وفي رواية غيرها بصيغة الخطاب في الموضعين، وهذا على سبيل الاستفهام، والسؤال من أبي موسى عن (٢) عبد [الله] بن مسعود، فأبو موسى يُخاطب عبد الله (قال) وفي رواية الإسماعيلي: (فقال) (عبد الله) أي: ابن مسعود، زاد الإسماعيلي في روايته: (نعم؛ إذا لم أجدِ الماء شهرًا؛ لا أُصلي)، وفي رواية ابن عساكر: (نعم)؛ أي: لا يصلي، قال: (لو رَخصتَ)؛ بفتح التاء خطاب لأبي موسى (لهم)؛ أي: يسرت وسهلت لكل من أجنب (في هذا)؛ أي: في جواز التَّيمم للجُنب؛ (كان) ولابن عساكر: (وكان)؛ أي: أصحاب النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (إذا وجد أحدهم البرد) وغيره مما يوجب الهلاك أو التَّلف لبعض الأعضاء، وغير ذلك مما ذكرناه (قال هكذا) قال أبو موسى مفسرًا قول ابن مسعود (يعني) أي: يقصد ويريد: (تيمم وصلى) ففيه إطلاق القول على الفعل، (وقال) أي: أبو موسى: (قلت: فأين قول عمَّار)؛ بتشديد الميم: هو ابن ياسر (لعُمر؟) : ابن الخطاب رضي الله عنه؛ أي: في قوله السَّابق: كنا في سفرٍ، فأجنبت، فتمعكت في التُّراب، فذكرت ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: «يكفيك الوجه واليدين»، (قال) أي: ابن مسعود: (إِنِّي) وفي رِواية: (فإنِّي) (لم أر) أي: لم أَظنَّ، أو لم أعتقد (عُمر) أي: ابن الخطاب (قَنِعَ)؛ بكسر النون؛ أي: رضي وأخذ (بقول عمَّار) أي: ابن ياسر، وإِنَّما لم يقْنع عمر بقول عمَّار؛ لأنَّه كان حاضرًا معه في تلك السَّفرة، ولم يتذكر القصة فارتاب في ذلك، فلم يَقْنع بقوله، وقد وقع هكذا هنا مختصرًا في رواية شُعبة، ويأتي الآن رواية عُمَر بن حفص، ثُمَّ رِواية أبي معاوية بأتم وأكمل، والله أعلم.

[حديث أبي موسى: إنَّا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم]

٣٤٦ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا عُمر بن حفص) بضمِّ عين (عُمَر)، وفتح ميمه ((قال: حدثنا أبي) : هو حفص المذكور ابن غياث؛ بالمعجمة أوله وآخره، (عن الأعمش) : هو سُليمان بن مهران، ولغير أبوي ذرٍّ والوقت: (حدثنا الأعمش) (قال: سمعت شقيق بن سَلَمَة) : هو أبو وائل، ففيه فائدة التصريح بسماع الأعمش من شقيق، وهو يَرُدُّ على من أنكر ذلك، (قال: كنت عند عبد الله) أي: ابن مسعود (وأبي موسى) أي: عبد الله بن قَيْس الأشعري رضي الله عنهما، يحتمل أنهما كانا قاعدين في المسجد النبوي يتحدثان، (فقال له) أي: لابن مسعود (أبو موسى) الأشعري: (أرأيت)؛ معناه: أخبرني (يابا عبد الرَّحمن) وهي كُنية ابن مسعود، وأصله: يا أبا عبد الرَّحمن؛ فحذفت الهمزة فيه تخفيفًا، كذا في «عُمدة القاري»؛ (إذا أجنب) أي: إذا صار الرَّجل جنبًا (فلم يجد الماء) أي: الكافي لطهارته، وفي رواية: (ماء)؛ بالتنكير، لا يقال: (ماء) نكرة في سياق النفي تتناول ما سمَّى به قليلًا كان أو كثيرًا، وهو يقتضي ألَّا يجوز التَّيمم إلا بعد استعمال ما معه من الماء وإن كان لا يكفي كما في إزالة النَّجاسة الحقيقية؛ لأنا نقول: المراد ما يُحِلُ به الصَّلاة، ألا ترى أن وجود الماء النجس لا يمنعه وإن تناوله النكرة المذكورة، والحل موقوف على ما يكفي بالاتفاق؛ فافهم.

(كيف يَصْنع)؛ بصيغة الغائب فيه، وفي (يجد)؛ أي: كيف يصنع الرجل في جنابته، وفي رواية: (إذا أجنبت فلم تجد الماء؛ كيف تصنع)؛ بتاء الخِطَاب في الثلاثة، لكن الرواية بصيغة الغائب أشهر وأوجه بدليل قوله: (فقال عبد الله) أي: ابن مسعود: (لا يصلي) أي: الرَّجل الذي لا يجد الماء (حتى) أي: إلى أن (يجد الماء) الكافي؛ بصيغة الغائب، وفي رواية الأصيلي: (حتى تجد)؛ بتاء الخطاب، وسقط عنده وابن عساكر لفظة: (الماء)، فاقتصرا على قوله: (حتى تجد)؛ يعني: الماء المطلق الكافي لطهارته، (فقال أبو موسى) أي: الأشعري:


(١) في الأصل: (عمرو)، والمثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (من)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>