للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عشرة فراسخ، وقدر البحيرة ثلاثة أميال في مثلها.

وقد صالح النبي عليه السلام أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث العلاء إلى المنذر بن ساوَى، فصدَّق وأسلم، وإنَّما قال: (عظيم البحرين) ولم يقل: ملك البحرين؛ لأنَّه لا ملك ولا سلطنة للكفار، فإنَّ الكل لرسول الله عليه السلام ولمن ولَّاه.

(فدفعه) معطوف على مقدر؛ أي: فذهب به إلى عظيم البحرين فدفعه إليه ثم دفعه (عظيم البحرين إلى كسرى)؛ بفتح الكاف وكسرها، والكسر أفصح، فارسي معرب (خسرو)، جمعه أكاسرة على غير قياس، وهو لقب لكلِّ مَن مَلَك الفرس، كما أنَّ (قيصر) لقب لكلِّ مَن مَلَك الروم؛ وهو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وليس هو أنوشروان.

(فلمَّا قرأه) وفي رواية: بحذف الهاء؛ أي: قرأ كسرى الكتاب، (مزَّقَه) جواب (لمَّا)؛ أي: قطعه شقفًا، قال ابن شهاب الزُّهري: (فحسبتُ)؛ أي: ظننت، (أنَّ ابن المسيب)؛ بفتح المثناة التحتية وكسرها، قيل: الرواية بالفتح، (قال:) ولما مزقه وبلغ النبي عليه السلام ذلك غضب، (فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ)؛ أي: بأن (يُمزَّقوا)؛ أي: بالتمزيق، فـ (أنْ) مصدريَّة، (كلَّ مُمَزَّق)؛ بفتح الزاي في الكلمتين؛ أي: يُمزَّقوا غايةَ التمزيق، فسلَّطَ الله على كسرى ابنه شيرويه، فقتله بأنْ مزَّقَ بطنه سنة سبع، فتمزق ملكه كلَّ ممزق، وزال من جميع الأرض، واضمحل بدعوته عليه السلام، وقال عليه السلام: «إذا مات كسرى فلا كسرى بعدَه»، وكان ملكه سبعًا وأربعين سنة وسبعة أشهر، وكتب كسرى إلى باذان عامله في اليمن: إنَّه بلغني أنَّ رجلًا من قريش يزعم أنَّه نبيٌّ، فسِرْ إليه فاستتبه، فإن تاب، وإلَّا فابعث إليَّ برأسه، فبعث باذان بكتابه إلى النبي عليه السلام، فكتب إليه عليه السلام: إنَّ الله وعدني بقتل كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها، وهي ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع، فلمَّا أتى باذان الكتاب قال: إنْ كان نبيًّا سيكون كما قال، فسلَّط الله عليه ابنه شيرويه، فقتله في اليوم الذي قال رسول الله عليه السلام، فلمَّا بلغ باذان بعث بإسلامه وإسلام مَن معه من الفرس، وتمامه في «عمدة القاري».

وفي الحديث جواز الكتابة بالعلم إلى البلدان، وجواز الدعاء على الكفار، ووجه الدلالة من الحديث: أنَّه عليه السلام لم يقرأ الكتاب على رسوله، ولكن ناوله إيَّاه، وأجاز له أنْ يُسند ما فيه عنه.

[حديث: كتب النبي كتابًا فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا]

٦٥ - وبه قال: (حدثنا محمد بن مُقاتل) بصيغة الفاعل من المقاتلة بالقاف والمثناة الفوقية، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، وفي رواية: (أبو الحسن المروزي)، (قال: أخبرنا)، وفي رواية: (حدثنا)، (عبد الله)؛ أي: ابن المبارك؛ لأنَّه إذا أُطلق (عبد الله) فيمَن بعدَ الصحابة؛ فالمراد هو، كما أنَّه إذا أُطلق الإمام الأعظم؛ فالمراد به أبو حنيفة، التابعي الجليل، رئيس المجتهدين رضي الله عنه.

(قال: أخبرنا شُعبة)؛ هو ابن الحَجَّاج، (عن قَتادة) بن دِعامة السدوسي، (عن أنس بن مالك)، وسقط (ابن مالك) في رواية، رضي الله عنه، (قال: كتب النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: كتب الكاتب بأمره، وقيل: إنَّه عليه السلام كتب بيده الشريفة، وسيأتي تحقيقه، (كتابًا) مفعول (كتب)؛ لأنَّه اسم لا مصدر؛ أي: إلى العجم أو إلى الروم، كما صرح بهما المؤلف في (كتاب اللباس)، (أو أراد أن يكتب) شكٌّ من الراوي أنس؛ أي: أراد الكتابة، فـ (أنْ) مصدريَّة، (فقيل له) عليه السلام (إنَّهم)؛ أي: الروم أو العجم (لا يقرؤون كتابًا إلَّا مختومًا)؛ خوفًا من كشف أسرارهم، و (مختومًا) نُصب على الاستثناء؛ لأنَّه من كلام غير موجب، (فاتخذ) عليه السلام (خاتمًا مِن فِضَّة) مفعول (اتخذ)، و (مِن)؛ بكسر الميم؛ بيانيَّة، و (الفاء) مكسورة، (نقْشُه)؛ بسكون القاف: مبتدأ، (محمَّدٌ رسولُ الله) جملة اسمية من المبتدأ والخبر؛ خبر المبتدأ الأول، والرابط كون الخبر عين المبتدأ، كأنَّه قيل: نقْشُه هذا المذكور.

ونقل الشيخ الإمام علاء الدين في «شرحي التنوير والملتقى» : أنَّ نقش خاتمه عليه السلام كان ثلاثة أسطر، لفظ الجلالة أعلاه، وتحتها (محمد)، وتحته (رسول)، اهـ؛ فليحفظ، وانظر الهامش.

الله

محمد

رسول

(كأني أنظر إلى بياضه) وأصل (كأنَّ) للتشبيه، ولكنها هنا للتحقيق، ذكره الكوفيون والزجاج، ومع هذا لا تخلو عن معنى التشبيه، والجملة محلها رفع خبر (كأنَّ)، حال كونه (في يده) الشريفة، وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، فإنَّ الخاتم ليس في اليد؛ بل في إصبعها، وفيه القلب؛ لأنَّ الإصبع في الخاتم، لا الخاتم في الإصبع، كذا قرره في «عمدة القاري».

قال شعبة (فقلت لقَتادة) بن دِعامة: (مَن قال) جملة اسمية، و (من) استفهامية، (نقشه محمد رسول الله) مقول القول، (قال: أنسٌ) قاله.

وفي الحديث جواز كتابة العلم إلى البلدان، وجواز الكتاب إلى الكفار، وختم الكتاب للسلطان، والقضاة، والحكام، والنُّظَّار، وفيه جواز استعمال خاتم الفِضَّة للرجال، قال القاضي عياض: وهو بالإجماع، وأجمعوا على تحريم لبس خاتم الذهب للرجال، وشَذَّ قول ابن حزم؛ حيث أباحه، وبعضهم كرهه، قال النووي: هذان القولان باطلان.

وفيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحبه، ونقش اسم الله فيه؛ بل فيه كونه مندوبًا، وهو قول أئمتنا الأعلام ومالك وغيرهم، ولكن يجعله في كمه أو بيمينه إذا دخل الخلاء أو استنجى.

وكان نقشُ خاتم الصديق الأكبر: نعم القادر الله، وعمر: كفى بالموت واعظًا، وعثمان: ليصبرن أو لتندم، والصديق الأصغر: الملك لله، وخاتم إمامنا الإمام الأعظم: قل الخير وإلَّا فاسكت، مقتبس من قوله عليه السلام: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا وإلَّا فيسكت»، وخاتم الإمام أبي يوسف: مَن عمل برأيه؛ فقد ندم، والإمام محمد: من صبر ظَفِر؛ بفتح الظاء المعجمة وكسر الفاء، كذا في «شرح الملتقى» للإمام الشيخ علاء الدين المفتي بدمشق الشام، والإمام والخطيب بجامعها جامع بني أمية، جعله عمارًا إلى قيام الساعة.

(٨) [باب من قعد حيث ينتهي به المجلس]

هذا (باب) حكم (مَن) موصولة، وجملة (قعد) صلتها، (حيث) بالبناء على الضم منصوب على الظرفية المكانية، (ينتهي به المجلس) فاعل، (ومَن رأى فرجة) عطف على (مَن قعد)؛ بضم الفاء وفتحها لغتان، وهي الخلل بين الشيئين، وفُرِّق بينهما: فالضم: اسم للخلل بين الشيئين، والفتح: للتفصي من الهمِّ.

(في الحلقة)؛ بسكون اللام وفتحها، والأول أشهر، والثاني استعمال العوام، وهي كلُّ مستدير خالي الوسط، والجمع حَلَق؛ بفتح الحاء واللام، (فجلس فيها)؛ أي: في الفرجة، وفي رواية: (إليها)، وإنَّما قال: (في الحلقة) ولم يقل: في المجلس؛ ليطابق لفظ الحديث، وقال في الأول: (به المجلس)؛ لأنَّ الحكم فيهما واحد.

[حديث: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة]

٦٦ - وبه قال: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس المدني، (قال: حدثني) بالإفراد، (مالك) الإمام، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري البخاري، ابن أخ أنس لأمه، التابعي المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومئة.

(أن أبا مُرَّة)؛ بضم الميم وتشديد الراء، اسمه: يزيد، (مولى عقيل)؛ بفتح العين، (بن أبي طالب)، وقيل: مولى أخيه علي، وقيل: مولى أختهما أم هانئ، (أخبره عن أبي واقد)؛ بالقاف المكسورة والدال المهملة، اسمه: الحارث بن عوف أو الحارث بن مالك، أو عوف بن الحارث والأول أصح، الصحابي (الليثي)؛ بالمثلثة، البدري في قول، المتوفى بمكة سنة ثمان وستين، وصرَّح أبو مُرَّة عند النسائي فقال: (عن أبي مُرَّة: أنَّ أبا العالية واقد حدَّثه) (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) أصله: (بين) زيدت فيه لفظة (ما)، وهو من الظروف التي لزمت إضافتها إلى الجملة، وفي رواية: (بينا) بدون (ما) وأصلها: (بين)، فأشبعت فتحة النون بالألف، والعامل فيه معنى المفاجأة (هو) مبتدأ، خبره (جالس) حال كونه (في المسجد) النبوي، (والناس معه) جملة حالية، (إذ أقبل) جواب (بينما)، وقدَّمنا: أنَّ الأصمعيَّ لا يستفصح مجيء (إذ) و (إذا) في جواب (بين)، (ثلاثة) فاعل (أقبل)، (نفر) بالتحريك؛ عدة رجال، من الثلاثة إلى العشرة، والمراد: ثلاثة رجال من الطريق، فدخلوا المسجد كما في حديث أنس: (فإذا ثلاثةُ نفرٍ مارين)، ولم يتعرف أسماؤهم ولا واحدًا.

(فأقبل اثنان) منهم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) منهم، (قال: فوقفا على) مجلس (رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: اشترفا عليه، وقال ابن حجر: (على) بمعنى (عند)، وردَّه في «عمدة القاري» : بأنَّها لم تجئ بمعناها؛ فليحفظ، وفي رواية: (فلما وقفا سلما).

(فأمَّا)؛ بفتح الهمزة وتشديد الميم: تفصيليَّة، (أحدهما) بالرفع مبتدأ، خبره قوله: (فرأى فُرجة)؛ بضم الفاء، (في الحلقة فجلس فيها) وأتى بالفاء في (فرأى)؛ لتضمُّن (أمَّا) معنى الشرط، وفي رواية: (فَرجة)؛ بفتح الفاء، كما مرَّ.

(وأمَّا الآخَر)؛ بفتح الخاء؛ أي: الثاني، (فجلس خلفَهم) بالنصب على الظرفية، لعلَّه لم يجد فرجة؛ فتأمَّل، (وأمَّا الثالث؛ فأدبر) من الإدبار؛ أي: التولِّي، حال كونه (ذاهبًا)؛ أي: أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع.

(فلمَّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مِن حديثه، (قال: ألَا)؛ بالتخفيف حرف تنبيه، ويَحتمل أنْ تكون (الهمزة) للاستفهام و (لا) للنفي، (أُخبِرُكم عنِ النفر الثلاثة)، فقالوا: أخبرنا عنهم يا رسول الله، فقال: (أمَّا)؛ بالتشديد للتفصيل، (أحدُهم فآوى) بهمزة مقصورة؛ أي: لجأ، (إلى الله تعالى)، أو دخل مجلس رسول الله عليه السلام (فآواه)؛ بالمد، (الله إليه)؛ أي: جازاه بنظير فِعْله، بأنْ جعله في رحمته ورضوانه، أو يؤويه يوم القيامة إلى ظِلِّ عرشه، فنسبة الإيواء إلى الله

<<  <   >  >>