للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اليد، ولكنهما محمولان على معنى الحديث الثاني، وهو القذر، وهو كاف للتطابق، ولا معنى لتطويل الكلام بلا فائدة نافعة، كما ذكره ابن بطال، وابن المُنيِّر، وغيرهما) انتهى؛ فليحفظ، ثم قال: (وهذا الحديث من أفراد البخاري) انتهى.

قلت: ولا ينافيه قول المؤلف: (زاد مسلم)؛ لأنَّه ليس هذا مسلم بن الحجاج صاحب «الصحيح» المشهور، فإنَّه قد أخذ عن المؤلف، بل هذا هو مسلم بن إبراهيم الأزدي الحافظ الثقة من مشايخ المؤلف، فالمؤلف وقع بين مسلمين (ووهب) : هو ابن جرير بن حازم، وفي رواية الأَصيلي وأبي الوقت: (ابن جرير)؛ أي: ابن حازم، وبذلك جزم أبو نُعيم وغيره، ووقع في رواية أبي ذر: (وُهَيب)؛ بالتصغير، والظاهر أنَّه من الكاتب، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري».

وزعم ابن حجر (أنَّ وهيبًا (١)؛ بالتصغير في ظني أنَّه وهم، ومن جملة إثبات الوهم أنَّ وهب بن جرير من الرواة عن شعبة، ووهيب من أقرانه).

ورده صاحب «عمدة القاري» بأنَّ كونه من أقرانه لا يقتضي منع الرواية عنه، انتهى.

واعترضه العجلوني فزاد في الطنبور نغمة على ابن حجر، فزعم أنَّه لما كان الغالب في الأقران عدم رواية أحدهما عن الآخر؛ صح ما قاله.

قلت: وهو مردود، فإنَّ المفهوم من كلامه أنَّه قد يأخذ الأقران من الأقران وتروي الأقران عن الأقران؛ فصح ما قاله إمام الشارحين، وبطل ما قاله ابن حجر، على أنَّ دعوى كون الغالب في الأقران... إلخ فيما إذا كانوا بصفة الكبر والعجب؛ فإنَّ أحدهم لا ينزل نفسه منزلة التلميذ، كما في زماننا، أمَّا في الأزمان الماضية؛ فالغالب عليهم التواضع والأدب، فالغالب في أقرانهم رواية أحدهما عن الآخر، وهو ظاهر؛ فليحفظ.

فذكر مسلم ووهب في روايتهما لهذا الحديث، (عن شعبة) بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد، فزاد في آخره: (من الجنابة) وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن وهب حدثنا شعبة، وقال: لم يذكر (من الجنابة)، وذلك بعد أن أخرجه بغير هذه الزيادة أيضًا من طريق ابن مهديٍّ.

فإن قلت: هل يعد هذا الحديث الذي رواه مسلم ووهب متصلًا أو معلَّقًا؟

قلت: الظاهر: أنَّه تعليق من البخاري بالنسبة إليه؛ لأنَّه حين وفاة وهب كان ابن ثنتي عشرة سنة، ويحتمل أنَّه كان قد سمع منه، وإدخاله في مسلك مسلم يرد ذلك أيضًا.

فإن قلت: لم يذكر شيخ شعبة؟

قلت: يحمل على الشيخ المذكور في الإسناد المتقدم، وهو عبد الله، فكأنَّه عن شعبة، عن عبد الله قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه، كذا في «عمدة القاري»، والله تعالى أعلم؛ اللهم؛ فرج عنا وعن المسلمين يا أرحم الراحمين.

وفي يوم السبت التاسع من جماد الثاني سنة سبع وسبعين ومئتين وألف احترق سوق القطن، وأخذ دارًا من زقاق البرغل حتى وصلت الحريقة إلى باب الحديد باب السيدة جابية؛ بسبب أنَّ الحاكم نبه أنَّه لا يطلع أحد ليلًا من أهل البلد من الساعة الثالثة (٢) ليلًا إلى الساعة الثانية عشرة (٣) نهارًا؛ اللهم؛ اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنون يا أرحم الراحمين، آمين.

(١٠) [باب تفريق الغُسل والوضوء]

هذا (باب) حكم (تفريق الغُسل) بضمِّ الغين المعجمة (والوضوء) هل هو جائز أم لا؟ كذا قدره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، وتبعه القسطلاني، قال في «عمدة القاري» : (وذهب البخاري إلى أنَّه جائز، وأيده بفعل ابن عمر رضي الله عنهما على ما نذكره، وهذا الباب وقع في بعض النسخ بعد الباب الذي يليه، وفي أكثرها قبله، كما ترى ههنا، والمناسبة بين البابين من حيث اشتمال كل منهما على فعل جائز، أمَّا في الباب قبله؛ فجائز إدخال اليد في إناء الماء إذا كانت طاهرة، وأمَّا في هذا الباب؛ فجواز التفريق في الغسل والوضوء) انتهى كلامه.

وزعم العجلوني فقدر (جواز) فقط تبعًا للتقدير الذي زعمه ابن حجر، قال العجلوني: (وهو أولى؛ لأنَّ ما ذكره المؤلف في الباب لا يدل إلا على الجواز) انتهى.

قلت: وهو ممنوع، فإنَّه لا يلزم مما ذكره في الباب أنَّه يدل على الجواز أن يكون جائزًا بالإجماع، فإنَّ المؤلف وإن كان مذهبه الجواز، لكن ليس مراده بيان مذهبه، بل مراده بيان الأحكام وبيان مذاهب الناس من الجواز وعدمه، على أنَّ تفريق الغسل والوضوء فيه خلاف كما يأتي، فكيف قال العجلوني تعصبًا وتعنتًا ما قال؟ فافهم.

(ويُذكر) بضمِّ التحتية أوله على صيغة المجهول (عن ابن عمر) : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا تعليق بصيغة التمريض، ولو قال: وذكر ابن عمر، على صيغة المعلوم لأجل التصحيح؛ لكان أولى؛ لأنَّه جزم بذلك.

ومطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة في الوضوء، كذا قاله إمام الشارحين؛ فليحفظ.

وزعم العجلوني أنَّه لم يجزم به؛ لكونه ذكره بالمعنى.

قلت: لا يلزم من روايته بالمعنى ذكره بصيغة التمريض، ولعله عند صيغة المجهول والمعلوم واحدة، أو أنَّ في سنده الموصول عند البيهقي رجلًا متهمًا غير معتمد عليه؛ فتأمل.

(أنَّه غسل قدميه) أي: رجليه (بعد ما جف وَضوءه)؛ بفتح الواو؛ أي: الماء الذي توضأ به، وفي رواية بضمِّها، وقد وصله البيهقي عن ابن عمر: (أنَّه توضأ بالسوق، فغسل وجهه، ويديه، ومسح برأسه، ثم دعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها)، فهذا نص صريح في عدم وجوب الموالاة بين الأعضاء في التطهير، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، وابن عمر، وابن المسيب، وعطاء، وطاووس، والنخعي، والحسن، وسفيان بن سَعِيْد، ومحمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال الإمام الأعظم: إنَّ الموالاة سنة لهذا الحديث، ولأنَّ الله تعالى إنَّما أوجب غسل هذه الأعضاء، فالواجب على الإنسان أن يأتي به سواء كان مفرقًا أو مواصلًا، وهذا قول الشافعي في الجديد وهو الأصح، ورُوِيَ عن عمر، وقتادة، وربيعة، والأوزاعي، والليث، وابن وهب أنَّ الموالاة واجبة، فلو تركها ناسيًا أو عامدًا؛ لا يجزئه، وهو قول الشافعي في القديم، وهو المشهور عن مالك.

وقال ابن القاسم: (إنَّ فرقه يسيرًا أو ناسيًا؛ يجزئه، وعن مالك يجزئه في الممسوح دون المغسول، لكن صرح ابن الحاجب في «مختصره» : أنَّ الأصح أنَّ الموالاة واجبة في الوضوء والغسل مطلقًا) انتهى.

ومذهب أحمد أنها فرض في الوضوء، سنة في الغُسل على الصحيح، وفي رواية عن أحمد: أنها سنة في الوضوء أيضًا، كما في «المنتهى»، قال: فقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ..}؛ الآية [المائدة: ٦]، الأول: شرط، والثاني: جواب، فإذا وجد الشرط؛ وجب ألَّا يتأخر جوابه، وهذا في (الوضوء) يدل على الموالاة أنَّها واجبة.

قلت: وهو لا يدل على الوجوب؛ لأنَّه لا يلزم من وجود الشرط والجواب ألَّا يكون الجواب متأخرًا عن الشرط؛ لأنَّ المأمور به إنَّما هو غسل هذه الأعضاء، وهو يشمل الوصل والتفريق في غسلها، ويدل لهذا فعل ابن عمر رضي الله عنهما، واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد، وأبو داود: (أنَّ النبيَّ عليه السلام رأى رجلًا يصلي، وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء).

قلت: وهو لا يدل على وجوب الموالاة؛ لاحتمال أنَّ الرجل غسل قدميه، وجف هذا الموضع؛ لأنَّ الحر حر الحجاز، فأمره بإعادة الوضوء؛ لوجود ناقض للوضوء من إخراج دم ولم يشعر الرجل، أو غيره، أو أنَّه أمره بإعادة الوضوء زجرًا له حيث إنَّه لم يسبغ الوضوء، أو غير ذلك، والدليل: إذا طرأه الاحتمال؛ بطل الاستدلال به؛ فليحفظ، والعجب من العجلوني مع تعصبه لمذهب إمامه لم يتعرَّض لهذا الاستدلال، بل نقله ومضى عليه؛ فافهم.

أمَّا الغُسل؛ فالموالاة فيه غير واجبة إجماعًا؛ لأنَّ المغسول منه بمنزلة العضو الواحد، كما قدمناه، فلو اغتسل، ثم تمضمض أو استنشق؛ صح غسله؛ لأنَّ البدن عضو واحد؛ فليحفظ.

وقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي: (جفوف الوضوء ليس بحدث؛ فلا ينقض، كما أنَّ جفوف سائر الأعضاء لا تبطل الطهارة) انتهى.

[حديث: وضعت لرسول الله صلى الله عليه سلم ماءً يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما]

٢٦٥ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن مَحبوْب)؛ بموحدتين


(١) في الأصل: (وهيب)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (هو ثلاثة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (اثني عشر)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>