للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي باب (الوضوء ثلاثًا ثلاثًا) : (دعا بإناء فيه ماء للوضوء)، (فأفرغ)؛ أي: فصب (على يديه) بالتثنية (من إنائه فغسلهما ثلاث مرات)؛ أي: قبل أن يدخلهما في الإناء، وفي السابقة: (فأفرغ على كفيه ثلاث مرار)، (ثم أدخل يمينه في الوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: فأخذ منه، (ثم تمضمض) : ولأبي ذر: (ثم مضمض)؛ بحذف المثناة؛ أي: أدخل الماء بفيه، وحرَّكه، ومجَّه، (واستنشق)؛ بأن جذب الماء بريح أنفه، (واستنثر)؛ بأن أخرجه به مع المخاط وغيره بإدخال إصبعه في أنفه للمبالغة، وفي السابقة: (ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر).

وفيه دليل على عدم اشتراط نية الاغتراف، والمضمضة باليمين، والاستنشاق والاستنثار باليسار، وهما سنتان مؤكدات في الوضوء، فرضان في الغسل، وأوجبهما أحمد ابن حنبل، وقال الشافعي: إنهما سنتان في الوضوء والغسل، ويشتملان على سنن؛ منها: تقدم المضمضة على الاستنشاق بالإجماع؛ لاتفاق الروايات على ذلك، ومنها: التثليث في حق كل واحد منهما بالإجماع، ومنها: أخذ ماء جديد في التثليث؛ لحديث الطبراني وأبي داود، وإزالة المخاط باليسرى؛ لأنَّه أذًى، كما في «المعراج».

(ثم غسل وجهه) غسلًا (ثلاثًا) : والظاهر: أن التراخي المستفاد من (ثُمَّ) غير مراد، ويحتمل إرادته، وأنَّه وقع للتنبيه على أنَّه لا يشترط فيه الموالاة؛ فليحفظ.

(و) غسل (يديه)؛ أي: كل واحدة (إلى المرفقين)؛ أي: معهما، فيدلان في فرض الغسل، خلافًا للإمام زفر، وأبي بكر بن داود وغيره كما سبق، غسلًا (ثلاثًا) : وفي السابقة: (ثلاث مرات)، (ثم مسح برأسه) : زاد أبو داود وابن خزيمة في «صحيحه» : (ثلاثًا لكن بماء واحد)، (ثم غسل كل رِجل) غسلًا (ثلاثًا)؛ بالتنكير والإفراد، وفي رواية: (ثم غسل كل رِجله)، وفي أخرى: (كلتا رجليه)، وهي التي اعتمد عليها صاحب العمدة، وفي رواية: (كل رجليه)، قال في «عمدة القاري» : (والكل يرجع إلى معنًى واحد غير أنَّ رواية: «كل رِجله» تفيد تعميم كل رِجل بالغسل) انتهى.

(ثم قال)؛ أي: عثمان رضي الله عنه: (رأيت النَّبيَّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال) : وفي رواية: (ثم قال)؛ أي: النَّبيُّ الأعظم عليه السلام: (من توضأ نحو وضوئي) : وللمؤلف في (الرقاق) : «مثل وضوئي» (هذا، وصلى) : وفي رواية: «ثم صلى» (ركعتين) قبل جفاف الوضوء، ولا يزيد عليها؛ لأنَّه المروي في الأحاديث الصحاح، ولو صلى الفريضة عقب الوضوء؛ فإنَّه يُحصِّل هذه الفضيلة، ومحل هذه الصلاة في كل وقت إلا في الأوقات الثلاثة المنهية، فإنَّه لا يصليها؛ للنهي عنها فيها، وهي من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح أو رمحين، ومن استوائها إلى أن تزول، ومن اصفرارها إلى أن تغرب، واستثنى الإمام أبو يوسف: يوم الجمعة؛ فإنَّه لا تكره فيه الصلاة عند الاستواء إلى زوالها؛ للحديث الوارد في ذلك، كما سيأتي بيانه في محله إن شاء سبحانه.

(لا يحدث فيهما)؛ أي: في الركعتين (نفسه)؛ أي: بشيء أصلًا، كما قاله القاضي عياض عن بعضهم، ويشهد له ما رواه ابن المبارك في (الزهد) بلفظ: «لم يسر فيهما»، واعترضه النووي، فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طرآن الخواطر التي لا تستقر، والحديث محمول على المعلق بالدنيا فقط؛ لما جاء في رواية هذا الحديث، ذكره الحكيم الترمذي في (الصلاة)، بلفظ: «لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا، ثم دعا؛ إلا استجيب له» انتهى.

(غَفَر الله له) : وفي رواية: «غُفِر له»؛ بالبناء للمفعول (ما تقدم من ذنبه)؛ أي: من الصغائر دون الكبائر، كما صرح به مسلم، وأمَّا الكبائر؛ فإنما تكفر بالتوبة، وكذلك مظالم العباد، وزاد مسلم في هذا الحديث: قال الزهري: كان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» و «مسنده» معًا: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثنا إسحاق بن حازم قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: حدثني حُمران بن أبان مولى عثمان قال: دعا عثمان بن عفان بوضوء في ليلة باردة وهو يريد الخروج إلى الصلاة، فجئته بماء فأكثر ترداد الماء على وجهه ويديه، فقلت: حسبك فقد أسبغت الوضوء، والليلة شديدة البرد، فقال: صب فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يسبغ عبد الوضوء؛ إلا غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، قال في «عمدة القاري» : وأصل هذا الحديث في «الصحيحين» من أوجه، وليس في شيء منها زيادة: (وما تأخر)، وقد سبق أبحاث هذا الحديث في باب (الوضوء ثلاثًا)، قال الكرماني: ولا تفاوت بينهما إلا بزيادة لفظ: (واستنشق) هنا، وزيادة: (رأيت النَّبيَّ يتوضأ نحو وضوئي هذا).

واعترضه في «عمدة القاري»، فقال: وفيه نظر، فإنَّ هناك: (دعا بإناء)، وهنا: (دعا بوضوئي)، وهناك: (فأفرغ على كفيه ثلاث مرار)، وهنا: (فأفرغ على يديه من إنائه)، وهناك: (فغسلهما ثم أدخل)، وهنا: (فغسلهما ثلاث مرات)، وهناك: (ثم أدخل يمينه في الإناء)، وهنا: (في الوضوء)، وهناك: (فمضمض)، وهنا: (ثم تمضمض)، وهناك: (ثم غسل رجليه)، وهنا: (ثم غسل كل رجله)، وغيره من الروايات السابقة، والله تعالى أعلم؛ فافهم واحفظ.

(٢٩) [باب غسل الأعقاب]

هذا (باب غسل الأعقاب)؛ جمع عَقِب؛ بفتح العين، وكسر القاف؛ كيد: وهو المستأخر الذي يمسك مؤخر شراك النعل، ومثلها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها، ففي الحاكم من حديث عبد الله بن الحارث: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار»، ولهذا ذكر موضع الخاتم؛ لأنَّه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقًا بقوله: (وكان) : الواو فيه للاستفتاح (ابن سيرين) : محمد التابعي الجليل، وهذا التعليق أخرجه المؤلف موصولًا في «التاريخ»، وابن أبي شيبة في «مصنفه» بسند صحيح، و (ابنُ) : مرفوع على أنَّه اسم (كان) (يغسل) : هذا مضارع، و (كان) للماضي، فكيف اجتمعا؟

أجيب: بأن (يغسل) للاستمرار أو لحكاية الحال الماضي على سبيل الاستحضار (موضع الخاتم) من إصبعه (إذا توضأ) يجوز في (إذا) أن تكون للشرط، وأن تكون للظرف، فـ (كان) جزاء الشرط إذا كان للشرط، وهو العامل فيه إذا كان للظرف، ويجوز أن يكون قوله: (يغسل)، والأول أوجه، وغسل موضعه يكون بنزعه وغسل موضعه، أو إدارته وتحريكه، ويدل للثاني ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين: أنَّه إذا توضأ؛ حرك خاتمه، وإسناده صحيح، وكذا عمرو بن دينار، وعروة، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وابن عيينة، وأبو ثور يحركونه في الوضوء، ويدل للأول ما ذكره في «مصنف ابن أبي شيبة» أيضًا عن ميمون بن مهران: (وكان حماد يقول في الخاتم: أزِلْه)، وقد روى ابن ماجه حديثًا فيه ضعف عن أبي رافع: (كان النَّبيُّ الأعظم عليه السلام إذا توضأ؛ حرك خاتمه)، قال البيهقي: والاعتماد في هذا الباب على الأثر عن علي الصديق الأصغر: أنَّه كان إذا توضأ؛ حرك خاتمه، ومذهب إمامنا المعظم الإمام الأعظم: أنَّه يجب تحريك الخاتم الضيق في المختار من الروايتين؛ لأنَّه يمنع وصول الماء ظاهرًا، كما في «إمداد الفتاح»، وروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم: أنَّه لا يجب، كما في «الخانية»، وأمَّا تحريك الواسع؛ فتحريكه سنة أو مستحب؛ لأنَّه في معنى تخليل الأصابع، وذلك لأجل المبالغة في الغسل، والمعتبر في وصول الماء تحته غلبة الظن؛ لأنَّها في معنى اليقين، كما في «منهل الطلاب».

[حديث أبي هريرة: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال: ويل..]

١٦٥ - وبه قال: (حدثنا آدم بن أبي إِيَاس)؛ بكسر الهمزة، وتخفيف التحتية، وسقط لابن عساكر لفظ: (ابن أبي إياس) (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثنا محمد بن زِيَاد)؛ بكسر الزاي، وتخفيف التحتية: هو الجمحي المدني

<<  <   >  >>