للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العمل في الصلاة، فإن كان يسيرًا؛ فلا فساد، وإن كان كثيرًا؛ تفسد صلاته، وهو مفوض لرأي المصلي، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، إذا علمت هذا؛ ظهر لك فساد ما زعمه ابن حجر؛ فافهم، وقد خفي عليه أن القيود تارة تذكر لبيان الواقع، وتارة لبيان الغالب، وتارة للاحتراز، وما هنا من الوسط، والعالم النحرير يفرق بين ذلك؛ فليحفظ.

[حديث: كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله]

٥١٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المنزل (١) الدمشقي المولد (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا) (مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن عامر بن عبد الله بن الزُّبير)؛ بِضَمِّ الزاي: هو ابن العوام المدني، (عن عَمرو) بفتح العين المهملة (ابن سُليم) بِضَمِّ السين المهملة (الزُرَقي)؛ بِضَمِّ الزاي وفتح الرَّاء: هو الأنصاري، نسبة إلى زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، (عن أبي قتادة) هو الحارث بن ربعي السلمي (الأنصاري) توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن أبي طالب، وقيل: اسمه النعمان، وفي رواية أحمد عن عمرو بن سليم: (أنَّه سمع أبا قتادة يقول) : (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الهمزة (كان يصلي)؛ أي: في بعض الأوقات، لا يقال: إنَّ (كان) تفيد الاستمرار والدوام؛ لأنَّا نقول: ليست هي كذلك دائمًا، بل تذكر لأمر نادر، كما هنا للقرينة الحالية والمقالية الدَّالة على ذلك؛ فافهم، (وهو حاملٌ أُمامةَ) : الواو للحال، والجملة اسمية محلها نصب على الحال، و (حاملٌ) : بالتنوين، و (أمامةَ) : بالنصب، وهو المشهور، ويروى بالإضافة؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: ٣]؛ بالوجهين في القراءة، قاله الشَّارح، وقال الكرماني: فإن قلت: قالت النحاة: فإن كان اسم الفاعل للماضي؛ وجبت الإضافة، فما وجه عمله؟ قلت: إذا أريد به حكاية الحال الماضية؛ جاز إعماله؛ كما في قوله تعالى: {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: ١٨]، انتهى، و (أُمَامَة) : بِضَمِّ الهمزة وتخفيف الميمين (بنتَ زينبَ)؛ بالفتح والكسر صفة لـ (أمامة) على الوجهين، (بنتِ رسول الله)، وفي رواية: (ابنةِ رسول الله) (صلى الله عليه وسلم)؛ بالجر لا غير، نَعتٌ لـ (زينب)، وجُوِّز القطع نصبًا ورفعًا؛ فتأمل.

قال الشَّارح: ومطابقته للتَّرجمة ظاهرة.

فإن قلت: أين الظهور وقد خصص بالتَّرجمة الحمل بكونه على العنق، ولفظ الحديث أعم من ذلك؟

قلت: كأن البخاري أشار بذلك إلى أن الحديث له طرق أخرى؛ منها لمسلم من طريق بكير بن الأشج عن عمرو بن سليم، وصرح فيه: (على عنقه)، وكذا في رواية أبي داود، وفي رواية له: (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه)، وفي رواية لأحمد من طريق ابن جريج: (على رقبته) انتهى.

قال الشَّارح: وكانت زينب أكبر بنات النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إليه، وأولاده عليه السَّلام كلهم (٢) من خديجة سوى إبراهيم، فإنَّه من مارية القبطية، تزوجها قبل البعثة، قال الزهري: وكان عمره عليه السَّلام يومئذٍ إحدى وعشرين سنة، وقيل: خمس وعشرين سنة، زمان بنيت الكعبة، وقيل: ثلاثين، وكان عمرها أربعين، وقيل: خمسًا وأربعين، فولدت له القاسم وبه كان يكنى، والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.

وتزوج بزينب أبو العاص فولدت منه عليًّا وأمامة هذه، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة فولدت منه محمَّدًا، وكانت وفاة زينب سنة ثمان، ولهذا قال: (ولأبي العاص) عطف على زينب بإظهار اللَّام المقدرة في المعطوف عليه، قاله إمام الشَّارحين والكرماني، وتبعهما ابن حجر والقسطلاني.

وزعم العجلوني: ولو جعل خبرًا لمحذوف؛ أي: وهي لأبي العاص؛ لم يمتنع، انتهى.

قلت: بل هو ممنوع لأنَّ هذه الصيغة تفيد أن أمامة ليست بنتًا لأبي العاص، بل تخصه مثل أن تكون ربيبة أو خادمة أو نحوها، بخلاف العطف، فإنَّه يقتضي المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه، فما زعمه غير ظاهر، والأول: هو الظَّاهر؛ فافهم.

وإنما نسبها إلى أمها أولًا؛ لما زعمه ابن العطار من أن الولد ينسب إلى أشرف الأبوين دينًا ونسبًا؛ لأنَّ والد أمامة كان يومئذ مشركًا، ثم بيَّن أنها من أبي العاص؛ تبيينًا لحقيقة نسبها، كذا في «العجلوني».

قلت: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ الولد ينسب إلى أبيه، وقد صرح القرآن العظيم بذلك قال تعالى: {ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ...}؛ الآية [الأحزاب: ٥]، وما زعمه من أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه؛ ممنوع هنا؛ لأنَّ هذا في السبايا إذا سبيت الصغار وأسلم آباؤهم؛ فيتبعونهم، أو أمهاتهم؛ فكذلك، فهو خاص بأهل الحرب بخلاف ما هنا، ألا ترى أن عليًّا ينسب إلى أبيه أبي طالب وهو قد مات على الكفر، ويدل لما ذكرنا: أن هذا الحديث رواه مسلم وغيره، وفيه: فنسبوها إلى أبيها ثم بينوا أنها بنت زينب، ورواه أحمد عن عمرو بن سليم، وفيه: (يحمل أمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا كما رأيت قد نسبوها إلى أبيها وجعلوا أمها تبعًا؛ للبيان؛ فافهم.

قال إمامنا الشَّارح: واختلف في اسم أبي العاص؛ بدون ياء بخلاف عمرو بن العاصي؛ فإنَّه بالياء على الأشهر، فقيل: اسمه لقيط؛ بالتكبير، وقيل: مقسم، وصححه الكرماني، وقيل: القاسم، قال الشَّارح: وهو أكثر في اسمه، وقيل: مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: ياسر، ويعرف بجَرْوِ البطحاء، وأم أبي العاص: هالة (٣)، وقيل: هند بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها، وأبو العاص أسلم قبل الفتح وهاجر وَرَدَّ عليه النَّبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم ابنته زينب وماتت معه؛ أي: في عصمته سنة ثمان.

وقال ابن إسحاق: (وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالًا وأمانة وتجارة، وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه (٤) بابنتها زينب، وكان لا يخالفها وذلك قبل الوحي، والإسلام فرَّق بينهما).

وقال ابن كثير: (إنَّما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وكان أبو العاص في غزوة بدر مع المشركين، ووقع في الأسر)، قال ابن هشام: (وكان الذي أسره خراش بن الصمة أحد بني حرام)، وقال ابن إسحاق عن عائشة: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم (٥)؛ بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداءأبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا الذي لها؛ فافعلوا»، قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردَّوا عليها الذي لها.

وقال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب؛ يعني: أن تهاجر إلى المدينة؛ فوفى أبو العاص بذلك ولحقت بأبيها، وأقام أبو العاص بمكة على كفره، واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة، ثم آخر الأمر أسلم، وخرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عبَّاس: (رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئًا)، والله أعلم، انتهى.

(بن الربيع)؛ بدون هاء، وفي رواية: بهاء (ابن عبد شمس) نسبه لجده، وإلا فأبوه عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، والذي عن مالك: (ابن ربيعة) بالهاء، والصَّواب: (ابن الربيع) بدون هاء، وأصلحه ابن وضاح في رواية يحيى، قال الأصيلي: هو ابن ربيع بن ربيعة، فنسبه مالك إلى جده، قال القاضي عياض: وهذا غير معروف، ونسبه عند أهل الأخبار باتفاقهم: أبو العاص بن الربيع


(١) في الأصل: (الأصل)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (كلها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (هدلة)، وهو تحريف.
(٤) في الأصل: (يزوجها)، ولا يصح.
(٥) في الأصل: (أسرهم).

<<  <   >  >>