للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن عبد العزى بن عبد شمس.

قال ابن حجر: والمخالفة فيه من مالك لا من البخاري، وغفل الكرماني فقال: خالف البخاري القوم من جهتين فقال: (ربيعة)؛ بحرف التأنيث، وعندهم: (الربيع)؛ بدونه، وقال: (ربيعة بن عبد شمس)، وهم قالوا: (ربيع بن عبد العزى بن عبد شمس) انتهى، وكذلك اعترض الكرمانيَّ إمامُ الشَّارحين فقال: لو اطلع الكرمانيُّ على كلام القوم؛ لما قال ذلك، وتمامه فيه.

وزعم العجلوني بأنه لا غفلة من الكرماني؛ لأنَّه يصح أيضًا نسبة الغفلة إلى البخاري وإن كان تابعًا لمالك فيها، وأن الاعتراض في الأصل من ابن الأثير؛ فتدبر، انتهى.

قلت: الغفلة من الكرماني محققة، كما لا يخفى؛ لأنَّه لم يفرق، ولا يصح أن تكون الغفلة من البخاري؛ لأنَّه كثيرًا ما يذكر أشياخه في سنده وينسبهم إلى أجدادهم؛ لشهرتهم به، على أنَّه إذا كان البخاري تابعًا لمالك؛ فالغفلة من مالك قطعًا، والله أعلم.

(فإذا سجد) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (وضعها)؛ أي: أمامة على الأرض، كذا في رواية مالك، (وإذا قام) أي: من السُّجود (حملها)؛ أي: أمامة على عنقه، أو على عاتقه، أو على رقبته، كما سبق من الروايات في ذلك، وفي رواية مسلم، وأحمد، والنسائي، وابن حبان عن عامر بن عبد الله: (فإذا ركع؛ وضعها)، وفي رواية أبي داود عن عمرو بن سليم: (حتى إذا أراد أن يركع؛ أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد حتى إذا أفرغ من سجوده فقام؛ أخذها فردها في مكانها)، كذا في «عمدة القاري».

وفي الحديث أحكام:

أحدها: أنَّه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان في صلاة الفرض، والواجب، والنفل، ويجوز ذلك للإمام والمقتدي والمنفرد، وهو مذهب الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وأصحابه، والجمهور.

قال صاحب «البدائع» : إذا أخذ المصلي قوسًا ورمى به؛ فسدت صلاته، وكذا لو حملت امرأة صبيها فأرضعته؛ تفسد؛ لوجود العمل الكثير، وأما إذا حملت الصبي بدون الإرضاع؛ فلا يوجب الفساد، ثم روى حديث الباب وقال: هذا الصنيع لم يكره منه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه كان محتاجًا إلى ذلك؛ لعدم من يحفظها أو لبيانه الشرع بالفعل، وهذا غير موجب للفساد، ومثل هذا لا يكره لواحد منا أن يفعله عند الحاجة، أمَّا بدونها؛ فمكروه، انتهى.

وقال النَّووي: وعند الشَّافعي يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان في صلاة الفرض والنفل للإمام، والمنفرد، والمأموم، انتهى.

وقال أحمد: يجوز ذلك، قال الأشرم: سئل أحمد: أيأخذ الرجل ولده وهو يصلي؟ قال: نعم، واحتجَّ بحديث أبي قتادة.

وقال مالك: لا يجوز حمل الصبي ونحوه في الصلاة الفريضة، وأمَّا حديث الباب؛ فمحمول على صلاة النفل، قال ابن عبد البر: ومن الدليل على صحة ما قاله إني لا أعلم خلافًا أن مثل هذا العمل في الصلاة مكروه، انتهى.

قلت: وهذا فاسد، فإن حديث الباب صريح في جواز ذلك في الفرض والنفل، وما زعمه من الحمل غير صحيح، كما سيأتي، وما زعمه ابن عبد البر فاسد الاعتبار؛ لأنَّه لا يلزم من عدم علمه الخلاف في كراهة الصلاة بذلك أن يكون دليلًا لمدعاه، ألا ترى أن مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، والشَّافعي وأصحابه، وأحمد ابن حنبل: أن هذا الفعل جائز من غير كراهة لا سيما وقد فعله النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفعله لا يوصف بكراهة، بل هو شرع لنا إلى قيام الساعة، وكأنَّه أراد بنفي الخلاف الإجماع على كراهة هذا الفعل، ولا يخفى أن الأمة لا تجتمع على حكم مخالف لما فعله الشَّارع، وإن أراد إجماع مذهبهم؛ فهو غير معتبر ولا مقبول، على أنَّه إنَّما قالوا ما قالوا تعصُّبًا وترويجًا لما ذهب إليه إمامهم، وهو باطل، والحق أحق أن يتبع؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين: روى سفيان بن عيينة بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري قال: (رأيت النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يؤمُّ الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي بنت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه)؛ فهذا صريح في أنَّه عليه السَّلام كان في صلاة الفرض، ولأن الغالب في إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الفرائض دون النوافل.

وفي رواية أبي داود عن أبي قتادة الأنصاري قال: (بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظُّهر أوالعصر وقد دعاه بلال للصلاة؛ إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلَّاه وقمنا خلفه...)؛ الحديث، وفي كتاب «النسب» للزبير بن بكار، عن عمرو بن سليم: (أن ذلك كان في صلاة الصبح).

قال الشيخ تقي الدين: روي عن مالك: أنَّه منسوخ، قال أبو عمر (١) بن عبد البر: ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال بالصلاة، وقد ردَّ هذا بأن قوله عليه السَّلام: «إن في الصلاة لشغلًا» كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة، وأن قدوم زينب وابنتها إلى المدينة كان بعد ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك؛ لكان فيه إثبات النَّسخ بمجرد الاجتهاد، انتهى.

قلت: والنَّسخ بالاجتهاد غير مقبول على أنَّ الجمهور من أهل العلم قالوا: إن هذا الفعل عمل غير متوالٍ، وليس فيه حركات ثلاث متوالية، والطمأنينة في الأركان موجودة قطعًا، فأين الفساد والكراهة؟ فافهم.

وروى أشهب وابن نافع عن مالك: أن هذا الفعل كان للضرورة، وادعى بعضهم أنَّه خصوصية، وردَّه النَّووي بأنَّ هذا دعوى باطلة مردودة؛ لأنَّه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأنَّ الآدمي طاهر، وما في جوفه معفوٌّ عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متضافرة على أنَّ هذه الأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلَّت أو تفرَّقت، وفعله عليه السَّلام هذا بيانًا للجواز وتنبيهًا عليه، انتهى.

وزعم الخطابي يشبه أن يكون صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن قصد وتعمد في الصلاة، ولعل الصبية لطول ما ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة؛ فلا يدفعها عن نفسه ولا يبعدها، فإذا أراد أن يسجد وهي على عنقه؛ وضعها بأن يحطَّها أو يرسلها إلى الأرض حتى يفرغ من سجوده، فإذا أراد القيام وقد عادت الصبية إلى مثل الحالة الأولى؛ لم يدافعها ولم يمنعها حتى إذا قام؛ بقيت محمولة معه، هذا عندي وجه الحديث، ولا يتوهَّم عليه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعمَّد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارة بعد أخرى؛ لأنَّ الكل في ذلك قد يكثر فيتكرر، والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته، وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية؛ فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صنيعه وصفته من الأمر؟!

وقد رد هذا إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» والنَّووي؛ فقال الشَّارح: فقوله في الحديث: «فقام، فأخذها، فردها في مكانها» : صريح في أن الحمل والوضع كان منه عليه السَّلام لا من أمامة، وقال النَّووي: وما ذكره الخطابي باطل ودعوى مجردة، ومما يرده (٢) قوله في «صحيح مسلم» : (فإذا قام؛ حملها)، وقوله: (فإذا رفع من السُّجود؛ أعادها)، وقوله في غير رواية مسلم: (خرج علينا حاملًا أمامة فصلى...)، وذكر الحديث، وأما قضية الخميصة؛ فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلم أنَّه يشغل القلب، وإن سلمنا؛ فيترتب عليه فوائد وقواعد، كما ذكرناها، بخلاف الخميصة،


(١) في الأصل: (عمرو)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (يرد)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>