للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان من رجال العرب نجدة وجرأة، بعثه النبي الأعظم عليه السلام إلى النجاشي بكتاب يدعوه إلى الإسلام، فأسلم على يديه، المتوفى بالمدينة سنة ستين (أخبره: أنه رأى النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) في الوضوء، فلا يجوز المسح عليهما في الغسل للجنابة، والحيض، والنفاس، كما أوضحه في «منهل الطلاب» مع كلام فيه؛ فافهم.

وفرض المسح: مقدار ثلاثة أصابع طولًا وعرضًا، كما في «الدر» و «شرح المنية»؛ يعني: فرضه قدر طول الثلاث أصابع وعرضها، قال في «البحر» : (ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة؛ لا يجوز بلا خلاف بين أئمتنا)، كذا في «البدائع»، إلا إذا كان الماء متقاطرًا بحيث يبتل من الخف قدر الفرض؛ فيجوز، كذا في «المحيط» و «الذخيرة»، وأشار بذكر المقدار إلى أن الأصابع غير شرط، وإنما الشرط قدرها، كما في «الشرنبلالية»، لكن المسنون هو المسح بالأصابع، فإذا مسح بغيرها كخرقة، أو إصابة ماء، أو مطر قدر الفرض؛ أجزأه عن المسح، ولم يحصِّل السنة، كذا في «الإمداد»، وأفاد أن الفرض هو ذلك المقدار من كل رِجل على حدة حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين، وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع؛ لم يجز، كما في «النهر».

ولا يفتقر مسح الخف إلى النية، كما في «فتح القدير»، فلو توضأ ومسح الخف ونوى به التعليم دون الطهارة؛ يصح، كذا في «الخلاصة»، وتمامه في «منهل الطلاب».

والمراد بالأصابع: أصابع اليد، كما قاله الإمام أبو بكر الرازي، كما في «الخلاصة» و «شرح المنية»، وفي «الاختيار» : (أنه قول الإمام محمد)، وقال الإمام الكرخي: (ثلاث أصابع من أصابع الرجل)، والأول: هو الأصح، كما في «النهر» عن «البدائع»، ومشى عليه في عامة المعتبرات، وقيدها الإمام قاضيخان بكونها من أصغر أصابع اليد، وتبعه في «الدر المختار»، و «إمداد الفتاح»، وقال الإمام زفر: لو مسح بإصبع أو إصبعين؛ يجوز، وهو إحدى الروايتين عن الإمام الأعظم، والأول الأصح، كما في «البحر»، وهو المختار، كما في «المجتبى».

(قال: أبو عبد الله) أي: المؤلف: (تابعه)، وفي رواية: (وتابعه)؛ بالواو؛ أي: تابع شيبانَ بن عبد الرحمن المذكور، (حربٌ)؛ أي: ابن شداد -بالحاء المهملة-، منقول عن ضد الصلح، و (حربٌ)؛ بالرفع فاعل (تابعه)، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى (شيبان)، وقد وصله النسائي، عن عباس العنبري، عن عبد الرحمن، عن حرب، عن يحيى، عن أبي سلمة، وتوفي حرب سنة إحدى وستين ومئة، وكان بصريًّا حافظًا ثقة، و (أَبَان) عطف على (حرب)، وهو أبان بن يزيد العطار البصري، المتوفى في حدود المئة والستين، وهو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، بالصرف وعدمه، فمن صرفه؛ جعل الهمزة أصلية والألف زائدة، فوزنه (فعال)، ومن منعه؛ عكس، فقال: الهمزة زائدة والألف بدل من الياء؛ لأنَّ أصله (بيَّن) ووزنه (أفعل)، وقد وصله الطبراني في «معجمه الكبير» عن محمد بن يحيى بن المنذر القزاز، عن موسى بن إسماعيل، عن أبان بن يزيد، (عن يحيى)؛ أي: ابن أبي كثير إلى آخر السند السابق.

[حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على عمامته وخفيه]

٢٠٥ - وبالسند قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح العين المهملة وسكون الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان العتكي الحافظ (قال: أخبرنا عبد الله)؛ أي: ابن المبارك المروزي (قال: أخبرنا الأوزاعي) : عبد الرحمن الإمام، (عن يحيى)؛ أي: ابن أبي كثير، وعند أحمد: (عن أبي المغيرة عن الأوزاعي: حدثنا يحيى)، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام، ابن عبد الرحمن بن عوف، (عن جعْفر) بسكون العين (بن عَمرو) بفتح العين (بن أُمية)؛ بضم الهمزة، قال في «عمدة القاري» : (وأسقط بعض الرواة عن الأوزاعي جعفرًا من الإسناد، وهو خطأ، قاله أبو حاتم الرازي) انتهى (عن أبيه)؛ أي: عمرو بن أمية الصحابي السابق (قال: رأيت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يمسح على عِمامته)؛ بكسر العين؛ أي: بعد مسح الناصية أو بعضها، كما في رواية مسلم، أو على عمامته فقط مقتصرًا عليها؛ كما هو ظاهر الحديث، وهو مذهب أحمد ابن حنبل بشروط عنده ستأتي، وقال الأصيلي: (ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأنَّ شيبان رواه عن يحيى ولم يذكرها، وتابعه حرب وأبان، والثلاثة خالفوا الأوزاعي، فوجب تغليب الجماعة على الواحد)، وأجاب في «عمدة القاري» : بأنه على تقدير تفرد الأوزاعي بذكر العمامة؛ لا يستلزم ذلك تخطئته؛ لأنَّه زيادة من ثقة غير منافية لرواية غيره فتُقْبَل، انتهى؛ فليحفظ، (و) كذا رأيته يمسح على (خفيه)؛ أي: في الوضوء، ويشترط عند أحمد للمسح على العمامة الاعتمام بعد كمال الطهارة، ومشقة نزعها بأن تكون محنكة كعمائم العرب، ولأنه عضو يسقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائله كالقدمين، وفي «المغني» للحنابلة: من شرائط جواز المسح شيئان؛ أحدهما: أن تكون تحت الحنك سواء أرخى لها ذؤابة أو لا، وقيل: إنَّما يحرم المسح على العمامة التي ليس لها حنك؛ لأنَّه عليه السلام أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط، وهو ألَّا يكون تحت الحنك منها شيء، وروي عن عمر: (أنه رأى رجلًا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحنكه بكور منها، وقال: ما هذه الفاسقة؟)، والثاني: أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين، ويستحب أن يمسح على ما ظهر من الرأس مع المسح على العمامة، نصَّ عليه أحمد، انتهى، وهو قول قتادة، ومكحول، والأوزاعي، وأبو ثور.

وقال ابن المنذر: (وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأنس، وأبو أمامة) انتهى، وقال الإمام الأعظم، وأصحابه، وعروة، والنخعي، والشعبي، وأبو القاسم، ومالك، والشافعي: لا يجوز المسح على العمامة؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: ٦]، ومن مسح على العمامة؛ لم يصدق عليه أنه مسح على رأسه، وأجمعوا على أنه لا يجوز مسح الوجه في التيمم على حائل دونه، فكذلك الرأس، وقال الخطابي: (فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة مُحْتَمِل للتأويل، فلا يُتْرَكُ المتيقن للمحتمل، وقياسه على مسح الخف بعيد؛ لأنَّه يشق نزعه بخلافها) انتهى.

وأيضًا مسح الخف الأخبار فيه مستفيضة، تجوز الزيادة بمثلها على الكتاب بخلاف مسح العمامة، فإنه قد أنكره بعض الصحابة، كذا في «البحر»، وقد أخرج الترمذي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على العمامة، فقال: أَمِسَّ الشعر، وقال الإمام محمد بن الحسن في «موطئه» : (أخبرنا مالك قال: بلغني عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا حتى تمس الشعر الماء)، قال الإمام محمد: (وبهذا نأخذ)، ثم قال: (أخبرنا مالك قال: حدثنا نافع قال: رأيت صفية بنت أبي عبيدة تتوضأ، وتنزع خمارها، ثم تمسح برأسها، قال نافع: وأنا يومئذ صغير)، قال الإمام محمد: (وبهذا نأخذ، وقد بلغنا أن المسح على العمامة كان، ثم تُرِك)، كذا في «غاية البيان».

وحديث الباب محمول على فرع ذكره في «السراج الوهاج»، وهو: (إذا كانت العمامة رقيقة تنفذ البلة منها وتصير إلى الرأس مقدار مسحه؛ فإنه يجوز) انتهى، ويدل لهذا أن في زمانهم العمامة كانت رقيقة تشفُّ الماء، ولم يكن في زمانهم الطربوش؛ فعمامتهم الشاش الرقيق فقط، لا سيما وبلادهم حارة لا يلبس فيها إلا الرقيق، وذكر في «البحر» : (أن المرأة إذا مسحت على خمارها ونفذت البلة إلى رأسها حتى ابتل قدر الربع منه؛ فيجوز) انتهى.

قلت: أو يُحْمَل حديث الباب على أن الراوي كان بعيدًا عن النبي الأعظم عليه السلام، فمسح عليه السلام على رأسه ولم يضع العمامة عن رأسه؛ فظن الراوي أنه عليه السلام مسح على العمامة، وأراد الراوي المجاز إطلاقًا لاسم الحال على المحل، فهذا الحديث متروك الظاهر، لاسيما وقد صرَّح مسلم بروايته: (أنه عليه السلام مسح على ناصيته ثم مسح على عمامته)، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا قال: بالمسح على القلنسوة إلا أنسًا، فإنه مسح على قلنسوته.

ولا يجوز المسح على الوقاية قولًا واحدًا، ولا نعلم فيها خلافًا؛ لأنَّه [لا] يشقُّ نزعها، وفي جواز المسح للمرأة على الخمار عن أحمد روايتان؛ الجواز وعدمه، وبعدمه قال نافع، وحماد بن سليمان، والأوزاعي، وسعيد بن

<<  <   >  >>