للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين من غير ترجمة، وهو بمنزلة الفصل عن الباب قبله، ودلالته على غسل البول من جهة التوعد، قال في «عمدة القاري» : (وثبت لفظ «باب» في رواية أبي ذر، وهو على هذه الصورة غير معرب، بل حكمه حكم تعداد الأسماء؛ لأنَّ الإعراب إنَّما يكون بعد العقد والتركيب، فإذا قلنا: هذا باب ونحوه؛ يكون معربًا، ومن قال: «باب: بالتنوين من غير وصل بشيء»؛ فقد غلط) انتهى، والقائل بذلك ابن حجر، وتبعه العجلوني تعصبًا؛ فافهم.

[حديث: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين]

٢١٨ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية بالإفراد (محمَّد بن المُثَنَّى)؛ بضمِّ الميم، وفتح المثلثة، وتشديد النون، البصري المعروف بالزَّمِن (قال: حدثنا محمَّد بن خازم)؛ بالخاء المعجمة، والزاي المعجمة، أبو معاوية الضرير، عمي وعمره أربع سنين، الكوفي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة (قال: حدثنا الأعمش) : هو سليمان بن مهران الكوفي التابعي، (عن مُجَاهِد)؛ بضمِّ الميم، هو ابن جبر، (عن طاووس) : هو ابن كيسان، (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، (قال: مر النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم بقبرين، فقال) عليه السلام: (إنَّهما ليُعَذَّبان)؛ أي: مَن في القبرين، فإسناد العذاب إلى القبرين من باب ذكر المحل وإرادة الحالِّ، (وما يُعَذَّبان في كبير)؛ بالموحدة، و (ما) نافية على الأظهر؛ أي: بكبير تركه عليهما إلا أنَّه كبير من حيث المعصية، (أما أحدهما)؛ أي: أحد المقبورين، وأتى بـ (أما) للتفصيل؛ (فكان) في حياته بدار الدنيا (لا يستتر)؛ بفوقيتين، من الاستتار (من البول)؛ أي: بول الإنسان، ولابن عساكر: (لا يستبرئ)؛ بالموحدة، من الاستبراء؛ أي: لا يطلب البَرَاءة من البول، (وأما الآخر) من المقبورين؛ (فكان يمشي بالنميمة)؛ أي: بين الناس بالفساد والإضرار، فإن كان على سبيل مصلحة أو ترك مفسدة؛ فهو مطلوب شرعًا، وأفاد التعبير بـ (ان) إلى أنه كانت عادتهما ذلك على سبيل الدوام والاستمرار، وماتا ولم يتوبا من ذلك، ويدل لذلك التعبير بصيغة المضارعة بعد (كان).

(ثم أخذ)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (جريدة) من النخل (رطْبة)؛ بسكون الطاء، وكأنَّه عليه السلام أخذها من أصلها؛ أي: قطعها بيده الشريفة، (فشقها نصفين)، وإنما شقَّها كذلك؛ إما ليسهل غرزها، أو لكبرها، أو غير ذلك، والله أعلم، (فغرز)؛ بالغين والزاي المعجمتين، بينها راء، وفي رواية وكيع في (الأدب) : (فغرس)، وهما بمعنى واحد، وبين الزاي والسين تناوب، كما في «عمدة القاري» (في كل قبر واحدة)، وكان غرزه عليه السلام عند رأس القبر، كما قاله في «عمدة القاري»، وقال: إنه ثبت بإسناد صحيح.

(قالوا)؛ أي: الصحابة رضي الله عنهم: (يا رسول الله؛ لم فعلت)؛ أي: هذا؟ كما صرح به في رواية، (قال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام: (لعله يخفَّف) بفتح الفاء الأولى المشددة (عنهما)؛ أي: عن صاحبي القبرين العذاب (ما لم ييبَسا)؛ بتحتيتين، بعدهما موحدة، وفي رواية: (ما لم تيبَسا)؛ بفوقية، وبعدها تحتية، وبعدها موحدة، وفي أخرى: (إلا أن ييبَسا)؛ بحرف الاستثناء، والموحدة مفتوحة في الكل، ويجوز التذكير والتأنيث، فالتذكير نظرًا إلى رجوع الضمير إلى العُود؛ لأنَّ الجريدة عود، والتأنيث باعتبار رجوع الضمير فيه إلى الشقين، قال في «عمدة القاري» : (وهذا الحديث في نفس الأمر هو الذي ترجم له المؤلف بقوله: «من الكبائر...» إلخ؛ لأنَّ مخرجهما واحد غير أن الاختلاف في السند وبعض المتن؛ لأنَّ هناك عن مُجَاهِد، عن ابن عباس، وهنا عن مُجَاهِد، عن طاووس، عن ابن عباس، وقد قلنا هناك: إن إخراج المؤلف بهذين الطريقين صحيح عنده؛ لأنَّه يحتمل أن مُجَاهِدًا سمعه تارة عن ابن عباس، وتارة عن طاووس، عن ابن عباس، فإذا بان الأمر كذلك؛ فلا يحتاج إلى طلب ترجمة هذا الحديث لهذا الباب على تقدير وجود لفظة «باب»؛ لأنَّ وجه الترجمة والمطابقة لها قد ذكر هناك.

فإن قلت: بينهما باب آخر، وهو قوله: (باب ما جاء في غسل البول)؟

قلت: هذا تابع للباب الأول؛ لأنَّه في بيان حكم من أحكامه، وليس للتابع استقلال في شأنه، فعلى هذا قول الكرماني.

فإن قلت: كيف دلالة الحديث على الترجمة؟

قلت: من جهة إثبات العذاب على ترك استتار جسده من البول وعدم غسله غير رشيد مستغنى عنه؛ لأنَّه [إن] اعتبر فيما قاله لفظة «باب» مفردًا؛ فليس فيه ترجمة، وإن لم يعتبر ذلك؛ فيكون الحديث في باب «ما جاء في غسل البول»، وليس له مناسبة ظاهرًا، والتحقيق ما ذكرته؛ فافهم) انتهى كلامه.

(وقال ابن المثنى) وفي رواية: (وقال محمَّد بن المثنى)؛ أي: المذكور: (وحدثنا وكيع)؛ أي: ابن الجراح، وهو معطوف على قوله: (حدثنا محمَّد بن خازم)، ووقع في رواية بحذف واو العطف، فليس هذا بتعليق، كما زعمه ابن حجر؛ فليحفظ، نبَّه عليه في «عمدة القاري»، وتبعه الشراح، وقد وصله أبو نعيم في «المستخرج» من طريق محمَّد بن المثنى هذا عن وكيع، ومحمَّد بن خازم، عن الأعمش، والثلاثة في هذا الإسناد الذي أفرده للتقوية للإسناد الأول.

(قال: حدثنا الأعمش)؛ سليمان بن مهران الأسدي: (سمعت مُجَاهِدًا مثلَه)؛ بالنصب مفعول لمحذوف؛ أي: يقول مثله، وصرح بالسماع؛ لأنَّ الأعمش مدلس، وعنعنة المدلس لا تعتبر إلا إذا علم سماعه، وأراد التصريح بالسماع؛ لأنَّ الإسناد الأول معنعن.

فإن قلت: [قال في الأول: (حدثنا محمد بن المثنى)، وقال ههنا] (١) : (قال ابن المثنى) هل بينهما فرق؟

قلت: بلى أشار به إلى أنَّ (قال) أحط رتبة ودرجة من (حدَّث) كما تقول في بعض المواضع في إسناد واحد: (حدثني)؛ بالإفراد، و (حدثنا)؛ بالجمع.

فإن قلت: مُجَاهِد في هذه الطريقة يروي عن طاووس أو عن ابن عباس؟

قلت: الظاهر أنه يروي عن طاووس، عن ابن عباس؛ لأنَّه قال: (مثله)، ومثل الشيء: غيره، انتهى «عمدة القاري»، والله تعالى الهادي.

(٥٧) [باب ترك النبيِّ والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله فِي المسجد]

هذا (باب ترك النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم والناسِ)؛ بالجر عطفًا على لفظ (النبي) عليه السلام؛ لأنَّه مجرور بالإضافة؛ والتقدير: وتركُ الناسِ، وبالرفع عطفًا على المحل؛ لأنَّ لفظ (الترك) مصدر مضاف إلى فاعله، وبالنصب على المفعول معه، (الأعرابيَّ)؛ بفتح الهمزة منصوب على أنه مفعول (ترك) المصدر، واللام فيه للعهد الذهني النحوي، والخارجي البياني؛ لأنَّه معهود بواسطة القرائن، وهو ذو الخويصرة اليماني، أو الأقرع بن حابس كما يأتي، والأعرابي: نسبة إلى الأعراب؛ لأنَّه لا واحد له، وهم سكان البادية، والعربي: نسبة إلى العرب، وهم أهل الأمصار، وليس الأعرابي جمعًا للعرب، انتهى؛ أي: الأعرابي الذي قدم المدينة، ودخل مسجد النبي الأعظم عليه السلام، وبال فيه فلم يتعرض له أحد بإشارة النبي عليه السلام (حتى فرَغ) بفتح الراء (من بوله في المسجد)؛ أي: النبوي، فالألف واللام فيه للعهد الذهني كما سبق، والمشهور كسر الجيم، ويجوز فتحها، وهو القياس، والظرف إما حال من (بوله)، أو صفة له، وإنما تركه عليه السلام حتى فرغ وأمر الناس بتركه فتركوه؛ لأنَّه شَرَعَ في المفسدة، فلو منعه من إتمامها فيه؛ لدار الأمر بين أن يقطعها فيتضرر وبين ألَّا يقطعها؛ فلا يأمن تنجيس بدنه، أو ثوبه، أو المسجد فيؤخذ منه أنه إذا تعارض مفسدتان يرتكب أخفهما، وهي قاعدة من قواعد الفروع ذكرها الإمام زين الدين في «الأشباه والنظائر»؛ فليحفظ.

[حديث: أن النبي رأى أعرابيًا يبول في المسجد]

٢١٩ - وبه قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل)؛ هو التبوذكي البصري، وسقط في رواية: (ابن إسماعيل) (قال: حدثنا هَمَّام)؛ بفتح الهاء، وتشديد الميم الأولى، هو ابن يحيى بن دينار العَوْذي؛ بفتح العين المهملة، وسكون الواو، وبالذال المعجمة، كان ثبتًا في كل المشايخ، المتوفى


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل، وهو مثبت من «عمدة القاري».

<<  <   >  >>