والموحدة، مضارع: لبس؛ بكسر الموحدة.
(المحرم) بالحج أو العمرة، وأصله: الداخل في الحرمة؛ لأنَّه يحرم عليه به ما كان حلالًا له قبله من صيد ونحوه، (فقال) عليه السلام: (لا يلبسُ) من اللُّبس؛ بضم اللام من باب (علم يعلم)، وأما اللَّبس -بالفتح-؛ فهو من باب (ضرب يضرب)، يقال: لبست عليه الأمر، إذا خلطت عليه ومنه التباس الأمر وهو اشتباهه، روي بالرفع على أن لا نافية، وبالجزم على أنها ناهية؛ أي: المحرم.
(القميصَ)؛ بالنصب على المفعولية وهو معروف يتخذ من القطن أو الصوف جمعه: قمص وأقمصة وقمصان، وهو مذكَّر وقد يؤنَّث، (ولا العِمامة)؛ بكسر العين واحدة العمائم، وعمَّمته ألبسته العمامة، وعمِّمَ الرجل سوِّد؛ لأنَّ العمائم تيجان العرب، كما قيل في العجم توِّج واعتمَّ بالعمامة وتعمَّم بها بمعنى، وفلان حسن العمَّة؛ أي: الاعتمام، كذا في «عمدة القاري» عن الجوهري.
(ولا السراويل) : أعجمية عرِّبت وجاء على لفظ الجمع وهي واحدة يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي إلا التأنيث ويجمع على: السراويلات، وقد يقال: هو جمع ومفرده سروالة وهو غير منصرف على الأكثر، وقال سيبويه: سراويل واحدة أعجمية، فأعربت فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سمَّيت بها رجلًا؛ لم تصرفها، ومن النحاة من لا يصرفه أيضًا في النكرة ويزعم أنه جمع: سروال والسراوين؛ بالنون لغة، والشراويل؛ بالشين المعجمة لغة أيضًا أفاده في «عمدة القاري».
(ولا البُرْنُس)؛ بضم الموحدة، وسكون الراء، وضم النون، ثوب رأسه منه ملتزق به، وقيل: قلنسوة طويلة، وكان النسَّاك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البِرس؛ بكسر الموحدة، وهو القطن والنون زائدة، وقيل: غير عربي، وكل ما جُبَّ فيه موضع لإخراج الرأس منه؛ فهو جبة، وكل ما خيط أو نسج في طرفه ليستمسك على اللَّابس؛ فهو برنس كالقفار ونحوها، وتمامه في «عمدة القاري».
(ولا ثوبًا)؛ بالنصب عطف على قوله (القميص)، وروي بالرفع على تقدير فعل ما لم يسم فاعله؛ أي: ولا يلبس ثوب، (مسَّه الوَرْس) : فعل، ومفعول، وفاعل، والجملة محلها النصب أو الرفع صفة لـ (ثوب)؛ بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة: نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب ويتَّخذ منه الغمرة للوجه مثل: حب السمسم فإذا جف عند إدراكه؛ يفتق فيغض منه الورس، وتمامه في «عمدة القاري».
(أو الزعفران)، وللأصيلي: (مسه الزَّعْفَران أو الورس) وهو بفتح الزاي والفاء وسكون العين بينهما نبت معروف يصبغ به، يقال: إن الكركمَ عروقه، وإذا كان في مكان لا يدخله سام أبرص وإنما عدل عن طريقة أخواته؛ لأنَّ الطيب حرام على الرجل والمرأة، فأراد أن يعمِّم الحكم للمحرم والمحرمة، بخلاف الثياب المذكورة؛ فإنَّها حرام على الرجال فقط، كذا في «عمدة القاري».
(فإن لم يجد النَّعْلين) : تثنية نعل وهي الحِذَاء؛ بكسر الحاء المهملة، والمد، وفتح النون، وسكون العين المهملة، جمعه: نعال، وكل ما وقيت به القدم من الأرض فهو نعل.
(فلِيلبس)؛ بكسر اللام وسكونها (الخفين) تثنية خفٍّ معروف جواب الشرط، فلذا دخلته الفاء، (ولِيقطعهما)؛ بكسر اللام وسكونها عطف على (فليلبس)؛ أي: الخفين، (حتى) للغاية؛ أي: أن (يكونا)؛ أي: غاية قطعهما (تحت الكعبين) تثنية: كعب، والمراد به هنا: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لا العظم الناتئ عند مفصل الساق؛ فإنَّه في الوضوء، وهذا مذهب إمامنا المعظم الإمام الأعظم.
وقال الشافعي: إنه العظم الناتئ عند مفصل الساق، وجملة (تحت الكعبين) : خبر (يكونا) : المنصوب بحذف النون، والواو في (وليقطعهما) لا تدل على الترتيب، ومعناها الشركة والجمع مطلقًا من غير دلالة على تقديم أو مصاحبة، كما نص عليه سيبويه، وله شواهد في القرآن العظيم وإنما أجاب بما لا يلبس عمَّا يلبس؛ لأنَّ المتروك منحصر والملبوس لا ينحصر؛ لأنَّ الإباحة هي الأصل فحصر ما يترك؛ ليبيِّن أن ما سواه مباح، وهو من بديع كلامه وفصاحته.
وقد راعى (١) المفهوم أيضًا فإنه لو أجاب بما يلبس؛ لتوهم المفهوم، وهو أن غير المحرم لا يلبسه فانتقل إلى ما لا يلبس؛ لأنَّ مفهومه مستعمل منطوقه، فكان أفصح، ونبَّه بـ (القميص) و (السراويل) على كل ما يعمُّ العورة من المخيط وبـ (العمائم) و (البرانس) على كل ما يغطى به الرأس مخيطًا أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وأن لباس ذلك جائز للرجال في غير الإحرام وإنما كان لهم؛ لأنَّ النساء مأمورات بستر رؤوسهن، وبـ (الورس) و (الزعفران) على ما سواهما من أنواع الطيب وهو حرام على الرجل والمرأة والخصوص للرجال؛ من حيث أن الألفاظ كلها للمذكَّرين، والعموم من الأدلة الخارجة عن هذا الحديث، ويدل له رواية قوله: (ولا ثوبُ)؛ بالرفع، وحكمة تحريم اللباس على المحرم: التذلل والخضوع، وفي الطيب: ترك زينة الدنيا، وقطع الخف عند عدم وجود النعل واجب عند إمامنا الإمام الأعظم والجمهور، فإن لم يقطعه؛ فعليه الفدية؛ للأمر بالحديث.
وقال الشافعي: إذا لم يجد النعل؛ لا يجب قطع الخف، والحديث حجَّة عليه أيضًا، وقال أحمد: يجوز لبس الخف بدون قطع، وزعم أصحابه: أن القطع إضاعة؛ لما روى مسلم: (فإن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين)، ولا دليل في هذا؛ لأنَّ الجمهور على أن المطلق محمول على المقيَّد، وزيادة الثقة مقبولة يجب الإيمان بها، والإضاعة منهي عنها فيما لم يأمر الشرع به، ودعوى النسخ باطلة؛ لما في «صحيح ابن خزيمة» وغيره من بطلانها، كما أوضحه في «عمدة القاري».
فالحديث حجَّة عليه أيضًا، وهو القول بالرأي بعينه، ومنازعة السنة به؛ فليحفظ.
وقال مجاهد، وهشام بن عروة، وعروة، وابن الزبير، ومالك في رواية: لا يجوز لبس الثوب الذي مسَّه ورس أو زعفران للمحرم سواء كان مغسولًا أو لم يكن؛ لإطلاق الحديث.
وقال إمامنا الإمام الأعظم، ومالك في رواية، وأبو يوسف، ومحمد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يجوز لبس الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض؛ لأنَّه ورد في حديث ابن عمر المذكور: (إلا أن يكون غسيلًا)، وأخرج هذه الزيادة الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» وساقه بتمامه برجال ثقات، وزعم ابن حزم أنه لا يعلم صحته، وزعمه باطل؛ لأنَّ نفي علمه لا يستلزم النفي عن غيره؛ فافهم.
وفي حديث ابن عباس: «من لم يجد إزارًا؛ فليلبس السراويل»، فأخذ به إمامنا الأعظم والإمام مالك، والشافعي، وأحمد، إلا أن إمامنا الأعظم ومالك أوجبا عليه الفدية بدليل آخر، والشافعي وأحمد أخذا بظاهره؛ فلم يجب عليه الفدية عندهما.
قال في «البدائع» : المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر فيه؛ فعل، فإن لبسه ولم يفتقه؛ فعليه دم في قول أئمتنا، وإن لم يجد رداء وله قميص؛ فلا بأس أن يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنَّه لمَّا شقَّه؛ صار بمنزلة الرداء، وكذا إذا لم يجد الإزار؛ فلا بأس أن يفتق سراويله خلاف موضع التكة ويأتزر به؛ لأنَّه إذا فتقه؛ صار بمنزلة الإزار، والله أعلم.
((٤)) [كتاب الوضوء]
ولما فرغ المؤلف من كتاب (العلم) شرع يذكر العبادات مرتِّبًا لها على ترتيب حديث: «بني الإسلام»، وقدَّم الطهارة؛ لأنَّها مفتاح الصلاة، ولأن أوَّل شيء يسأل عنه العبد في القبر الطهارة فقال:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(١) في الأصل: (راع).