للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(في) للتعليل، كما في قوله تعالى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢]، والحديث ذكره المؤلف في (المظالم) بلفظ: ويذكر عن جابر عن عبد [الله] ابن أنيس سمعت النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: «يَحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه مَن بَعُد كما يسمعه مَن قَرُب: أنا الملك أنا الديان».

زاد أحمد وأبو يعلى: (لا ينبغي لأهل الجنة أن تدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى يقتصه منه حتى اللطمة، قال: وكيف وإنَّما يأتي عراة غرلًا بهمًا، قال: بالحسنات والسيئات)، والعراة: جمع عار، والغرل: بضم الغين المعجمة وإسكان الراء جمع أغر، وهو الأقلف، وبهمًا: بضم الموحدة؛ أي: ليس معهم شيء، أو أصحاء ليس فيهم عاهات كالعمى والعور وغيرهما، وإنَّما هي أجساد صحيحة للخلود إمَّا في الجنة وإمَّا في النار، وقوله: (فيناديهم) المعنى: يجعل ملكًا يناديهم أو يخلق صوتًا ليسمعه الناس، وأمَّا كلام الله؛ فليس بحرف ولا صوت.

(فإن قلت) : إنَّ المؤلف نقض قاعدته؛ حيث عبر هنا بقوله: (ورحل) بصيغة الجزم المقتضية للتصحيح، وفي المظالم بقوله: (ويذكر) بصيغة التمريض.

(قلت) : لأنَّ عند المؤلف (يذكر) معناه الجزم أيضًا لا التمريض، ولعله ذكره هناك؛ لأنَّ الصوت ممَّا يُحتاج إلى تأويله في نسبته إلى الربِّ جلَّ وعزَّ؛ فافهم.

[حديث: في رحلة سيدنا موسى إلى سيدنا الخضر]

٧٨ - وبه قال: (حدثنا أبو القاسم خالد بن خَلِيٍّ)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام مخففةً، بعدَها مثناة تحتيَّة مشدَّدة، الكلاعي، قاضي حمص، كما في رواية، (قال: حدثنا محمد بن حرب)؛ بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة، الخولاني الحمصي.

(قال: حدثنا الأوزاعي)، وسقط (حدثنا) في رواية، بفتح الهمزة، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد، أحد أتباع التابعين، نسبة إلى (أوزاع) قرية بدمشق خارج باب الفراديس، أو بطن من حمير، أو من همْدان؛ بسكون الميم، المتوفى فجأة في الحمام، سنة سبع وخمسين ومئة، عن تسع وستين، ولد ببعلبك ودفن ببيروت، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه.

قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، (عن عبيد الله)؛ بالتصغير، (بن عبد الله)؛ بالتكبير، (ابن عتبة)؛ بضم العين، (ابن مسعود عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما، (أنَّه تمارى) من التماري؛ وهو التنازع والتجادل، (هو)؛ أي: عبد الله بن عباس، (والحُرُّ بن قيس بن حصن الفزاري) نسبة إلى فزارة بن شيبان (في صاحب موسى) بن عمران عليه السلام، هل هو الخضر أم غيره، زاد في الرواية السابقة: (قال ابن عباس: هو خضر)، ولفظ (هو) ساقط، في رواية: (وإنِّي) بضمير الفصل؛ لأنَّه لا يُعطف على الضمير المرفوع المتَّصل إلَّا بعد تأكيده بالمنفصل، وعلى روايةٍ إسقاط (هو)، فعطْفُه على المرفوع المتَّصل بغير تأكيد ولا فصل جائز عند الكوفيِّين.

(فمرَّ بهما أُبَيُّ بن كعب) هو الأنصاري، (فدعاه ابن عباس)؛ أي: ناداه فجاء، (فقال) له: (إنِّي تماريتُ)؛ أي: اختلفت، (أنا وصاحبي هذا)؛ أي: الحُرُّ بن قيس، (في صاحب موسى الذي سأل) موسى ربه، (السبيل إلى لُقِيِّه)؛ بضم اللام، وكسر القاف، وتشديد المثناة التحتية، مصدر بمعنى اللقاء، يقال: لَقِيتُه لِقاءً بالمدِّ، ولِقًا بالقصر، ولُقِيًّا بالتشديد؛ حيث قال: اللهم ادللني عليه.

(هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه)؛ أي: قصته، (فقال أُبَيٌّ) بن كعب: (نعم سمعت النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله)، (صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه) قصته لأصحابه، (يقول: بينما)؛ بالميم، (موسى) عليه السلام، (في ملأ) جماعة، (من بني)؛ أي: ذرية، (إسرائيل) يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وعند مسلم: «بينما موسى في قومه يُذَكِّرُهم أيامَ الله».

(إذ جاءه رجل) قيل: لم يسمَّ، قلت: ولعله جبريل، (فقال)، وفي رواية: (قال) : (أتعلم) بهمزة الاستفهام، وفي رواية: بحذفها، وفي أخرى: (هل تعلم)، (أحدًا أعلمَ) بنصبهما مفعولًا وصفة، وفي رواية: (أن أحدًا أعلمُ)، (منك، قال موسى: لا) لما في اعتقاده من دلائل النبوة.

(فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى)، وفي رواية: (بل)، وهي للإضراب؛ أي: أوحى إليه: لا تقل: لا؛ بل (عبدنا خضر)؛ أي: قل الأعلم عبدنا خضر، على سبيل الحكاية عن قوله تعالى، وعلمُ الخضر في شيء خاص، وعلمُ موسى في العموم.

(فسأل) موسى ربه (السبيل إلى لُقِيِّه) وفي السابقة: (إليه) بدل (لُقِيِّه)، وزيادة (موسى)، (فجعل الله له)؛ أي: لأجله، (الحوت) دابة، منصوبان على أنَّهما مفعولا جعل، (آية) علامة دالة له على مكانه، (وقيل له: إذا فقَدت الحوت)؛ بفتح القاف، (فارجع فإنك ستلقاه)؛ أي: الخضر، (فكان موسى يتَّبع)؛ بتشديد المثناة الفوقية، (أثر الحوت في البحر)، وفي رواية: في الماء؛ أي: ينتظر فقدانه، إلى أن قعد موسى عند الصخرة ورقد ثم انتبه.

(فقال فتى موسى) يوشع بن نون، (لموسى) بعد أن توضأ يوشع من ماء عين الحياة ووقع منه على الحوت فصار حيًّا، فانسل من المكتل وذهب في البحر: (أرأيت) أخبرني، (إذ أوينا)؛ أي: حين نزلنا، (إلى الصخرة) ونمت عندها، (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلَّا الشيطان أن أذكره)؛ أي: وما أنساني ذكرَه إلَّا الشيطان، قاله اعتذارًا لموسى.

(قال موسى: ذلك)؛ أي: فقدان الحوت، (ما كنا نبغي)؛ أي: نطلب من العلامة الدالة على اجتماعي بالخضر، (فارتدا) رجعا، (على آثارهما)؛ أي: على الطريق الذي سلكاه يقصَّان، (قَصصًا، فوجدا خضرًا) على طِنفسة على وجه الماء أو نائمًا مسجى بثوب، وإنَّما سُمِّيَ خضرًا (١) قيل: لأنَّه كلَّما قعد على شيء اخضرَّ بعد أن كان يابسًا، أو لحُسْنه وإشراق وجهه، أو لأنَّه كلَّما صلَّى في مكان اخضرَّ ما حولَه، وكنيته أبو العبَّاس.

(فكان من شأنهما)؛ أي: من قصة موسى والخضر، (ما)؛ أي: الذي، (قصَّ الله في كتابه) بسورة الكهف ومطابقته للترجمة من حيث إنَّ موسى خرج إلى طلب الخضر، وهو ظاهر؛ فافهم.

(٢٠) [باب فضل من عَلِمَ وعلَّم]

هذا (باب فضل من علِم)؛ بتخفيف اللام المكسورة؛ أي: مَن صار عالمًا، (وعلَّم) غيرَه؛ بفتحها مشدَّدة.

[حديث: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم]

٧٩ - وبه قال: (حدثنا محمد بن العلاء)؛ بالمهملة والمدِّ، المكنى بأبي كُريب؛ بضم الكاف، مصغَّر (كرب) بالموحدة، الهمداني؛ بسكون الميم والدال المهملة، وشهرته بكنيته أكثر من اسمه، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومئتين، (قال: حدثنا حماد بن أُسامة)؛ بضم الهمزة: ابن يزيد الهاشمي القرشي الكوفي، المتوفى سنة إحدى ومئتين عن ثمانين سنة، (عن بُرَيد بن عبد الله)؛ بضم الموحدة، وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، آخره دال مهملة، ابن أبي بُرْدة ابن أبي موسى الأشعري.

(عن أبي بُرْدة)؛ بضمِّ الموحدة وإسكان الراء، ابن أبي موسى الأشعري، (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري، وإنَّما لم يقل: عن أبيه؛ لأجل التفنن في الإسناد، (عنِ النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قال: مَثَل)؛ بفتح الميم والثاء المثلثة؛ أي: الصفة العجيبة، (ما بعثني الله به من الهدى) الرشاد والدلالة يذكَّر ويؤنَّث، وهو لغة: المعرفة، واصطلاحًا: الدلالة الموصلة إلى البُغية، (والعلم)؛ بالجر عطفًا على (الهدى)، وهو صفة توجب تمييزًا لا يَحتمل النقيض، والمراد به هنا الأدلة الشرعيَّة، (كمَثَل)؛ بفتح الميم والمثلثة: خبر للمبتدأ الذي هو لفظ (مَثَل)، (الغيث)؛ المطر، (الكثير أصاب) الغيث، (أرضًا)، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول محلها نصب على الحال بتقدير (قد)، (فكان منها)؛ أي: من الأرض أرض (نَقِيَّة)؛ بفتح النون، وكسر القاف، وبالمثناة التحتية المشددة؛ أي: طيبة، كما في رواية في «مسلم».

(قَبِلت الماء)؛ بفتح القاف وكسر الموحدة، من القبول، ولا خلاف في هذا، خلافًا لمن وهم، (فأنبتت الكَلَأ)؛ بفتح الكاف واللام آخره مهموز مقصور: النبات يابسًا ورطبًا، (والعشب) النبات الرطب، وهو بالنصب عطفًا على المفعول، (الكثير) بالنصب صفة للعشب، وهو من ذكر الخاصِّ بعد العام، (وكانت)، وفي رواية: (وكان) عطف على (فكان)، وقوله: (منها) خبر (كان) مقدَّمًا، وقوله: (أجادب) بالرفع اسم (كان) مؤخرًا، وهو بالدال المهملة جمع جدب؛ بفتح الدال المهملة على غير قياس، وفي رواية (أجاذب)؛ بالذال المعجمة، قال الأصيلي: والصواب: بالمهملة، وفي رواية: (إخاذات)؛ بكسر الهمزة، ومعجمة مخففة، ومعجمة، وفي أخرى: (أحارب)؛ بحاء مهملة وراء مهملة، والمراد بها الأرض التي لا تشرب لصلابتها فلا تُنبت شيئًا.

(أمسكت الماء) جملة محلُّها الرفع صفة (أجادب)، (فنفع الله بها)؛ أي: بالأجادب، وللأصيلي: (به)، (الناس) فيكون الضمير المذكور للماء، (فشربوا) من الماء، (وسَقَوا) دوابَّهم؛ بفتح السين والقاف وسكون الواو، (وزرعوا) ما يصلح للزرع، وعند مسلم والنسائي: (ورعَوا من الرعي).

(وأصاب منها)؛ أي: الغيث، (طائفةً) بالنصب مفعوله، (أخرى) صفة (طائفة)؛ أي: قطعة أخرى من الأرض، وفي رواية: (وأصابت)؛ أي: أصابت طائفة أخرى، كما صرح به النسائي، (إنَّما هي قِيعان)؛ أي: ما هي إلَّا قِيعان؛ بكسر القاف، جمع قاع: وهو الأرض المتسعة، وقيل: اللمساء، وقيل: التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في الحديث، وأصل قِيعان: قوعان، قلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار


(١) في الأصل: (خضر).

<<  <   >  >>