للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(تحيضين فيها) فيوكل ذلك إلى أمانتها، وردها إلى عادتها، فإن كانت عادتها من كلِّ شهر عشرة أيَّام من أوَّلها، أو من وسطها، أو في آخرها؛ فتترك الصَّلاة عشرة أيَّام من هذا الشهر نظير ذلك، وهكذا.

فإن قيل: الاستدراك لا بدَّ أن يكون بين كلامين متغايرين؟

وأجيب: بأنَّ معناه: لا تتركي الصَّلاة في كلَّ الأوقات، لكن اتركيها في مقدار العادة، ولفظة (قدر الأيَّام) تشعر بأنَّها كانت معتادة.

فإن قلت: من أين كانت تحفظ فاطمة عدد أيَّامها التي كانت تحيضها أيَّام الصحَّة؟

قلت: لو لم تحفظ ذلك؛ لم يكن لقوله عليه السلام: «دعي الصَّلاة قدر الأيَّام التي كنت تحيضين فيها» فائدة، وقد جاء في رواية أبي داود وغيره في حديث أم سَلَمَة: «لتنظر عدة الليالي والأيَّام التي كانت تحيض فيها من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها؛ فلتترك (١) الصَّلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك؛ فلتغتسل، ثمَّ تستتر بثوب، ثمَّ لتصلِّي».

وجاء في حديث فاطمة بنت أبي حبيش أيضًا رواه أبو داود والنسائي: فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إذا كان دم الحيضة؛ فإنَّه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي عن الصَّلاة، وإذا كان الآخر؛ فتوضَّئي وصلِّي، فإنَّما ذلك عرق».

فإن قلت: كيف الأمر فيمن لم تحفظ عادة أيَّامها؟

قلت: هذه المسألة مشهورة في الفروع، وهو أنَّها تحسب في كل شهر عشرة حيضها، ويكون الباقي استحاضة، واحتجَّ الراوي لأصحابنا في «شرح مختصر الحافظ الطحاوي» بقوله عليه السلام: «قدر الأيَّام التي تحيضين فيها» على تقدير أقل الحيض وأكثره؛ لأنَّ أقل ما يتناوله اسم الأيَّام ثلاثة أيَّام، وأكثره عشرة؛ لأنَّ ما دون الثلاث لا يسمَّى أيَّامًا، وتقول ثلاثة أيَّام إلى عشرة أيَّام، ثمَّ تقول: أحد عشر يومًا، كذا قرَّره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» رحمه الباري.

(ثم اغتسلي وصلِّي)؛ يعني: أنَّه إذا مضى زمن حيضها؛ وجب عليها أن تغتسل في الحال لأوَّل صلاة تدركها، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاةً ولا صومًا، ويكون حكمها حكم الطاهرات، هذا مذهب إمامنا الأعظم وأصحابه، وتبعه الشافعي، وهو رواية عن مالك، الثانية: تترك الصَّلاة إلى انتهاء خمسة عشر يومًا، وهو أكثر مدَّة الحيض عنده، والثالثة: تترك ثلاثة أيَّام، وما بعدها استحاضة، ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أنَّه عليه السلام وكَّل ذلك إلى أمانتها وعادتها، فقد يقلُّ ذلك ويكثر على قدر عادة النساء.

وفي الحديث جواز استسقاء المرأة بنفسها ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بأمر الدين.

وفيه جواز استماع صوت المرأة عند الحاجة الشرعيَّة.

وفيه نهي المستحاضة عن الصَّلاة في زمن الحيض وهو نهي تحريم، ومقتضاه: فساد الصَّلاة هنا بإجماع المسلمين، ويستوي فيها الفرض، والواجب، والنفل؛ لظاهر الحديث، ويتبعها الطواف، وصلاة الجنازة، وسجدة التلاوة، وسجدة الشكر.

وفيه أنَّ الصَّلاة تجب بمجرَّد انقطاع دم الحيض، وقد سبق ذكر هذا الحديث في باب (غسل الدم).

(٢٥) [باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض]

هذا (باب) بيان (الصُفْرة)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وسكون الفاء (والكُدْرة)؛ بضمِّ الكاف، وسكون الدال المهملة؛ اللتين تراهما المرأة (في غير أيام الحيض) يعني: لا يكون حيضًا، وألوان الدم ستَّة: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية.

أمَّا الحمرة؛ فهي اللون الأصلي للدم إلَاّ عند غلبة السوداء عليه؛ فيضرب إلى السواد، وعند غلبة الصفراء عليه؛ فيضرب إلى الصفرة، ويتبيَّن ذلك لمن افتصد.

وأما الصفرة؛ فهي من ألوان الدم؛ إذا رقَّ، وقيل: هي كصفرة البيض، أو كصفرة القزِّ.

وقال الإمام الجليل قاضيخان: (الصفرة تكون كلون القزِّ، أو لون البسر، أو لون التبن، فالسواد، والحمرة، والصفرة حيض).

وأمَّا الكدرة؛ فقال الإمام الأعظم، والإمام محمَّد بن الحسن: أنها حيض سواء رأت في أيَّام عادتها أو آخرها، وهي لون كلون الصديد يعلوه إصفرار.

وأمَّا الخضرة؛ فاختلف فيها، فقال الشيخ الإمام أبو منصور: إن رأتها في أوَّل الحيض؛ تكون حيضًا، وإن رأتها في آخر الحيض واتصل بها أيَّام الحيض؛ لا تكون حيضًا، وجمهور الأئمَّة الحنفيَّة: على كونها حيضًا كيفما كانت.

وأمَّا التُرْبِيَّة؛ فهي التي تكون على لون التراب، وهي نوع من الكدرة، وهي بضمِّ المثنَّاة الفوقية، وسكون الراء، وكسر الموحَّدة، وتشديد التحتية، ويقال: الترابية، وقال الإمام الجليل قاضيخان: التربية على وزن (التربة)، وقيل فيها: تريئة (٢) على وزن (تفعلة) من الرؤية، وقيل: تربيَّة على وزن (تفعيلة)، وقيل: تريَّة (٣)؛ بالتشديد والتخفيف بغير همزة، كذا قرره إمام الشارحين.

ونقل عن ابن الأثير أن التريَّة؛ بالتشديد: (ما تراه المرأة بعد الحيض والاغتسال منه من كدرة أو صفرة، وقيل: هي البياض الذي تراه عند الطهر، وقيل: هي الخرقة التي تعرف به المرأة حيضها من طهرها، والتاء الفوقية فيه زائدة؛ لأنَّه من الرؤية، والأصل فيه: الهمزة، ولكنَّهم تركوه وشدَّدوا الياء التحتية، فصارت اللَّفظة كأنَّها فعيلة) انتهى.

[حديث: كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئًا]

٣٢٦ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدَّثنا قُتَيبة بن سَعِيْد) بضمِّ القاف، وفتح الفوقية (قال: حدَّثنا إسماعيل) هو ابن أبي عليَّة، بضمِّ العين المهملة، (عن أيُّوب) هو السختياني، (عن محمَّد) هو ابن سيرين، (عن أم عطيَّة) وهي نسيبة، وقيل: نشيبة، وقيل: لسينة، كما تقدَّم قريبًا، ومن لطائف هذا الإسناد أنَّ فيه رواية راوي من رأى أنس بن مالك عن الصحابيَّة، وفيه أنَّه موقوف، كذا قاله ابن عساكر، ولكنَّ قولها: (كنَّا) يعني: في زمن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أي: مع علمه بذلك، وتقديره: إيَّاهن، وهذا في حكم المرفوع، كذا قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(قالت) وهو ساقط في رواية أبي ذرٍّ (كنَّا) أي: نساء الصحابة في زمن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مع علمه بذلك، وتقريره: (لا نعدُّ الكُدْرَة) بضمِّ الكاف، وسكون الدال المهملة، (والصُّفْرة) بضمِّ الصاد المهملة، وسكون الفاء (شيئًا) أي: شيئًا معتدًّا به؛ يعني: أنَّ


(١) في الأصل: (فالتترك)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (تريبة)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (تربة)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>