للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صاحب «التلويح» صادر من غير تأمُّل؛ لأنَّه ليس للأصناف الثمانية دخل في هذا، ولا المال كان من مال الزكاة) انتهى.

قلت: يعني: أنَّ المال كان خراجًا، ولا حاجة للاستدلال للإمام الأعظم بهذا الحديث المحتمل، فإنَّ له أدلَّة كالجبال الراسخات، ذكرت في أبواب (الزكاة)، والله أعلم.

(٤٣) [باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه]

هذا (باب) بيان حكم (من دُعِي) بضمِّ الدال وكسر العين المهملتين، وفي رواية كريمة: (دَعَا) بفتح الدال والعين المهملتين (لطعام) وقوله: (في المسجد) متعلِّق بـ (دُعي) لا (لطعام)، وعُدِّيَ (دُعي) هنا باللام؛ لإرادة الاختصاص، فإذا أريد الانتهاء؛ عدِّيَ بـ (إلى)؛ نحو قوله تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: ٢٥]، أو معنى: الطلب عدِّي بـ (الباء)؛ نحو قوله: دعا هرقل بكتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فتختلف صلة الفعل بحسب اختلاف المعاني المرادة، أفاده إمام الشَّارحين.

قلت: والألف واللام في (المسجد) للجنس، فيشمل كلَّ مسجد، ولا بأس في ذلك، كما يفعل في ديارنا في المواسم من دعاء القاطنين والجالسين في المسجد الشريف الأموي جعله الله معمورًا محفوظًا إلى ما بعد نزول عيسى ابن مريم من منارته الشرقية عليه السَّلام إلى دور أهل الخير والصلاح لأنواع الأطعمة الفاخرة، (ومن أجاب منه) كذا في رواية الأكثرين، وللكشميهني: (إليه)، ولغيره: (فيه)، والفرق بين هذه الروايات أنَّ كلمة (من) في رواية: (منه) للابتداء، والضمير فيه يعود على المسجد، وفي رواية: (إلى) يعود الضمير إلى (الطعام)، وفي رواية: (فيه) يعود الضمير إلى (المسجد)، وقصد المؤلف من هذا التبويب الإشارة إلى أنَّ هذا من الأمور المباحة، وليس من اللغو الذي يمنع في المساجد، والمناسبة بين البابين ظاهرة من حيث إنَّ كلًّا منهما حكم من أحكام المساجد، فإنَّ من باب: (حك البزاق باليد في المسجد) إلى قوله: باب: «سترة الإمام» خمسة وخمسون بابًا؛ كلُّها فيما يتعلق بأحكام المساجد، فلا يحتاج إلى ذكر المناسبة بينها على الخصوص؛ فافهم.

[حديث: وجدت النبي في المسجد معه ناس]

٤٢٢ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي، الدمشقي الأصل، الكلاعي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس، المدني، الأصبحي، (عن إسحاق بن عبد الله) زاد في رواية أبوي ذر والوقت، والأصيلي: (ابن أبي طلحة) كما في «الفرع»، وهو ابن أخي أنس من جهة الأم: (سمع) وللأصيلي: (أنه سمع) (أنسًا) وفي رواية: (أنس بن مالك هو الأنصاري)، (وجدت) يعني: يقول: وجدت؛ أي: أصبت، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، ولابن عساكر: (قال: وجدت) (النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وقوله: (في المسجد)؛ أي: المدني النبوي، فـ (أل) للعهد حال من (النبيِّ) وقوله: (معه ناس) جملة اسمية وقعت حالًا، ولأبي الوقت: (بالواو) (فقمت) من المجلس، (فقال لي) عليه السَّلام: (أأرسلك) بهمزتين، وفي بعض الأصول: (أرسلك) بغير همزة الاستفهام (أبو طلحة؟) هو زيد بن سهل الأنصاري، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد المشاهد كلها، وهو زوج أم أنس المتوفى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين على الأصح، كذا في «عمدة القاري»، وزعم ابن الملقن (أن «آرسلك» -بالمد- وهو علم من أعلام نبوته؛ لأنَّ أبا طلحة أرسله بغتة).

ورده صاحب «المصابيح» : (بأنَّه لا يظهر هذا مع وجود الاستفهام؛ إذ ليس فيه إخبار ألبتة) انتهى.

قلت: بل الذي يظهر أنَّه عليه السَّلام كان عنده عِلم من أبي طلحة، وسؤال أنس استفهام بأنَّه عنده عِلم.

(قلت) وللأصيلي وابن عساكر: (فقلت)؛ بالفاء: (نعم) أي: أرسلني، (فقال) عليه السَّلام، ولأبي ذر: (قال) (لطعامٍ؟)؛ بالتنكير، وفي رواية: (للطعام) (قلت: نعم) أي: لطعام، (فقال) ولأبي ذر والأصيلي: (قال) (لمن حوله) بالنصب على الظرفية؛ أي: لمن كان حوله، وفي رواية: (لمن كان معه) (قوموا) أمر بالقيام من مجلسه للذهاب معه، (فانطلق)؛ أي: إلى بيت أبي طلحة، وفي بعض الأصول: (فانطلقوا)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن معه، (وانطلقت) أي: قال أنس: وانطلقت (بين أيديهم)؛ يعني: معهم.

قال إمام الشَّارحين: (ومطابقته للترجمة كلها ظاهرة، أما الشق الأول؛ فلأنا قد ذكرنا أنَّ «في المسجد» يتعلق بقوله: «دعي» لا بقوله: «لطعام»، فحصل الدعاء إلى الطعام في المسجد، وأما الشق الثاني؛ فهو إجابة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله لمن حوله: «قوموا»، فبهذا التقرير يندفع اعتراض من يقول: إن المطابقة للترجمة في الشق الثاني فقط؛ فافهم) انتهى.

وفي الحديث أحكام منها: جواز الحِجابة، وهو أن يتقدم بعض الخدام بين يدي الإمام ونحوه.

ومنها: جواز الدعاء إلى الطعام وإن لم يكن وليمة.

ومنها: أنَّ الدعاء إلى ذلك من المسجد وغيره سواء؛ لأنَّ ذلك من أعمال البر، وليس ثواب الجلوس في المسجد بأقل من ثواب الإطعام.

ومنها: دعاء السلطان إلى الطعام القليل.

ومنها: أن الرجل الكبير إذا دُعي إلى طعام، وعَلِمَ أن صاحبه لا يكره أن يَجلِبَ معه غيره، وأنَّ الطعام يكفيهم؛ أنه لا بأس بأنَّ يحمل معه من حضره، وإنَّما حملهم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم إلى دار أبي طلحة -وهو قليل-؛ لعلمه أنَّه يكفيهم جميعهم؛ لبركته، وما خصَّه الله به من الكرامة والفضيلة، وهو من علامات النبوة، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وبهذا علم أنَّ تكثير القليل من الكرامات، وأنَّ تقليل الكثير ليس من الكرامات، بل من البدع المنكرات؛ فافهم.

(٤٤) [باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء]

هذا (باب) حكم (القضاء) وهو الحكم على الخصمين (و) حكم (اللِّعان) بكسر اللام (في المسجد)؛ (أل) فيه؛ للجنس، وقوله: (بين الرجال والنساء) حشو؛ لأنَّه لا يكون إلا بينهما، ولهذا لم يثبت في رواية المستملي، وهو أحفظ الرواة، وثبت في رواية غيره؛ لبيان الواقع؛ فافهم.

وعطف اللعان على القضاء من عطف الخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّ القضاء أعم من أن يكون في اللعان وغيره، واللعان مصدر: لاعن، من اللعن؛ وهو الطرد والإبعاد، وسمي به؛ لما فيه من لعن

<<  <   >  >>