للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والاستحباب لا الوجوب بما رواه الحافظ الطحاوي من طريق موسى بن عُقْبَة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجامع، ثم يعود ولا يتوضأ).

وقال أبو عمر: ما أعلم أحدًا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر.

قلت: روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن محارب بن دثار قال: سمعت ابن عمر يقول: (إذا أراد أن يعود؛ توضأ)، وروي عن عمر بن الوليد قال: سمعت ابن محمَّد يقول: (إذا أراد أن يعود؛ توضأ)، وروي أيضًا عن عطاء مثله.

وما نسب ابن حزم الوضوء إلى الحسن وابن سيرين؛ فيرده ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن الحسن: أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يجامع الرجل امرأته، ثم يعود قبل أن يتوضأ.

قال: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأسًا إنَّما قيل ذلك؛ لأنَّه أحرى أن يعود، كذا في «عمدة القاري».

قلت: يحتمل أنَّه رُوِيَ عنهما روايتان.

قلت: هذا الاحتمال بعيد؛ لقول ابن سيرين: لا أعلم بذلك بأسًا، وإنَّما قيل ذلك؛ لأنَّه أحرى أن يعود؛ أي: فهو لأجل نشاط النفس وتطيبها، ويدل لهذا حديث أبي رافع؛ لأنَّ فيه أنَّه (أزكى وأطيب)؛ أي: للنفس، فإنَّه إذا فعل ذلك يكون أقبل للنفس، فهو دليل على أنَّه مستحب لا واجب، كما لا يخفى، ثم قال في «عمدة القاري» : (ونقل عن إسحاق ابن راهويه أنَّه حمل الوضوء المذكور على الوضوء اللغوي؛ حيث نقل عنه ابن المُنْذِر أنَّه قال: لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود.

قلت: يرد هذا ما رواه ابن خزيمة من طريق ابن عيينة، عن عاصم في الحديث المذكور: «فليتوضأ وضوءه للصلاة»، وفي لفظ عنده: «فهو أنشط للعود»، وصحح الحاكم لفظ «وضوءه للصلاة»، ثم قال: هذه لفظة تَفرَّد بها عن شعبة، عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عند الشيخين.

فإن قلت: يعارض هذه الأخبار حديث ابن عباس قال عليه السلام: «إنَّما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصَّلاة»، قاله أبو عَوانة في «صحيحه».

قلت: لا يعارض؛ لأنَّ الحافظ الطحاوي قال: العمل على حديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها.

وقال المقدسي والثقفي: هذا كله مشروع جائز، من شاء؛ أخذ بهذا، ومن شاء؛ أخذ بالآخر) انتهى كلام «عمدة القاري».

قلت: على أنَّ حديث ابن عباس وإن كان صحيحًا يحمل الأمر فيه على الفرضية للصلاة وهو يرد على من يقول بوجوب الوضوء قبل أن يعود؛ فافهم، والله أعلم.

[حديث: يرحم الله أبا عبد الرحمن كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف]

٢٦٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن بَشار)؛ بفتح الموحدة، والشين المعجمة، المعروف ببُندار (قال: حدثنا ابن أبي عدي) : هو محمَّد بن إبراهيم، مات بالبصرة سنة أربع وتسعين ومئة (ويحيى بن سَعِيْد)؛ بكسر العين المهملة، بعدها تحتية: هو القطان؛ كلاهما يروي (عن شعبة) : هو ابن الحجاج، قال في «عمدة القاري» : (وفيه بين قوله: (ويحيى بن سَعِيْد) وبين (شعبة) لفظة (كلاهما) مقدرة؛ لأنَّ كلًّا من ابن أبي عدي ويحيى روى عن شعبة هذا الحديث، وحذفت من الكتابة؛ للاصطلاح ولكن عند القراءة ينبغي أن تثبت) انتهى؛ فافهم، (عن إبراهيم بن محمَّد بن المُنْتَشِر)؛ بضمِّ الميم، وسكون النون، وفتح المثناة الفوقية، وكسر الشين المعجمة، (عن أبيه) : هو محمَّد المذكور بن أبي مسروق الكوفي الوداعي (قال: ذكرته)؛ أي: ذكرت قول ابن عمر (لعائشة) رضي الله عنها، ولفظه في حديثه الآخر الذي يأتي: (سألت عائشة رضي الله عنها)، وذكر لها قول ابن عمر: (ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا)، فقالت عائشة: (أنا طيبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم...)؛ الحديث.

وقد بيَّن مسلم أيضًا في روايته عن محمَّد بن المنكدر قال: (سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب، ثم يصبح محرمًا...)؛ فذكره، وزاد: قال ابن عمر: (لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك)، وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان، عن محمَّد بن بشار، كذا قاله في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني وتبعه ابن حجر أنَّ قوله: (ذكرته) - أي: قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا- وكنى بالضمير عنه؛ لأنَّه معلوم عند أهل هذا الشأن.

ورده إمام الشارحين في «عمدة القاري» قال: قلت: هذا كلام عجيب، فالوقوف على مثل هذا مختص بأهل هذا الشأن، فإذا وقف أحد من غير أهل هذا الشأن على هذا الحديث؛ يتحير، فلا يدري أي شيء يرجع إليه الضمير في قوله: (وذكرته)، وكان ينبغي للبخاري بل كان المتعين عليه أن يقدم رواية أبي النعمان هذا الحديث على رواية محمَّد بن بشار؛ لأنَّ رواية أبي النعمان ظاهرة، والذي يقف على رواية ابن بشار بعد وقوفه على رواية أبي النعمان لا يتوقف في مرجع الضمير، ويعلم أنَّه يرجع إلى قول ابن عمر رضي الله عنهما.

وزعم ابن حجر والكرماني أيضًا (فكأنَّ المصنف اختصره؛ لكون المحذوف معلومًا عند أهل الحديث في هذه القضية).

ورده إمام الشارحين فقال: (قلت: فعلى هذا؛ كان يتعين ذكره بعد ذكر رواية أبي النعمان، كما ذكرنا) انتهى.

وزعم العجلوني فقال: (المراد في هذا على أهل هذا الشأن، فإنَّهم المرجوع إليهم في مثله في كل أوان؛ فليندفع جميع ما أورده وكثيرًا ما يحيل العلماء في كل فن على توقيف أربابه).

قلت: وهذا مردود، فإنَّه ليس كما قال، فإنَّ أهل هذا الشأن يجب عليهم بيان المعاني والضمائر لهذه المتون وأين مرجعها ومعاني اللغة وغير ذلك، ولهذا وضع العلماء الشروح على المتون، ووضعوا عليها حواشي وعلى الحواشي حواشي، وما هذا إلا لأجل فهم المعاني ومرجع الضمائر وغير ذلك، فلو لم يكن ذلك؛ لوقع الناس والطلبة والعلماء أيضًا في الحيرة والخبط والخلط، فكيف يقول هذا القائل: (المراد في هذا على أهل هذا الشأن) وما هذا إلا كلام من ليس له ذوق في علم التعليم؟

وقوله: (فإنهم المرجوع إليهم...) إلخ ليس كذلك؛ لأنَّ علم الحديث ليس هو علم فتوى، ولا علم فرائض، ولا غيره حتى يرجع إلى أهله، وإنَّما المرجوع إليهم أهل الفقه والفرائض؛ لأجل بيان أحكام الله عز وجل، ألا ترى أنَّه لو سئل سائل عن حكم؛ لا يجوز لأحد من الناس أن يستنبط من الحديث هذا الحكم ويجيبه فيه؛ لأنَّ هذا مخصوص بالمجتهد، وهو مفقود في هذه الأزمان، بل الموجود الأحكام التي استنبطها المجتهد الموافقة للصواب.

وقوله: (فليندفع جميع ما أورده) ليس كذلك، بل جميع ما أورده هذا الإمام هو الصواب.

وقوله: (وكثيرًا ما يحيل...) إلخ ليس كذلك، فإنَّ القليل من العلماء لا يحيل أصلًا، بل يبين المعاني بأتم مرام، فكيف الكثير؟ فإنَّهم أحق بالبيان، بل الواجب عليهم ذلك، وإذا سكت عن معنًى ولم يسأل عنه ومات على ذلك؛ فيدخل تحت الوعيد المذكور في الحديث، كما لا يخفى؛ فافهم.

(فقالت) أي: عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما: (يرحم الله أبا عبد الرحمن)؛ تعني: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وترحمت له؛ إشعارًا بأنَّه سهى فيما قاله من عدم محبته أن يصبح ينضخ طيبًا، وقد غفل عن فعل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه لو استحضره؛ لما قال ما قال، ومقول فقالت: (كنت أطيب النبيَّ) الأعظم، وفي أكثر الروايات: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: لأجل الإحرام أو للنساء كما يأتي، وجملة (يرحم الله أبا عبد الرحمن) معترضة، ويحتمل أن تكون مقولة لها أيضًا (فقالت) وتركت العاطف في الثاني؛ لإرادة التعداد أو لتقديره، (فيطوف) أي: فيدور النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (على نسائه) الطاهرات؛ أي: يقضي معهن حاجته من جماعهن جميعًا بغسل واحد، ولهذا قال في «عمدة القاري» : (القرينة دلت على أنَّ المراد هو الجماع، والدليل عليه قوله في حديث أنس الذي يأتي: (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار) انتهى.

ثم قال: ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فيطوف على نسائه»، وقال الإسماعيلي: يحتمل أن يراد به الجماع، ويحتمل أن يراد به تجديد العهد بهن.

قال في «عمدة القاري» : قلت: الاحتمال الثاني بعيد، والمراد به: الجماع،

<<  <   >  >>