للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وركبتاه عليها، ويداه وجبهته على الأرض).

وعن ابن سيرين وابن المسيب وقتادة: أن الصلاة على الطنفسة محدث، وكره الصلاة على غير الأرض عروة بن الزبير، وجابر بن زيد، وابن مسعود، ونهى أبو بكر عن الصلاة على البرادع.

قلت: وكل هذا خلاف ما روي عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من قوله وفعله، وقد سبق في الصحيح من حديث ميمونة قالت: وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي على الخمرة.

وقال أبو نعيم: حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس: (أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم صلى على بساط)، وحدثنا زمعة عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال: (قد صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على بساط) انتهى.

قلت: فهذا دليل على جواز الصلاة على غير الأرض بدون كراهة، وهو شامل لما كان جميع أعضائه على الطنفسة ونحوها، فظهر أن الأفضل الصلاة على الأرض، أو على ما تنبته الأرض؛ كما فعله الشَّارع، وليس بعد النص إلا الرجوع إليه؛ فافهم.

[حديث: أن رسول الله كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله]

٣٨٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ)؛ بضم الموحدة مصغرًا: هو أبو زكريا القرشي المخزومي المصري (قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ)؛ بالمثلثة هو ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري من تابع التابعين، ولهذا كان من أتباع الإمام الأعظم؛ لأنَّه رئيس التابعين رضي الله عنهما، (عَنْ عُقَيْلٍ)؛ بضم العين المهملة وفتح القاف مصغرًا: هو ابن خالد بن عَقيل؛ بفتح العين المهملة، الأيلي القرشي الأموي، (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني تابعي صغير، ونسبه لجده الأعلى؛ لشهرته به (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ)؛ بضم العين المهملة هو ابن الزبير- بضم الزاي- ابن العوام: (أَنَّ عَائِشَةَ) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (أَخْبَرَتْهُ) أي: أخبرت عروة فقالت له: (أَنَّ رَسُولَ الله ِصلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُصَلِّي) أي: في حجرتها، زاد مسلم: (يصلي صلاته كلها من الليل)، وفي لفظ: (وسط السرير)، وفي لفظ: (وأنا حذاؤه وأنا حائض)، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد، وفي لفظ:

(على مرط، وعليه بعضه) (وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)؛ أي: والحال أن عائشة بين النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وبين موضع سجوده (عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ) وفي لفظ: (وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة تكون لي الحاجة، فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالًا من قبل رجليه)، وعند أبي داود عنها: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلي صلاة من الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة، راقدة على الفراش الذي ترقد عليه، حتى إذا أراد أن يوتر؛ أيقظها، فأوترت)، وفي لفظ لمسلم: (حتى إذا أراد أن يسجد؛ ضرب رجلي، فقبضتها)، وفي لفظ: (فإذا أراد أن يوتر؛ قال: تنحي).

وقولها: (اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ) كلام إضافي منصوب بنزع الخافض؛ أي: كاعتراض الجنازة، وهي في الحقيقة صفة لمصدر محذوف؛ تقديره: وهي معترضة بينه وبين القبلة اعتراضًا كاعتراض الجنازة، والمراد: أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلي.

والجنازة: رويت بالفتح والكسر، واختار ثعلب في «فصيحه» : كسر الجيم، وحكاه في «نوادره» عن أبي زيد، وكذا عن الدينوري بالكسر لا غير، وحكى المطرزي عن الأصمعي: أن الجنازة بالكسر والفتح، وهما لغتان بمعنًى واحد، وكذا قاله كراع، وفرق ابن الأعرابي بينهما فقال: الجنازة بكسر الجيم: النعش، وبفتحها: الميت، وفي «الصحاح» : العامة تقول: الجَنازة بالفتح، والمعنى: الميت على السرير، وقال أبو علي المرزوقي: الجِنازة بالكسر: اسم المتوفى في الأصل، وقال الخليل: الجِنازة بالكسر: سرير الميت، وقال أبو جعفر: لا يقال للميت: جنازة حتى يكون على نعش، ولا يقال للنعش: جنازة حتى يكون عليها ميت، وقال في «المحكم» : جنز الشيء يجنزه جنزًا: ستره، وقال ابن دريد: إن اشتقاق الجنازة من ذلك، وحكاه عن قوم، وقال: ولا أدري ما صحته، وقيل: إنه نبطي، انتهى «عمدة القاري»

قلت: ومطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة؛ حيث إنه عليه السَّلام كان يصلي على فراش أهله، والمراد به: زوجاته الطاهرات رضي الله عنهنَّ، وهو شامل للفراش الذي ينامان عليه وعلى ما يبسط لا للنوم، لكن الظاهر الأول؛ لقوله: (وهي بينه وبين القبلة)، ففيه: دليل على جواز صلاة الرجل إلى المرأة، وأنها لا تقطع صلاته.

وفيه: دليل على أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها ولا من مرت بين يديه.

وفيه: دليل جواز الصلاة على الفراش، وكذا كل شيء يبسط إذا كان تستقر عليه الجبهة عند السجود، وفراش النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأهله وأصحابه كان مما (١) تستقر عليه الجبهة؛ لأنَّه كان رقيقًا، وكان حشوه من الليف كما ثبت في «الصحيح» بخلاف فرش زماننا؛ فإنها ثخينة، وحشوها من القطن، فهي لا تجوز الصلاة عليها؛ لعدم استقرار الجبهة عليها، والناس عنه غافلون؛ فليحفظ.

[حديث: أن النبي كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة]

٣٨٤ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهُ بنُ يُوسُفَ) هو التنيسي المنزل، الدمشقي الأصل، وفي (يوسُف) تثليث السين مع الهمز وتركه، ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيثُ) هو ابن سعد المصري الفهمي، (عَن يَزِيدُ) هو ابن أبي حبيب المدني التابعي، (عَن عِراكٍ)؛ بكسر العين وتخفيف الراء المهملتين: هو ابن مالك المدني التابعي، (عَن عُروَةَ)؛ بضم العين المهملة: هو ابن الزُّبير- بضم الزاي- ابن العوَّام -بتشديد الواو- المدني التابعي، ففي إسناده ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: (أَنَّ النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ) أي: على الدوام والاستمرار (يُصَلِّي) أي: صلاته من الليل كما في الروايات السابقة (وَعَائِشَةُ) أي: زوجته، وهي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)؛ أي: والحال أن عائشة معترضة بين النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وبين موضع سجوده، والمراد: أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلي (عَلَى الْفِرَاشِ)؛ بكسر الفاء


(١) في الأصل: (ممن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>