ضعيف، وصرح به الخطابي وغيره، انتهى.
قلت: فهو لا يقاوم ما روي في الصحيح، على أنه يحتمل أن ما في الصحيح ناسخ لهذا الضعيف.
وروى أبو داود عن ابن عمر: أنه كان لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة.
وروى أيضًا في «مراسيله» : (نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يصلي الإنسان إلى نائم أو متحدث).
وفي «الأوسط» للطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (نهيت أن أصلي خلف النائم أو المتحدثين).
وروى أبو نعيم عن عبد الله قال: (لا يصلي وبين يديه قوم يمترون).
وعن سعيد بن جبير: (إذا كانوا يذكرون الله؛ فلا بأس)، وفي رواية: (كره سعيد أن يصلي وبين يديه متحدث).
وضرب عمر بن الخطاب رجلين؛ أحدهما مستقبل الآخر وهو يصلي.
قلت: وما رواه عن ابن عمر؛ فسنده منقطع، وما رواه في «مراسيله»؛ فسنده ضعيف، وما رواه الطبراني؛ فسنده ضعيف واه (١)، وما رواه أبو نعيم؛ فسنده منقطع أيضًا، وقيل: إنه مرسل، وعلى كل؛ فهذه الأحاديث لا يحتج بها؛ لضعفها، وهي لا تقاوم ما روي في الصحيح وما روي عن سعيد بن جبير وغيره، فإن صح؛ فهم رجال ونحن رجال، كما قاله الإمام الأعظم، وما روي عن عمر بن الخطاب؛ فإن صح؛ فهو محمول على أنه رأى منه ما يوجب ذلك؛ لأنَّ الاستقبال منه للآخر لا يوجب الضرب؛ لأنَّه غاية ما فيه أنه مخل بالخشوع، فالصواب: أن كل ما يشغل البال ويخل بالخشوع؛ فهو مكروه كراهة تنزيه؛ فافهم.
السادس: فيه دليل على أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء؛ لأنَّه عليه السَّلام لمس عائشة وهو في صلاته.
وزعم ابن حجر أنه استدل بقولها: (غمزني) على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وتعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية.
قال إمام الشَّارحين: هذا القائل أخذ هذا من الكرماني؛ فإنه قال: (فإن قلت: هل هو دليل على أن لمس النساء لا ينقض الوضوء؟ قلت: لا، لاحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب ونحوه، بل هو الظاهر من حال النائم).
ورده إمام الشَّارحين فقال: هذا الكلام غير موجه، فإن الأصل في الرجل واليد أن يكونا بغير حائل عرفًا، وقوله: (من ثوب...) إلى آخره فيه بُعْد، وقوله: (أو بالخصوصية) غير صحيح؛ لأنَّه عليه السَّلام في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية؛ إذ من المعلوم أن الله عصمه في جميع أفعاله وأقواله، وأيضًا مجرد دعوى الخصوصية بلا دليل باطل، فإذا كان الأمر كذلك قام لنا الدليل من الحديث أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء، والعناد بعد ذلك مكابرة، انتهى.
قلت: وما زعمه الكرماني وتبعه ابن حجر مبني على تعصبهما؛ لأنَّه إنَّما قالا ذلك؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامهما، وقوله: (لاحتمال أن يكون بينهما حائل) ممنوع؛ لأنَّه لم يدل الدليل على وجود الحائل، فإنه عليه السَّلام لم يكن من عادته وضع شيء على يديه لا في الصلاة ولا في غيرها، وإن عائشة رضي الله عنها لم يكن على رجليها شيء من الثياب يدل عليه أنه حين غمزها قبضت رجليها عقيبه، ولهذا قالت: (فقبضت رجلي) فصرحت بالفاء التعقيبية؛ يعني: بلا مهلة، وهذا يدل على أنه غمزها؛ يعني: لمس بشرتها، فإنه لو كان حائل؛ لم تستيقظ في الحال، فاستيقاظها في الحال بلا مهلة دليل على ما قلنا.
وقوله: (بل هو الظاهر...) إلى آخره ممنوع أيضًا، فأي ظاهر هنا؟ وما هذا إلا أوهى من بيت العنكبوت، بل الظاهر من حالها: عدم الثوب؛ لأنَّ الحر حر الحجاز، وهي والنبيُّعليه السلام في حجرتها، فالقرينة دالة على أنه لم يكن عليها ثوب وإن كان حال النائم الذي في البلاد الباردة التغطية، أما من كان في البلاد الحارة كالحجاز؛ فإنه يشاهد فيها سلفًا وخلفًا قديمًا وحديثًا أن النائم لا يستتر بثوب أصلًا، بل ولا يلبس الشخص حال اليقظة والنوم إلا ثوبًا واحدًا كما هو العادة، فمن أين أتى الكرماني بهذا الكلام الذي لا يقوله من شم شيئًا من رائحة العلم، والعجب من ابن حجر كيف حذا حذوه؟! ولا عجب منه؛ فإنه مشهور بالتعصب والمكابرة والمحاولة التي لا يقبلها طبع سليم، وعلى كل حال؛ فلا عبرة بكلامهما.
وقوله: (أو بالخصوصية) ممنوع؛ فإن الخصوصية لا بد لها من دليل، ولم يوجد دليل على إثباتها، فدعواها باطلة غير مقبولة، وهذا تسليم منه بأنه لم يكن حائل، فلهذا قال (أو بالخصوصية)، وهيهات إثبات دليلها، بل هذا عام فيه عليه السَّلام وبجميع أمته ممن على الصواب، ولهذا قال إمامنا الشَّارح: فإذا كان الأمر كذلك؛ قام لنا الدليل من الحديث أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء، والعناد بعد ذلك مكابرة.
قلت: ولنا أدلة أخرى من الكتاب والسنة على ذلك ستأتي في مواضعها، فظهر أن مذهبنا هو الصواب؛ فليحفظ.
السابع: فيه جواز الصلاة على الفراش، والباب معقود لذلك، واختلفوا في الصلاة على الفراش وشبهه، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه والشافعي: أنها تجوز على البساط والطنفسة والفراش إذا كان يجد حجم الأرض عند السجود، وروى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء، ولفظه: (ما أبالي لو صليت على ستِّ طنافس بعضها فوق بعض) قال: (وصلى ابن عباس على مسح وعلى طنفسة قد أطبقت البيت صلاة المغرب)، وكذلك فعله أبو وائل، وعمر بن الخطاب، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقال الحسن: لا بأس بالصلاة على الطنفسة، وصلى قيس بن عباد على لبد دابته، وكذلك مرة الهمداني، وصلى عمر بن عبد العزيز على المسح، وكذلك جابر بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.
قلت: ففعل هؤلاء الصحابة وغيرهم من غير إنكار أحد دليلٌ على جواز الصلاة من غير كراهة.
وزعم أصحاب مالك أن الصلاة على الطنفسة وشبهها مكروهة، وقال مالك: البساط الصوف والشعر وشبهه إذا وضع المصلي جبهته ويديه على الأرض؛ فلا أرىبالقيام عليها بأسًا، فكأنه يريد أنه مكروه.
وذكر ابن أبي شيبة عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم عن الأسود وأصحابه أنَّهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح، وقال ابن ابي شيبة: حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن (أنه كان يصلي على طنفسة وقدماه
(١) في الأصل: (واهي)، والمثبت هو الصواب.