للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال في «عمدة القاري» : (وفيه ما يدل على أن العدد والتكرار في إفاضة الماء ليس بشرط، والشرط وصول الماء إلى جميع البدن) انتهى.

قلت: فإذا حصل التعميم والوصول بمرة؛ فلا يزاد عليها؛ لأنَّ الأمر لا يقتضي التكرار، على أن الإسراف في الماء مكروه، كما قدمنا، فينبغي أن يراعي حالًا وسطًا من غير إسراف ولا تقتير، ويكره ضرب الماء بجسده؛ لأنَّه خلاف السنة، وهي: الإفاضة، فما يفعله بعض المتعصبين في الحمامين حيث يصب على رأسه عشرة أجران ماء، ثم يذهب إلى المغطس وينغمس عشر مرار أو أكثر مكروه قطعًا؛ لأنَّ فيه إتلاف مال الغير وهو حرام، وفيه إيذاء الناس بانتظارهم فراغه، وفيه جلب الغيبة له، وغير ذلك مما لم يأذن به الشرع، وهذا كله بدع خارجة عن فعل الشارع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار؛ فافهم.

(قال أبو عبد الله:) أي: المؤلف: (قال) وفي رواية: (وقال)، وبإسقاط: (قال: أبو عبد الله)، وزيادة واو (يزيد بن هارون) مما هو موصول في «مستخرج أبي نُعيم، وأبي عوانة»، (وبَهْز)؛ بفتح الموحدة، وسكون الهاء، آخره زاي، هو: ابن أسد أبو الأسود بن سعد البصري، المتوفى بمرو في بضع وتسعين ومئة، وطريقه موصول عند الإسماعيلي، (والجُدِّي)؛ بضمِّ الجيم، وتشديد الدال المهملة، نسبة إلى جُدَّة التي في ساحل البحر من ناحية مكة، وهو: عبد الملك بن إبراهيم، ونسب إليها؛ لأنَّ أصله منها، لكنه سكن البصرة، مات سنة خمس ومئتين، وأما طريقه؛ فقال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (فلم أقف عليه) انتهى، وهؤلاء الثلاثة روَوا (عن شعبة)؛ هو: ابن الحجاج، هذا الحديث، فقوله: (عن شعبة) متعلق بهؤلاء الثلاثة، وهذه متابعة ناقصة ذكرها المؤلف تعليقًا، ولفظ الحديث: (قدر صاع)؛ بدل (نحو من صاع)؛ تقديره: فدعت بإناء قدر صاع، ويجوز الوجهان المذكوران في (نحو من صاع) ههنا أيضًا، كذا قاله إمام الشارحين.

قلت: فالجر يجوز أن يكون صفة لـ (إناء) كما مر، ويجوز أن يكون بيانًا لـ (إناء)، والنصب ظاهر، والأولى الصفة لا البيان، كما لا يخفى.

وزعم ابن حجر وتبعه العجلوني أن المراد من الروايتين أن الاغتسال وقع على الصاع من الماء تقريبًا لا تحديدًا، واعترضه صاحب «عمدة القاري» فقال: (هذا القائل ذكر في الباب السابق في حديث مُجَاهِد عن عائشة: أنه حزر الإناء ثمانية أرطال، إن الحزر لا يعارض التحديد، ونقض كلامه هذا بقوله: والمراد من الروايتين... إلى آخره) انتهى.

قلت: فالتناقض في كلامه ظاهر، وما اعترض ابن حجر به وقع فيه، وقدمنا أن المراد بالحزر التقدير، وأن مُجَاهِد لم يشك في الثمانية كما رواه النسائي والحافظ الطحاوي، وعليه أهل اللغة؛ فليحفظ.

[حديث: كان يكفي من هو أوفى منك]

٢٥٢ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد)؛ هو الجعفي المسندي المتقدم (قال: حدثنا يحيى بن آدم)؛ هو الكوفي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، قال الغساني: وقد سقط ذكر (يحيى) في بعض النسخ، وهو خطأ؛ إذ لا يتصل الإسناد إلا به، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا زُهَير)؛ بضمِّ الزاي بالتصغير، هو ابن معاوية الكوفي الجزري، وفي رواية: (أخبرنا زهير)، (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الكوفي السَّبيعي؛ بفتح السين المهملة (قال: حدثنا أبو جعفر)؛ هو محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر، دفن بالبقيع في القبة المشهورة بالعباس: (أنه كان عند جابر بن عبد الله) الصحابي المشهور (هو) أي: محمَّد بن علي (وأبوه)؛ أي: علي بن الحسين زين العابدين (وعنده) أي: جابر (قوم) قال في «عمدة القاري» : (هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: (وعنده قومه)، وكذا وقع في «العمدة») انتهى.

ومثله في «ابن حجر» قال: (وجعل شرَّاحها الضمير يعود على جابر، وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في «مسلم» أصلًا، وذلك وارد على قول صاحب «العمدة» : إنه لا يخرج إلا المتفق عليه) انتهى.

قلت: وقوله: (وفيه ما فيه) ممنوع، فإن قوم جابر هم الأنصار، كما لا يخفى، فعود الضمير إليه صحيح.

وقوله: (وليست هذه...) إلخ هذا لا يقدح فيما روي هنا من هذه الرواية، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ومراده بهذا الرد على المؤلف، وهو غير وارد، بل رده مردود عليه، كما لا يخفى.

وقوله: (وذلك وارد...) إلخ ممنوع فإن مراد صاحب «العمدة» بقوله: (إنه لا يخرِّج...) إلخ أنه ويزيد المختلف فيه، لا أنه يخرج المختلف به فقط، بل يذكر المتفق عليه، والمختلف به؛ فافهم، فهذا لا يرد عليه، كما لا يخفى.

(فسألوه عن الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: عن مقدار ماء الغسل والسائل هو: أبو جعفر كما في «مسند إسحاق بان راهويه»، (فقال) أي: جابر رضي الله عنه: (يكفيك صاع)؛ أي: ملء صاع من الماء.

قال في «عمدة القاري» : (فإن قلت: القوم هم السائلون، فلم أفرد الكاف حيث قال: يكفيك صاع، والظاهر يقتضي أن يقال: يكفي كل واحد منكم صاع؟

قلت: السائل كان شخصًا واحدًا من القوم، وأضيف السؤال إليهم؛ لأنَّه منهم، كما يقال: النبوة في قريش وإن كان النبيُّ عليه السلام واحدًا منهم، أو يراد بالخطاب العموم، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: ١٢]، وكقوله عليه السلام: «بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام»؛ أي: يكفي لكل من يصح الخطاب له صاع) انتهى.

(فقال رجل)؛ المراد به: الحسن بن محمَّد بن علي بن أبي طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية، مات سنة مئة أو نحوها، واسم الحنفية: خولة بنت جعفر، وفي رواية الإسماعيلي: (فقال رجل منهم)؛ أي: من القوم: (ما يكفيني) أي: لا يكفيني ملء صاع من الماء، (فقال جابر) أي: ابن عبد الله: (كان) أي: الصاع، والمراد: الماء الذي فيه (يكفي من هو أوفى منك) أي: أكثر منك (شعَرًا)؛ بفتح العين المهملة، وارتفاعه بالجبرية، و (شَعَرًا) منصوب على التمييز، وأراد به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (وخير منك) روي بالرفع والنصب، أما الرفع؛ فبكونه عطفًا على (أوفى)، وأما النصب؛ فبكونه عطفًا على الموصول؛ أعني قوله: (من)، فإنه منصوب؛ لأنَّه مفعول (يكفي)، وفي رواية الأَصيلي: (أوخيرًا (١))؛ بالنصب، كذا في «عمدة القاري»، وقال الزركشي: بنصب (خير) عطفًا على (شعر)؛ لأنَّ (أوفى) بمعنى أكثر، ورده في «المصابيح» : بأنه إنَّما يتأتى إذا أريد بخير واحد الخيور، لا ما يقصد به التفضيل، والتفضيل فيه مراد لاقترانه بـ (مَن)، فالصواب عطفه على (مَن)، ثم أشكله بأن العطف يقتضي المغايرة مع أن المراد واحد، وأجاب: بأنه كعطف الصفات والموصوف واحد، قال: وجعل (مَن) الثانية مؤكدة للأولى حتى لا يكون (خير) للتفضيل بعده ظاهر، انتهى.

وزعم العجلوني فقال: (دعواه أن المراد واحد فيه نظر؛ لأنَّ الأول أكثر من جهة الشعر، والثاني من جهة الخيرية، وكأنه جعل الخيرية باعتبار الشعر).

قلت: وهذا مردود، فإنه عليه السلام خير من جميع الوجوه والاعتبارات، ومهما وصفته بالخيرية؛ فهو أعظم وأبلغ، والإشكال غير وارد، فالصواب عطفه على (مَن)، كما قدمناه عن «عمدة القاري»، فلله دره ما أفطنه، وأغزر علمه، وأوفر فهمه! رضي الله تعالى عنه.

(ثم أمَّنا) أي: صلى بنا جابر إمامًا (في ثوب)؛ أي: واحد ليس عليه غيره، والضمير المرفوع الذي فيه يرجع إلى جابر، وهو من مقول أبي جعفر، وقال الكرماني: قوله: (ثم أمَّنا)، إما مقول جابر؛ فهو معطوف على قوله: (كان يكفي)، فالإمام رسول الله عليه السلام، وإما مقول أبي جعفر؛ فهو عطف على (فقال جابر)، والإمام جابر رضي الله عنه.

وزعم ابن حجر أن فاعل (أمنا) جابر، كما سيأتي ذلك موضحًا في كتاب (الصَّلاة)، ولا التفات إلى من جعله من مقول جابر، والفاعل رسول الله عليه السلام.

واعترضه إمام الشارحين فقال: (قلت: أراد بهذا الرد على الكرماني فيما ذكرنا عنه، وجزم بقوله: (إن الإمام جابر)، واحتج عليه بما روي مما جاء في كتاب (الصَّلاة)، وهو ما رُوِيَ عن محمَّد بن المنكدر، قال: رأيت جابرًا


(١) في الأصل: (وخيرًا)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».

<<  <   >  >>