للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المصنف بهذه الترجمة وحديثها إلى تضعيف ما رواه أبو داود وغيره من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب».

ورده في «عمدة القاري» فقال: (قلت: هذا بعيد؛ لأنَّ المراد من هذا الجنب: الذي يتهاون بالاغتسال ويتخذه عادة حتى تفوته صلاة أو أكثر، وليس المراد منه: من يؤخره ليفعله أو يكون المراد منه: من لم يرفع حدثه كله أو بعضه؛ لأنَّه إذا توضأ؛ ارتفع بعض الحدث عنه، والحديث المذكور صححه ابن حبان، والحاكم، والذي ضعفه قال في إسناده: «نُجَي الخضرمي»؛ بضمِّ النون، وفتح الجيم، لم يرو عنه غير ابنه عبد الله، فهو مجهول، لكن وثقه العجلي وغيره) انتهى كلامه، وقد تبعه ابن حجر والعجلوني؛ فافهم.

قلت: ويدل لهذا أن المراد بـ (الكلب) غير المأذون في اتخاذه؛ ككلب الصيد والماشية، وأن المراد بـ (الصورة) الكبيرة، أما الصغيرة التي لا تبدو للناظر كالتي على الدراهم والدنانير؛ فإنها معفوٌّ عنها، كما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى.

وفي «عمدة القاري» : (ويستنبط من الحديث: أن الجنب إذا أراد النوم؛ يتوضأ، ثم ينام، ثم هذا الوضوء مستحب أو واجب يأتي الكلام فيه عن قريب) انتهى.

قلت: وفيه رد على من زعم أن الوضوء هنا اللغوي؛ لما سبق من رواية مسلم؛ فليحفظ.

(٢٦) [باب نوم الجنب]

واعلم أنه وقع في رواية كريمة فقط هنا: (باب نوم الجنب)، وهو ساقط لأبوي ذر والوقت، والأَصيلي، والمستملي، وغيرهم من الرواة، قال صاحب «عمدة القاري» : (ولا حاجة إلى هذا؛ لحصول الاستغناء عنه بالباب الذي يأتي عقيبه) انتهى، وتبعه القسطلاني.

وزعم ابن حجر أنه يحتمل أن يكون ترجم على الإطلاق وعلى التقييد، فلا تكون زائدة.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: لا يخرج عن كونه زائدًا؛ لأنَّ المعنى الحاصل فيها واحد وليس فيه زيادة فائدة، فلا حاجة إلى ذكره) انتهى.

واعترضه العجلوني فقال: (قد يقال: الغرض من المطلق التنبيه على جواز نومه وإن لم يتوضأ، وإن أجيب بالتقييد، وأما المقيدة الآتية؛ فلبيان الأفضل وأنه لا كراهة فيه؛ فتأمل).

قلت: تأملته فرأيت أن يناسب هنا، ذلك مبلغهم من العلم؛ فإن التناقض في كلامه ظاهر، فإن قوله: (الغرض...) إلخ لا معنى لهذا الكلام؛ لأنَّ جواز النوم للجنب بغير وضوء يعلم ضرورة من الترجمة الآتية؛ لأنَّ فيها جواز النوم وزيادة على أن حديث ابن عمر يدل صريحًا للترجمة التي سبقت؛ لأنَّ فيه أن رقاد الجنب في البيت يقتضي جواز كينونته فيه إذا توضأ قبل أن يغتسل؛ فهذا الحديث تابع للترجمة التي سبق ذكرها، كما لا يخفى.

وقوله: (وأما المقيدة...) إلخ؛ انظر ما فيه من التناقض؛ فإن الترجمة الآتية صريحة في الدلالة على أن النوم للجنب جائز، وأن الأفضل له أن يتوضأ، وكيف يقال إذا كان لبيان الأفضل وأنه لا كراهة؟! وما هذا إلا خروج عن الظاهر؛ لأنَّه إذا كان وضوءه هو الأفضل ضرورة؛ تنتفي الكراهة؛ لأنَّ الكراهة لا تجتمع مع الفضل، كما لا يخفى.

وحاصله: أن الترجمة الآتية دالة صريحًا على أن النوم للجنب جائز وإن الأفضل أن ينام على وضوء؛ فلا حاجة إلى ذكره، كما لا يخفى، ولا تغتر ممن يزيد في الطنبور نغمة؛ لأنَّ مقصده ترويج كلامه، وإظهار حاله ومرامه؛ فافهم.

[حديث: نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب]

٢٨٧ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا قتيبة)؛ بضمِّ القاف، وفتح الفوقية، هو ابن سَعِيْد؛ بكسر العين المهملة (قال: حدثنا الليث)؛ هو ابن سعد -بسكون العين المهملة- وهو من تلامذة الإمام الأعظم رضي الله عنه، وفي رواية الأَصيلي: (عن الليث)، (عن نافع)؛ هو مولى عبد الله بن عمر، (عن ابن عمر) رضي الله عنه: (أن) أباه (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، قال في «عمدة القاري» : وهذا الإسناد تقدم في باب «ذكر العلم والفتيا في المسجد» فالإسنادان سواء غير أن هناك نسب الرواة وهنا اكتفي بأسمائهم، وأن الذي هناك يوضح الذي هنا ومع هذا لكل واحد منهما متن خلاف متن الآخر حيث قال: (عن عبد الله بن عمر: أن رجلًا قام في المسجد...)؛ الحديث.

فإن قلت: هذا الحديث يعد من مسند عمر بن الخطاب أو من مسند ابنه عبد الله؟

قلت: ظاهره أن ابن عمر حضر سؤال أبيه عمر، فيكون الحديث من مسنده وهو المشهور من رواية نافع، وروي عن أيُّوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر أنه قال: (يا رسول الله) أخرجه النسائي، وعلى هذا؛ فهو من مسند عمر، وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما، وهذا لا يقدح في صحة الحديث) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

قلت: وأشار بقوله: (وهذا) إلى الاختلاف وأنه غير قادح؛ فافهم، وذكر نحوه ابن حجر.

واعترضه العجلوني: (بأن رواية مسلم والنسائي ليستا صريحتين في عدم حضور ابن عمر، بل يجوز حضوره، وحينئذٍ؛ فهو من مسنده كأبيه) انتهى.

قلت: وهو ممنوع؛ فإن الروايتين صريحتان في عدم حضوره السؤال؛ لأنَّه لو كان حاضرًا؛ لكان حقه أن يقال: عن ابن عمر أن عمر... ؛ الحديث، أما الصيغة الأولى؛ فصريحة في عدم حضوره، كما لا يخفى.

وقوله: (بل يجوز...) إلخ ممنوع أيضًا؛ لأنَّه لا دليل يدل على حضوره، وحينئذٍ؛ فهو من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خلافًا لما زعمه هذا القائل، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في معاني التركيب.

(سأل) أي: عمر رضي الله عنه (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) فقال له: (أيرقد أحدنا) الهمزة فيه للاستفهام عن حكم الرقاد لا عن تعيين الوقوع؛ والمعنى: أيجوز الرقود لأحدنا (وهو جنب؟) جملة اسمية وقعت حالًا، (قال) أي: النبيُّالأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (نعم) أي: يجوز له النوم؛ (إذا توضأ أحدكم)؛ أي: وضوءه للصلاة، فالمراد به: الوضوء الشرعي؛ (فليرقد) فـ (إذا) متعلقة بـ (يرقد)؛ لأنَّهاظرف محض له، وكذا إذا كانت متضمنة للشرط على المشهور؛ والمعنى: إذا أراد أحدكم الرقاد؛ فليرقد بعد التوضؤ، وإذا كانت شرطية؛ فالمسبب الرقاد أو الأمر به؛ لأنَّ العامل فيها جوابها، وذهب ابن هشام وجماعة إلى أن العامل فيها شرطها؛ لعدم إضافتها عندهم إليه مجازًا؛ لأنَّ الوضوء سبب لهما والأمر بالرقاد للإباحة؛ لأنَّ الإجماع قائم على عدم وجوبه وندبه؛ فتأمل، وذكر نحوه الكرماني.

واعترضه صاحب «عمدة القاري»، ثم قال: ذهب الإمام أبو يوسف، والثوري، والحسن بن حي، وابن المسيب إلى أنه لا بأس للجنب أن ينام من غير أن يتوضأ، واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).

وروى ابن ماجه أيضًا عن الأسود عن عائشة قالت: (إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إن كانت له إلى أهله حاجة؛ قضاها، ثم ينام كهيئته لا يمس ماء)، وأخرجه أحمد كذلك، وأخرجه الحافظ الطحاوي من سبعة طرق؛ منها: ما رواه عن أبي داود، عن مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا رجع من المسجد صلى ما شاء، ثم مال إلى فراشه وإلى أهله، فإن كانت له حاجة؛ قضاها، ثم ينام كهيئته ولا يمس طيبًا)، وأرادت بالطيب: الماء، كما وقع في الروايات الأخرى، ولا يمس ماء وذلك؛ لأنَّ الماء يطلق عليه الطيب، كما ورد في الحديث؛ فإن الماء طيب؛ لأنَّه يطيب ويطهر، وأي طيب أقوى في التطهير من الماء؟

وذهب الإمام الأعظم، والإمام محمَّد، والليث بن سعد، ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وابن المبارك، وأحمد، والشافعي، وآخرون: إلى أنه ينبغي للجنب أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام، ولكنهم اختلفوا في صفة هذا الوضوء وحكمه؛ فذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على الندب والاستحباب لا على الوجوب، فقال الإمام الأعظم، والثوري: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحبُّ إلينا أن يتوضأ؛ فإذا أراد أن يأكل؛ تمضمض وغسل يديه، وهو قول الحسن بن حي.

وقال الأوزاعي: الحائض والجنب إذا أرادا أن يطعما؛

<<  <   >  >>