للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال في «خلاصة الفتاوى» : (أمَّا صلاة الفرض على الدابة بالعذر؛ فجائزة، ومن الأعذار المطر، إذا كان في السفر، فأمطرت السماء، فلم يجد مكانًا يابسًا ينزل للصلاة؛ فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة، ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه؛ يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يغيب وجهه فيه، فإن لم يكن بهذه المثابة لكن الأرض ندية؛ صلى هنالك)، ثم قال: (وهذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها، أمَّا إذا سيرها صاحبها؛ فلا يجوز صلاته مطلقًا فرضًا أو نفلًا، ومن الأعذار كون الدابة جموحًا لو نزل؛ لا يمكنه الركوب، ومنها اللص والمرض، وكونه شيخًا كبيرًا لا يجد من يركبه، ومنها الخوف من سَبُع) انتهى.

وصرح صاحب «المحيط» : (بأنَّ الصلاة على الدابة في هذه الأعذار جائزة، ولا يلزمه الإعادة بعد زوال العذر، وهذا كله إذا كان خارج المصر) انتهى.

قلت: أمَّا عدم لزوم الإعادة؛ للقاعدة الأصولية: (أن الساقط لا يعود)، فمتى صحت صلاته بوجه؛ لا يجب عليه إعادتها، وأمَّا كونه خارج المصر؛ لأنَّه لو كان في المصر؛ لا تصح صلاته هذه؛ لأنَّ المصر ليس فيه شيء من هذه الأعذار؛ كما لا يخفى، ومثل صلاة الفرض صلاة الوتر الواجب، والمنذور، والعيدين، وما شرع فيه نفلًا فأفسده، وصلاة الجنازة، وسجدة التلاوة التي تلاها على الأرض، كما صرح به في «إمداد الفتاح»، وفيه: (والصلاة في المحمل، وهو على الدابة كالصلاة على الدابة، سواء كانت سائرة أو واقفة، ولو أوقفها وجعل تحت المحمل خشبة ونحوها حتى بقي قرار المحمل على الأرض؛ كان المحمل بمنزلة الأرض، فتصح الفريضة فيه قائمًا) انتهى.

وأمَّا التنفل على الدابة؛ فلا يجوز إلا إذا كان خارج المصر، وهو المكان الذي يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة، وقيل: قدر فرسخين، وقيل: قدر ميل، والأول هو الأصح، وهذا قول الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن الزبير، وأبي ذر، وأنس، وابن عمر، وبه قال طاووس، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، ومالك، والليث، فلا يشترط أن يكون السفر طويلًا، بل لكل من كان خارج المصر؛ فله الصلاة على الدابة، واشترط مالك مسافة القصر، وهو إحدى قولي الشافعي.

وقال ابن بطال: (واستحب ابن حنبل وأبو ثور: أن يفتتحها متوجهًا إلى القبلة، ثم لا يبالي حيث توجهت، وزعمت الشافعية أن المنفرد في الركوب على الدابة إذا كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة على الأصح، وقيل: لا يلزمه كما لا يلزمه في القطار والدابة الضعيفة) انتهى.

قلت: وظاهر حديث الباب بل صريحه يرد هذا؛ لأنَّه عليه السَّلام كان يصلي على راحلته حيث توجهت، ولأن في التزامه النزول والتوجه انقطاعًا عن النافلة أو القافلة، فيكون حرجًا، فالحديث حجة على من اشترط التوجه واستحبه؛ فليحفظ.

وأمَّا التنفل في المصر على الدابة؛ فمنعه الإمام الأعظم، والإمام محمد بن الحسن، والإصطخري من الشافعية، وجوزه الإمام قاضي القضاة أبو يوسف، وهو رواية عن الإمام محمد بن الحسن.

دليل المنع: أنَّ هذه الأحاديث الدالة على جواز التنفل على الدابة وردت في السفر؛ ففي رواية جابر بن عبد الله: كانت في غزوة أنمار، وهي غزوة ذات الرقاع، وفي رواية: (أرسلني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو منطلق إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره)، وفي رواية ابن عمر: (بطريق مكة)، وفي رواية: (متوجه إلى المدينة)، وفي رواية: (متوجه إلى خيبر).

والحاصل: أنها كانت مرات كلها في السفر.

ودليل الجواز: ما رواه أبو يوسف قال: حدثني فلان -وسماه- عن سالم عن ابن عمر: (أنه عليه السَّلام ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة، وكان يصلي وهو راكب).

وقال ابن بطال: (وروى أنس بن مالك: أنه عليه السَّلام صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماءً) انتهى.

قلت: وأجاب المانع عن الأول: بأنَّه شاذ، وهو فيما يعم به البلوى لا يكون حجة، وعن الثاني: بأن المراد من أزقة المدينة: الأزقة الخارجة عن المدينة؛ يعني: في أزقة البساتين في المدينة، والله تعالى أعلم.

[حديث: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به]

٤٠١ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عثمان) : هو ابن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة بن عثمان بن خواستى العبسي الكوفي (قال: حدثنا جرير) : هو ابن عبد الحميد بن قرط العبسي الكوفي، (عن منصور) : هو ابن المعتمر بن عبد الله الكوفي، (عن إبراهيم) : هو ابن يزيد النخعي الكوفي، (عن علقمة) : هو ابن قيس النخعي الكوفي (قال: قال عبد الله) : هو ابن مسعود، أحد العبادلة الأربعة، وكان قصيرًا نحيفًا، وكان الريح يأخذه حين يمشي، فتنظر إليه الصحابة بحضرة الرسول عليه السَّلام، فحين يراهم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يقول: «لساق عبد الله في الميزان أثقل من أُحُد» رضي الله عنه، وفي رواية أبي ذر: (عن عبد الله قال:) (صلى النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) : هذه الصلاة، قيل: العصر، وقيل: الظهر؛ يدل للأول: ما رواه الطبراني، من حديث طلحة بن مصرف، عن إبراهيم به: أنها العصر، فنقص في الرابعة، ولم يجلس حتى صلى الخامسة، ويدل للثاني: ما رواه من حديث شعبة عن حماد عن إبراهيم: أنها الظهر، وأنَّه صلاها خمسًا؛ كذا في «عمدة القاري».

(قال إبراهيم) هو النخعي المذكور: (لا أدري زاد)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاته، ولابن عساكر: (أزاد)؛ بهمزة الاستفهام (أو نقص) فيها؟ وهذا مدرج، وفي رواية أبي داود: (فلا أدري)؛ أي: فلا أعلم هل زاد النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاته أو نقص فيها؟، والمقصود: أنَّ إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور، وهل كان لأجل الزيادة أو النقصان؟ وهو مشتق من النقص المتعدي لا من النقصان اللازم، والصحيح كما قال الحميدي: أنه (زاد)، قاله إمام الشَّارحين.

(فلمَّا سلَّم)؛ بتشديد اللام؛ أي: من صلاته ساهيًا؛ (قيل) لم يعلم اسم القائل (له: يا رسول الله؛ أَحَدَث)؛ الهمزة فيه للاستفهام؛ ومعناه: السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة بالزيادة على ما كانت معهودة أو بالنقصان عنه، قاله الشَّارح.

قلت: وحاء (أَحَدَث)

<<  <   >  >>