للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يكفيك) أي: للطهارة من الجنابة (هكذا) وفي رواية الكشميهني: (هذا)، (ومسح وجهه وكفيه واحدة)؛ يعني: ضربة واحدة، وهذا التقدير هو المناسب لغرض المؤلف؛ لأنَّه ترجم الباب بقوله: (باب التيمم ضربة)، ويحتمل أن يقدر مسحة واحدة، وهو الظاهر من اللفظ، قاله إمام الشارحين.

فإن قلت: لم يذكر في هذه الرواية: أنه عليه السلام ضرب مرة أو مرتين، وزعم الكرماني أن التيمم وقع بالضربتين.

ورده إمام الشارحين: بأنه لا يدل شيء من الحديث على ذلك، انتهى.

قلت: وهو كذلك، كما لا يخفى، ثم استكشل الكرماني، فزعم أنه إذا حمل على الضربة الواحدة، واستعمل في الوجه، فكيف مسح به الكفين؟

وأجاب: بأن السؤال ساقط على مذهب من يقول: التراب لا يصير مستعملًا، وأما على مذهبنا؛ فوجهه أن يمسح الوجه بكف واحدة، ثم ينفض بعض الغبار في الكف الغير المستعملة إلى الأخرى، أو يدلك إحداهما بالأخرى، ثم يمسح اليدين بهما، انتهى.

ورده إمام الشارحين فقال: (قلت: هذا الذي ذكره وجعله مذهبًا لا يفهم من هذا الحديث) انتهى.

قلت: وهو كذلك فمن أين أخذه هذا القائل على أن قوله هذا متناقض، كما لا يخفى.

قال في «البدائع» : (قال الإمام أبو يوسف: سألت الإمام الأعظم رضي الله عنهما عن كيفية التيمم؟ فقال: التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فقلت: كيف هو؟ فضرب بيديه على الصعيد، فأقبل بهما وأدبر، ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه، ثم أعاد كفيه على الصعيد ثانيًا، فأقبل بهما وأدبر، ثم نفضهما، ثم مسح بهما ظاهر الذراعين وباطنهما إلى المرفقين)، ثم قال صاحب «البدائع» : (وقال بعض علمائنا: وينبغي أن يمسح بباطن أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفق، ثم يمسح بكفه اليسرى دون الأصابع باطن يده اليمنى من المرفق إلى الرسغ، ثم يمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى، ثم يفعل باليد اليسرى كذلك)، قال: (وهذا أقرب إلى الاحتياط؛ لما فيه من الاحتراز عن استعمال الصعيد المستعمل بالقدر الممكن) انتهى.

قلت: وتعبيره (ينبغي) يقتضي استحباب هذه الكيفية، وقد اختارها صاحب «المحرر» من الشافعية، وجزم في «الروضة» باستحبابها، وذكر في «الكفاية» عكسها، ونقله عن «الأم»، قال القسطلاني: (ولم تثبت هذه الكيفية في السنة) انتهى.

قلت: فعلينا اتِّباع ما ورد في السنة، فالكيفية التي نقلها صاحب «البدائع» عن الإمام الأعظم أولى؛ لأنَّها قد وردت في السنة، لا سيما وقد نقلت عن الإمام الأعظم صاحب المذهب المعظم الذي إلى غير مذهبه لا يذهب، ومن تحت نظره لا يهرب.

قال الكرماني: اعلم: أن هذه الكيفية المذكورة في حديث هذا الباب مشكلة من جهات:

أولًا: من الاكتفاء بضربة واحدة، وقد ثبت في الطرق الأُخرى أنه ضربتان، وقال النووي: (الأصح المنصوص ضربتان).

وثانيًا: من جهة الاكتفاء بمسح ظهر كف واحدة، وبالاتفاق: مسح كلا ظهري الكفِّ واجب، ولم يجوز أحد الاجتزاء بأحدهما.

وثالثًا: من حيث إن الكف إذا استعمل ترابه في ظهر الشمال كيف مسح به الوجه، وهو صار مستعملًا؟

ورابعًا (١) : من جهة أنه لم يمسح الذراعين.

وخامسًا: من عدم مراعاة الترتيب، وتقديم الكف على الوجه.

وأجاب عن الأول: بالمنع؛ بأنا لا نسلم أن هذا التيمم كان بضربة واحدة، وأجاب عن الثاني: بأنه لا بد من تقدير: ثم ضرب ضربة أخرى، ومسح بها، وأجاب عن الثالث: بما لا طائل، وأجاب عن الرابع: بمنع إيجاب مسح الذراعين، ولهذا قالوا مسح الكفين أصح في الرواية، ومسح الذراعين أشبه بالأصول، وأجاب عن الخامس: بمنع إيجاب الترتيب، كما هو مذهب الأئمَّة الحنفية.

وقد ردَّ هذه الأجوبة إمام الشارحين حيث قال: قوله في جواب الأول: (بالمنع) : قلت: منعه ممنوع؛ لأنَّه كان بضربة واحدة؛ لأنَّه صرح فيه بأن الضربة الواحدة كافية، فيحمل هذا على الجواز، وما ورد من الزيادة عليها على الكمال.

وقوله: (وقال النووي...) إلى آخره، هذا ممنوع؛ لأنَّه اعتراض على الحديث بالمذهب، وهو غير صحيح.

وقوله في جواب الثاني: (لا بد من تقدير...) إلى آخره: قلت: لا يحتاج إلى هذا التقدير؛ لأنَّ أصل الفرض يقوم بضربة واحدة، كما في الوضوء على أن مذهب جمهور العلماء الاكتفاء بضربة واحدة، كذا ذكره ابن المُنْذِر، واختاره هو أيضًا، والبخاري أيضًا، فلذلك بوب عليه.

وجوابه عن الثالث: قلت: والجواب السديد أن التراب لا يأخذ حكم الاستعمال، وهذا الحكم في الماء دون التراب.

وقوله في جواب الرابع وتأكيده بقوله: (ولهذا...) إلى آخره، قلت: فعلى هذا الإشكال؛ الرابع غير وارد من الأول.

وقوله في جواب الخامس: قلت: هذه استعانة برأي من هو يخالف رأيه) انتهى.

قلت: فكلام الكرماني في غاية التعسف؛ لأنَّ هذه الأسئلة والأجوبة غير واردة؛ فافهم.

(٩) [باب...]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين من غير ترجمة كذا في رواية الأكثرين، فهو بمنزلة الفعل بينه وبين ما قبله؛ وهو غير معرب؛ لأنَّ الإعراب يكون بعد العقد والتركيب، وفي رواية الأصيلي لفظة (باب) ساقطة، وعليها يكون الحديث الذي فيه داخلًا في الترجمة السابقة، لكن مطابقة الحديث لها بعيدة، والأظهر ما عليه الأكثر، كما سيأتي.

[حديث: عليك بالصعيد فإنه يكفيك]

٣٤٨ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا عَبْدَان)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الموحدة: هو عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) : هو ابن المبارك (قال: أخبرنا عوف) : هو الأعرابي، (عن أبي رجاء) : هو عمران بن ملحان العطاردي (قال: حدثنا


(١) في الأصل: (وأربعًا).

<<  <   >  >>