للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أعرب جماعة؛ منهم: البيضاوي قوله تعالى: {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة: ١٣]؛ بالنصب على المصدر، و (ما) كافة، أو مصدرية، ويدل عليه ما ذكرناه عن السيد؛ فتأمل.

و (تُمرُّغُ)؛ بتشديد الراء (١)، وضم المثناة الفوقية قبلها، ورفع الغين المعجمة، وأصله تتمرغ؛ بالتاءين، فحذفت إحداهما للتخفيف، كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: ١٤]، والدابة اسم لكل ما يدب على الأرض، والمراد بها: الخيل والحمير؛ لأنَّ التمرغ يكون منهما، (فذكرت ذلك للنبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) والإشارة إلى ما فعله من التمرغ؛ لأجل رفع الحدث الأكبر عنه حتى يصلي فيه، (فقال) عليه [الصَّلاة] والسَّلام له: (إنما كان يكفيك) عوضًا عما فعلته (أن تصنع)؛ بالخطاب؛ أي: بالصعيد (هكذا)؛ يعني: أشار بيديه، (وضرب)؛ بالواو، وفي رواية: (فضرب) (بكفه)؛ بالإفراد، وللأصيلي: (بكفيه)؛ بالتثنية (ضربة)؛ أي: واحدة (على أرض) وقدمنا في الأحاديث عن عدة صحابة يرفعونه إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: أن التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وأن أحاديث عمار لا تصلح حجة؛ لاضطرابها واختلافها، فالضربتان هو الأصح من الأحاديث، كما لا يخفى.

(ثم نفضها)؛ أي: يده، وفي الروايات السابقة: (فنفخ فيهما)، وفي بعضها: (فتفل)، وهذا يدل على أنه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يبق (٢) عليها من الغبار شيئًا؛ لأنَّ النفض، والنفخ، والتفل تزيل أثر الغبار بالكلية، وإنما كان يفعل هذا؛ لأجل عدم تلويث الوجه بالغبار؛ لأنَّه يصير به الآدمي مثلة، وهو منهي عنه، وقد قال عز وجل: {لَقَدْ (٣) خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]، ومن حسن تقويمه ألَّا يلوث وجهه ويديه؛ فافهم.

(ثم مسح بها)؛ أي: بيده الذي ضرب بها الأرض (ظهر كفه)؛ أي: اليمنى (بشماله) وفي رواية: (ثم مسح بهما)؛ أي: بيديه، (أو) مسح (ظهر شماله بكفه)؛ أي: اليمنى، كذا هو بالشك في جميع الروايات إلا في رواية أبي داود، فإنه رواه أيضًا من طريق أبي معاوية كما رواه البخاري، ولفظه قال: («إنما يكفيك أن تصنع هكذا»؛ فضرب بيديه على الأرض فنفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه) انتهى.

قال إمام الشارحين: وهذا يحرر رواية غيره؛ لأنَّ الحديث واحد، واختلاف الألفاظ باختلاف الرواة، وفيه دليل صريح على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين جميعًا، ولكن العامة أجابوا عن هذا الضرب المذكور بأنه كان للتعليم، وليس المراد به: بيان جميع ما يحصل به التيمم؛ لأنَّ الله تعالى أوجب غسل اليدين إلى المرفقين في الوضوء في أول الآية، ثم قال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: ٤٣]، والظاهر: أن اليد المطلقة هنا هي المقيدة في الوضوء؛ فافهم.

قلت: وعلى هذا؛ فالفرض في التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها، فإنَّها صريحة في ذلك، كما لا يخفى.

(قال) وفي رواية: (فقال) (عبد الله) : هو ابن مسعود لأبي موسى: (ألم تر)؛ أي: تبصر، أو تعلم (عمر) : هو ابن الخطاب، وفي رواية الأصيلي وكريمة كما في «عمدة القاري» : (أفلم تر عمر) (لم يقنع)؛ أي: لم يأخذ (بقول عمار) : هو ابن ياسر، ووجه عدم قناعته بقول عمار كما قاله إمام الشارحين: هو أنه كان معه في تلك القصة ولم يتذكر عمر ذلك، ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم عن عبد الرحمن بن أبزى: (اتق الله يا عمار)؛ أي: فيما ترويه، وتثبَّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك، ولا أتذكر شيئًا من هذا، ومعنى قول عمار: أني رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث، ووافقتك، وأمسكت، فإني قد بلغته، ولم يبق عليَّ حرج، فقال له عمر: (نوليك ما توليت)؛ أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره ألَّا يكون حقًّا في نفس الأمر، فليس لي في منعك من التحديث به) انتهى.

(زاد) من الزيادة (يَعْلَى) بفتح المثناة التحتية أوله، وسكون العين المهملة، وفتح اللام: هو ابن عبيد بن يوسف الطنافسي الحنفي الكوفي، المتوفَّى سنة تسع ومئتين، وزعم الكرماني أن هذا إما داخل تحت إسناد محمَّد بن سلام، وإما تعليق من البخاري مع احتمال سماع البخاري منه؛ لأنَّه أدرك عصره.

ورده إمام الشارحين حيث قال: (قلت: هذا تعليق من البخاري، وقد وصله أحمد ابن حنبل في «مسنده»، ووصله أيضًا الإسماعيلي عن ابن زيدان: حدثنا أحمد بن حَازم: حدثنا يعلى: حدثنا الأعمش؛ فذكره) انتهى.

قلت: فاحتمال ما زعمه الكرماني باطل، كما لا يخفى؛ فافهم.

(عن الأعمش) : هو سليمان بن مهران، (عن شقيق) : هو أبو وائل بن سَلَمَة (قال: كنت مع عبد الله) : هو ابن مسعود (وأبي موسى) : هو عبد الله بن قَيْس الأشعري رضي الله عنهما، يحتمل أنه كان معهما في بستان من بساتين المدينة، ويحتمل أنه كان معهما في المسجد النبوي، ويحتمل أنه كان معهما في الطريق يتحدثان وهو يسمع كلامهما، (فقال أبو موسى) أي: الأشعري لعبد الله بن مسعود: (أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء، أيتيمم ويصلي؟) قال عبد الله: (لا يتيمم ولا يصلي حتى يجد الماء)، فقال أبو موسى لعبد الله بن مسعود: (ألم تسمع قول عمار) : هو ابن ياسر (لعمر؟) : هو ابن الخطاب رضي الله عنهما (إنَّ رسول الله)، وللأصيلي: (إن النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم بعثني)؛ يعني: أرسلني في حاجة، أو في سرية فذهبت (أنا وأنت) قيل: كان القياس أن يقول: بعثني إياي وإياك؛ لأنَّ (إيا) ضمير مرفوع، فكيف وقع تأكيدًا للضمير المنصوب، والمعطوف في حكم المعطوف عليه؟

وأجيب: بأن الضمائر يقام بعضها مقام بعض، وتجري بينهما المناوبة، وهنا كذلك، كذا في «عمدة القاري».

(فأجنبت)؛ أي: صرت جنبًا، وحضرت الصَّلاة، ولم أجد ماء للطهارة، (فتمعكت) أي: تقلبت (بالصعيد)؛ أي: على وجه الأرض كما تتمعك الدابة، (فأتينا رسول الله) وللأصيلي: (النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) بعدما قضينا ما بعثنا إليه، (فأخبرناه)؛ يعني: عن البعث، وعن عدم وجود الماء وهو جنب، وأنه تمعك، (فقال) عليه السلام له: (إنما كان


(١) في الأصل: (الميم)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (لم يبقي)، والمثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (ولقد)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>