للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رضي الله عنهم، والأقرب: أنه سمعه من العباس رضي الله عنه؛ لأنَّه حدث به عنه أيضًا، وسياقه أتم، وقد اتفقوا على الاحتجاج بمرسل الصحابي إلا ما شذ؛ كأبي إسحاق الإسفرايني، لكن في السياق ما يدل على أخذ ذلك من العباس، فلا يكون مرسلًا لا سيما وهو الأقرب)، كما قاله إمامنا الشَّارح رحمه الله تعالى.

وفي «عمدة القاري» : وفي الحديث: أنه لا يجوز التعرِّي للمرء بحيث تبدو عورته لعين الناظر إليها، والمشي عريانًا بحيث لا يأمن أعين الآدميين إلا ما رخص فيه من رؤية الحلائل لأزواجهن عراة، قالوا: وقد دل حديث العباس المذكور: أنه لا يجوز التعرِّي في الخلوة ولا لأعين الناس، وقيل: إنَّما مخرج القول منه للحال التي كان عليها؛ فحيث كانت قريش رجالها ونساؤها تنقل معه الحجارة، فقال: «نهيت أن أمشي عريانًا»، وفي مثل هذه الحالة لو كان ذلك نهيًا عن التعرِّي في كل مكان؛ لكان قد نهاه عنه في غسل الجنابة في الموضع الذي قد أمن أن يراه فيه أحد، ولكنه نهاه عن التعري بحيث يراه فيه أحد، والقعود بحيث يراه من لا يحل له أن يرى عورته في معنى المشي عريانًا، ولذلك نهى الشَّارع عن دخول الحمام بغير إزار.

فإن قلت: روى القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا: «لو أستطيع أن أواري عورتي من شعاري؛ لواريتها»، وقال علي رضي الله تعالى عنه: (إذا كشف الرجل عورته؛ أعرض عنه الملَك)، وقال أبو موسى الأشعري: (إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي؛ حياءً من ربي).

قلت: كل ذلك محمول على الاستحباب والندب لاستعمال الستر لا على الحرمة؛ لعدم ما يدل عليها، وفي «التوضيح» : (إذا أوجبنا الستر في الخلوة؛ فهل يجوز أن ينزل في ماء النهر والعين بغير مئزر؟ وجهان؛ أحدهما: لا؛ للنهي عنه، والثاني: نعم؛ لأنَّ الماء يقوم مقام المئزر في ستر العورة) انتهى كلام إمام الشَّارحين.

قلت: والمعتمد: القول الثاني؛ لأنَّ المقصود ستر العورة، وهو بأي شيء حصل؛ كفى، فالماء الذي في مغاطس الحمامين يقوم مقام المئزر، فإذا دخله بغير مئزر كما هو العادة في ديارنا الشامية، وكذا المصرية؛ لا يحرم؛ لأنَّه لم تر عورته، ويعد ساترًا لها حكمًا، والله أعلم.

(٩) [باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء]

هذا (باب) : حكم (الصلاة) : فرضها وواجبها ونفلها (في القميص) : وهو معروف، وجمعه قمصان، وأقمصة، وقمَّصه تقميصًا وتقمصة؛ أي: لبسه (والسراويل) : وهو أعجمي معرب نقله سيبويه عن يونس، وزعم ابن سيده أنه فارسي معرب، وهو يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث، والجمع سراويلات، وقال سيبويه: (لا يكسر؛ لأنَّه لو كسر؛ لم يرجع إلا إلى لفظ الواحد، فترك، أو يقال: هو جمع سروالة)، وقال أبو حاتم: (السراويل: مؤنث، لا يذكرها أحد (١) علمناه، وبعض العرب تظن السراويل جماعة، وسمعت من الأعراب من يقول: الشراويل؛ بالشين المعجمة).

قلت: ولما استعملته العرب؛ بدَّلوا الشين سينًا، ثم جمعوه على سراويل، وقد يقال فيه: سراوين؛ بالنون موضع اللام، وفي «الجامع» للقزاز: (سراويل، وسروال، وسرويل، لغات ثلاث)، كذا في «عمدة القاري».

(والتُّبَّان)؛ بضم المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة، قال في «المحكم» : (التبان: شبه السراويل يذكر)، وفي «الصحاح» : (سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة، فقد يكون للملاحين).

قلت: وهو عند العجم من جلد بلا رجلين يلبسه المصارعون، كذا قاله إمام الشَّارحين.

(والقَباء)؛ بفتح القاف، وتخفيف الموحدة، زعم ابن حجر تبعًا للكرماني أنه ممدود، ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: لم يذكره غيره، بل الظاهر: أنه مقصور)، وفي «الجواليق» : (قال بعضهم: هو فارسي معرب، وقيل: عربي، واشتقاقه من القبو؛ وهو الضم والجمع)، وقال أبو علي: (سمي قباء؛ لتقبضه، وقبوت الشيء: جمعته)، وقال أبو عبيد: (هو اليلمق فارسي معرب والقردماني)، وقال السيرافي: (قباء محشوٌّ)، وفي «الجامع» : (سمي قباء؛ لأنَّه يضم لابسه)، وفي «الصحاح» : (تقبيت: إذا لبست قباء)، وفي «المحكم» : (قبا الشيء قبوًا (٢) : جمعه بأصابعه، والقبوة: انضمام ما بين الشفتين، والقباء من الثياب: مشتق من ذلك؛ لانضمام أطرافه، والجمع أقبية)، وفي «مجمع الغرائب» للفارسي عن كعب: (أول من لبس القباء سليمان بن داود عليهما السلام، فكان إذا أدخل رأسه في الثياب؛ لنصت الشياطين؛ يعني: قلعت أنوفها)، وزعم أبو موسى في «المغيث» أنه بالسين: لنست، كذا في «عمدة القاري» والله الهادي.

[حديث: أوكلكم يجد ثوبين]

٣٦٥ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا سليمان بن حرب)؛ بالمهملة والموحدة: هو الأزدي الأنصاري، أبو أيوب (قال: حدثنا حماد بن زيد) : هو ابن درهم، أبو إسماعيل الأزرقي، الأزدي، البصري، (عن أيوب) : هو السختياني، (عن محمد) : هو ابن سيرين المشهور، (عن أبي هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه (قال: قام رجل)؛ أي: من القوم (٣)، وهو ثوبان، كما بينه الإمام شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه «المبسوط»، وقول ابن حجر وغيره: (لم أقف على اسمه) ممنوع؛ لأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، والمثبت مقدم على النافي.

(إلى النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو في المسجد النبوي، كما يدل عليه السياق، (فسأله عن) حكم (الصلاة في الثوب الواحد) : هل هي صحيحة أم باطلة؟ (فقال) عليه السَّلام للسائل: (أوكلكم؟!)؛ بهمزة الاستفهام الإنكاري الإبطالي، وواو العطف، وأصل الكلام: وأكلَّكم، لكن قدم الاستفهام؛ لأنَّ له صدر الكلام، أو الواو عاطفة على محذوف بين الهمزة، والواو دل عليه المعطوف، ولا تقديم ولا تأخير؛ فالتقدير هنا: أكلكم يجد ثوبين، وكلكم يجد ثوبين، والأول أولى، والتقديم والتأخير أسهل من الحذف؛ والمعنى: ليس كلكم (يجد ثوبين)؛ فلهذا تصح الصلاة في الثوب الواحد، فاللفظ وإن كان لفظ الاستفهام، ولكن المعنى الإخبار عما كان يعلمه عليه السَّلام من حالهم في العدم وضيق الثياب، نقول: فإذا كنتم بهذه الصفة، وليس لكل واحد منكم ثوبان والصلاة واجبة عليكم؛ فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة، كذا في «عمدة القاري».

ومفهوم (٤) الحديث: التسوية بين الصلاة في الثوب الواحد مع وجود غيره وعدمه في الإجزاء، ولو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد؛ لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا؛ لأنَّ حكم الصلاة في الثوب الواحد لمن يجد ثوبين كهو في الصلاة لمن لا يجد غيره، كذا قاله الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وقد أشبعنا الكلام فيه في آخر باب (الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به).

(ثم سأل رجل عمر) : هو ابن الخطاب رضي الله عنه؛ أي: عن الصلاة في الثوب الواحد، أنهى عنها أم أجازها؟ والسائل يحتمل أن يكون أُبي بن كعب رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون هو ابن مسعود، وزعم ابن حجر أنه الثاني قال: (لأنه اختلف هو وأُبي في ذلك، فقال أُبي: لا يكره، وقال ابن مسعود: إنَّما كان ذلك وفي الثياب قلة، فقال عمر: القول


(١) في الأصل: (أحدها)، والمثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (قباء)، والمثبت موافق لما في «المحكم».
(٣) زيد في هامشالأصل: (أي من القوم).
(٤) في الأصل: (مفهم)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>