وليست في النساء نبية) انتهى.
واعترضه العجلوني تعصبًا لابن حجر، فقال: لا نظر؛ لأنَّ المجيب قال: (في قول)؛ فافهم.
قلت: بل فيه نظر؛ لأنَّ الاعتراض متوجه على هذا القول الذي اعتمده قائله وجزم به؛ لأنَّه لم يذكر غيره؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (ومطابقة هذا الحديث للترجمة التي في باب المترجم، في قوله: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؛ لأنَّهم إذا اتخذوها مساجد يصلون فيها، ويسمون المساجد البيع والكنائس، والباب معقود في الصلاة في البيع) انتهى.
قلت: وهذا يدلُّ على أنَّ الصلاة في البيع والكنائس مكروهة ولو لم يكن فيها تصاوير، فإنَّ هذا الباب تابع للباب السابق، فالظاهر: أنَّ المؤلف ألحقه؛ لبيان ثبوت الكراهة؛ فافهم.
[حديث: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد]
٤٣٧ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسلَمة)؛ بفتح الميم واللام، بينهما مهملة ساكنة، هو القعنبي المدني، (عن مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني التابعي، (عن سعيد بن المسيّب)؛ بفتح التحتية وكسرها، هو المدني التابعي، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي رضي الله عنه (أنَّ)؛ بفتح الهمزة وتشديد النون (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ بالنصب: اسمها، وخبرها: جملة قوله (قال: قاتل الله اليهود)؛ أي: قتلهم الله؛ لأنَّ فَاعَل (يجيء) بمعنى فَعل أيضًا، كقولهم سافر وسارع بمعنى: سفر وسرع، ويقال: معناه: لعنهم الله، ويقال: عاداهم الله، ويقال: القتال ههنا: عبارة عن الطرد والإبعاد عن الرحمة، فمؤداه ومؤدى اللعنة واحد، وإنَّما خصص اليهود ههنا بالذكر بخلاف ما تقدم؛ لأنَّهم أسسوا هذا الاتخاذ وابتدؤوا به، واتبعتهم النصارى، فهم أظلم، أو لأنَّهم أشد غلوًّا فيه، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري».
(اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) جملة مستأنفة، جواب سؤال سائل يقول: ما سبب قوله: قاتل الله اليهود؟ فأجاب بقوله: «اتخذوا...» إلى آخره.
ومطابقة (١) الحديث لترجمة الباب المترجم ظاهرة مما سبق، وفيه: منع البناء على القبر؛ لأنَّ أبا داود أخرج هذا الحديث، وترجم له: (باب البناء على القبر)، وروي أيضًا عن أحمد ابن حنبل: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنَّه سمع جابرًا يقول: (سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نهى أن يقعد على القبر وأنيقصَّص، وأن يبنى عليه)، وأخرجه مسلم أيضًا والترمذي، وفي روايته (وأن يكتب عليها)، والنسائي أيضًا، وفي روايته (وأن يزاد عليه) انتهى.
قلت: ففيه النهي عن القعود على القبر، ومقتضاه التحريم، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور: أنَّ القعود على القبر؛ لقراءة القرآن لا يكره، وكذلك وطؤها؛ لما رواه مالك في «الموطأ» : أنَّ عليًّا رضي الله عنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها، وفي «الصحيح» تعليقًا، قال نافع: (كان ابن عمر يجلس على القبور)، ووصله الحافظ أبو جعفر الطحاوي، ثم أخرج عن زيد بن ثابت مرفوعًا قال: (وإنَّما نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الجلوس على القبور؛ لحدث، أو بول، أو غائط، وأمَّا الجلوس لغير ذلك؛ فلم يدخل في النهي عن ذلك)، وهذا قول الإمام الأعظم وأصحابه، وبه قال مالك.
وفي الحديث الذي عند أبي داود النهي عن أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، ومقتضى النهي التحريم، وقد صرَّح أئمتنا الأعلام بحرمة البناء عليه، وتجصيصه؛ للزينة، وأمَّا الكتابة؛ فقال صاحب «المحيط» : (إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر، ولا يمتهن به؛ جازت، أما الكتابة من غير عذر؛ فلا) انتهى والله تعالى أعلم.
(٥٦) [باب قول النبي: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا]
هذا (باب) بيان (قول النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الحديث المشهور (جعلت لي) أي: ولأمتي (الأرض) أي: جنسها (مسجدًا وطَهورًا)؛ بفتح الطاء المهملة على المشهور، فتجوز الصلاة في أي مكان كان منها، إلا أن يمنع مانع شرعي، وتقدم ذلك في حديث جابر في أوائل (التيمم)، ولا تفاوت بينهما في المعنى.
وفائدة إيراد هذا الباب عقيب الأبواب المتقدمة: الإشارة إلى أنَّ الكراهة فيها ليست للتحريم؛ لأنَّ عموم قوله عليه السَّلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» يدلُّ على جواز الصلاة على أي جزء كان من أجزاء الأرض، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: وقيل: إنَّ الكراهة فيها للتحريم، وعموم الحديث مخصوص بها، والأول هو الأولى عند المحققين؛ لأنَّ الحديث إنَّما سيق في مقام الاستنان، فلا ينبغي أن يكون مخصوصًا، فدخل في عمومه -كما قال ابن بطال- المقابر والمرابض والكنائس، وغيرها.
قلت: ولا يَرِد المتنجس من الأرض؛ لأنَّه لعارض شرعي؛ فافهم.
[حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي]
٤٣٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمد بن سِنان)؛ بكسر المهملة وتخفيف النون، هو أبو بكر البصري الباهلي العَوَقِي؛ بفتح المهملة والواو مع كسر القاف، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين (قال حدثنا هُشَيْم)؛ بضمِّ الهاء وفتح المعجمة وسكون التحتية: هو ابن بَشِير؛ بفتح الموحدة وكسر المعجمة، السلمي، مولاهم الواسطي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومئة ببغداد، قال القسطلاني: («بشير» بوزن «عظيم»، الفقيه الثبت، لكنَّه كثير التدليس والإرسال الخفي) انتهى.
قلت: التدليس والإرسال الخفي إذا كان لغرض صحيح؛ غير مذموم، وهو معتبر عند المحدثين، كما عُلم في محله، وقول العجلوني: هشيم بن كثير؛ بالمثلثة، مكبرًَّا خطأٌ ظاهر؛ فليتنبه.
(قال حدثنا سَيَّار)؛ بفتح المهملة أوله وتشديد التحتية، آخره راء، على وزن (فعَّال) بالتشديد: هو ابن أبي سيار، واسمه وردان العنزي الواسطي، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئة، وقوله (هو أبو الحَكَم)؛ بفتحتين لقب سيار، يحتمل أنَّه من كلام محمد بن سنان، ويحتمل أنَّه من كلام المؤلف؛ للتعريف، وجزم العجلوني بالثاني، قلت: وليس له دليل عليه، وإنَّما هو محتمل، بل الظاهر الأول، يدل عليه أنَّ التعريف يكون من شيخه؛ لأنَّه لم يدركه؛ فافهم.
(قال: حدثنا يَزيد)؛ بفتح أوله من الزيادة؛ هو ابن صُهيب؛ بضمِّ الصاد المهملة (الفقير) الكوفي، الثبت، الفقيه، الحجة، التابعي الجليل، أحد مشايخ الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، وإنَّما
(١) في الأصل: (مطابقته)، وليس بصحيح.