اشتهر بالفقير؛ لأنَّه كان يشكو فقار ظهره (قال: حدثنا جابر بن عبد الله) هو الأنصاري، الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: عام غزوة تبوك، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أحمد:(أعطيت)؛ بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول؛ أي: أعطاني الله (خمسًا) أي: خمس خصال، وعند مسلم من حديث أبي هريرة:«فضلت على الأنبياء بست»، ولعله اطلع أولًا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، وإلا؛ فخصوصياته كثيرة، والتنصيص على العدد لا يدل على نفي ما عداه، وتمامه في «عمدة القاري»(لم يعطهن أحد)؛ بالبناء للمفعول؛ كالأفعال بعده؛ أي: لم تجتمع لأحد، قاله الداودي وغيره (من الأنبياء قبلي)؛ أي: ولا نبي بعده، وأمته في بعضها تبع له، وزاد في حديث ابن عبَّاس:«لا أقولهن فخرًا»، وظاهر هذا الحديث أنَّ كلَّ واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله، وهو كذلك (نُصِرت)؛ بضمِّ النون، وكسر المهملة (بالرُّعب)؛ بضمِّ الراء أي: الخوف، الخوف يقذف في قلوب أعدائه (مسيرة شهر)؛ بالنصب على الظرفية، وجعل الغاية شهرًا؛ لأنَّه لم يكن بين بلده، وبين أحد من أعدائه أكثر منه (وجُعلت لي)؛ أي: ولأمتي أمة الإجابة؛ لأنَّ أمة الدعوة غير مخاطبين بفروع الإيمان على التحقيق عند الجمهور (الأرض) أي: كلها (مسجِدًا)؛ بكسر الجيم؛ أي: موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون آخر، ويحتمل أنَّه مجاز عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه؛ لأنَّ المسجد حقيقة عرفية في المكان المبني للصلاة، فلمَّا جازت الصلاة في الأرض كلها؛ كانت كالمسجد في ذلك، فأطلق عليها اسمه.
فإن قلت: ما الداعي إلى العدول عن حمله على حقيقته اللغوية، وهي موضع السجود؟
قلت: أجاب في «المصابيح» : بأنَّه إن بني على قول سيبويه: أنَّه إذا أريد به موضع السجود قيل: مسجَد بالفتح فقط؛ فواضح، وإن جوز الكسر فيه؛ فالظاهر أنَّ الخصوصية هي كون الأرض محلًّا لإيقاع الصلاة بجملتها، لا لإيقاع السجود فقط، فإنَّه لم ينقل عن الأمم الماضية أنَّها كانت تخص السجود بموضع دون موضع، انتهى.
قلت: وفيه نظر، فقد نقل ذلك في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا «وكان من قبل إنَّما يصلون في كنائسهم»، وهذا نص في محل النزاع، فتثبت الخصوصية، ويدل عليه ما أخرجه البزار من حديث ابن عبَّاس نحو حديث الباب وفيه:«ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه»؛ فليحفظ.
وعموم ذكر الأرض في حديث الباب مخصوص بما نهى الشَّارع عن الصلاة فيه، ففي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والترمذي (نهى النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أن يصلى في سبعة مواطن، في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله عز وجل) قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي، وقد تُكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه، وفي حديث أبي سعيد الخدري، عند أبي داود والترمذي مرفوعًا:«الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» قال الترمذي: حديث فيه اضطراب، وقد ضعفه غيره، وفي حديث عليٍّ أنَّه كره الصلاة بخسف بابل، رواه المؤلف تعليقًا، ووصله ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف، وفي حديث ابن عمر كما تقدم، جميع ذلك في الأبواب المتقدمة، فهي محمولة على الكراهة في هذه المواضع، كما قدمناه.
(و) جعلت لي الأرض (طَهورًا)؛ بفتح الطاء على المشهور، والمراد: جميع أجزائها؛ من حجر، ومدر، وتراب، ورمل، وجص، ونحوها؛ لقوله تعالى:{صَعِيدًا}[النساء: ٤٣] : وهو كل ما كان من أجزاء الأرض؛ ففيه جواز التيمم بجميع أجزائها، وهو مذهب الإمام الأعظم، ومالك، والجمهور، وهو حجة على الشافعي؛ حيث شرط التراب استدلالًا برواية مسلم:«وجعلت تربتها لنا طهورًا» فقال: هو خاص يحمل على العام، ورُدَّ بأنَّه لا خصوصية بلفظ التراب؛ لأنَّ تربة كل مكان ما فيه من تراب وحجر ومدر ونحوها، وأجيب: بأنَّه قد ورد الحديث المذكور بلفظ التراب، رواه ابن خزيمة، ورُدَّ بأنَّه إن صح؛ يحمل على الغالب، فإنَّ الغالب على أجزاء الأرض التراب، فذكره؛ لكونه غالبًا لا للاحتراز، وتمامه فيما قدمناه؛ فافهم.
(وأيما) بالواو، وللأصيلي:(فأيما)(رجلٍ) بالجر على الإضافة كائنٍ (من أمتي) والنساء والخناثى كالرجال (أدركته الصلاة) أي: دخل وقتها، والجملة محلها الجر: صفة لرجل و (أي) : مبتدأ فيه معنى الشرط، زيد عليها (ما)؛ لزيادة التعميم، و (رجل) مضاف إليه، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي:«فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة، فلم يجد ماء، وجد الأرض طهورًا ومسجدًا»؛ (فليصل) أي: حيث أدركته الصلاة في أي مكان كان، وهو خبر المبتدأ، (وأحلت لي الغنائم)؛ جمع غنيمة، وفي رواية مسلم:(المغانم)؛ جمع مغنم، وهي ما حصل من الكفار بعد قتالهم، وفي رواية المؤلف السابقة:«ولم تحل لأحد قبلي»؛ لأنَّ منهم من لم يؤذن له في الجهاد أصلًا، فلم يكن له مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانت الغنيمة حرامًا عليهم، بل تجيء نار تحرقها (وكان النبي) أي: غيري من الأنبياء (يبعث إلى قومه) المبعوث إليهم (خاصة)؛ بمعنى: خصوصًا، فهو من المصادر التي جاءت على (فاعلة)، كـ (القافية) و (العافية) منصوب على أنَّه مفعول مطلق بمحذوف تقديره: أخص النبي غيري من الأنبياء بالبعثة إلى قومه خصوصًا؛ بناء على المشهور من جواز حذف عامل المؤكِد؛ بكسر الكاف، خلافًا لابن مالك، و (التاء) فيها للتأنيث أو للمبالغة، ويجوز انتصابها أيضًا على الحال بمعنى: مخصوصًا، كما أوضحته في شرحي على «شرح الأزهرية» الذي سميته «تاج الأسطوانية»؛ فيراجع، (وبعثت إلى الناس كافة) أي: جميعًا، وهو مما يلزمه النصب على الحال، واستهجن إضافتها؛ نحو كافتهم، كذا قاله الشَّارح؛ أي: قومي وغيرهم من العرب، والعجم، والأسود، والأحمر، فـ (الناس) : يشمل الإنس والجن، فمن أجاب منهم؛ يقال له: أمة الإجابة، والذي لم يجب؛ يقال له: أمة الدعوة، وفي رواية أبي هريرة عند مسلم:«وأرسلت إلى الخلق كافة»؛ وهي أصرح الروايات وأشملها، وهي تؤيد قول من قال: إنه