للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال في «عمدة القاري» : (وقول بعضهم: «لعلَّه رواه بالمعنى» لا يصح أصلًا؛ لأنَّه قلب لكلام الله تعالى، والظاهر أنه سهو وغلط؛ فافهم).

(وهذا) أي: الذي ولغ الكلب فيه (ماء) وللأصيلي: (فهذا ماء)، فهو داخل تحت عموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}؛ لأنَّ {مَاءً} نكرة في سياق النفي، فتعم، ولا يخص إلا بدليل فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقهًا.

(وفي النفس منه شيء)؛ أي: دغدغة، وهو من تتمة كلام الثوري، وذلك لعدم ظهور دلالته أو لوجود معارض له؛ إما من القرآن أو غير ذلك، فلذا قال: (يتوضأ به) وفي رواية: (منه)؛ أي: الماء المذكور، (ويتيمم)؛ لأنَّ الماء الذي شكَّ فيه كالعدم؛ لاختلاف العلماء، والواو لمطلق الجمع، فلا يشترط الترتيب بل الشرط الجمع بينهما سواء قدَّم الوضوء أو أخَّره، كذا في «عمدة القاري».

[حديث: عندنا من شعر النبي أصبناه من قبل أنس]

١٧٠ - وبه قال: (حدثنا مالك بن إسماعيل)؛ أي: ابن غسان النهدي، المتوفى سنة تسع عشرة ومئتين (قال: حدثنا إسرائيل) : هو ابن يونس بن إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي الهمداني، المتوفى سنة ستين ومئة، (عن عاصم) : هو ابن سليمان البصري، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومئة، وما في «شرح العجلوني» من أنه (ومئتين)؛ فخطأ؛ فافهم، (عن ابن سيرين) هو محمد المشهور: أنَّه (قال: قلت لعَبِيدة)؛ بفتح العين المهملة، وكسر الموحدة، آخره هاء، ابن عمرو، أو ابن قيس بن عمرو السَّلْماني؛ بفتح السين المهملة، وسكون اللام، المرادي الكوفي، أسلم في حياة النبي الأعظم عليه السلام بسنتين، ولم يلقه فهو أحد التابعين المخضرمين، المتوفى سنة اثنتين وسبعين أو ثلاث، ومقول قول ابن سيرين لعبيدة: (عندنا من شعَر)؛ بفتح العين وسكونها (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: عندنا شيء من شعره، ويحتمل أن (من) للتبعيض؛ والتقدير: بعض شعره عليه السلام، فيكون (بعض) مبتدأ، وقوله: (عندنا) خبره، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفًا؛ أي: عندنا شيء من شعره عليه السلام، أو عندنا من شعره شيء (أصبناه) أي: حصل لنا (من قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: من جهة (أنس) أي: ابن مالك (أو) للتشكيك (من قِبَل)؛ بكسر وفتح؛ أي: من جهة (أهل أنس)؛ أي: ابن مالك، وذلك لأنَّ سيرين والد محمد كان مولًى لأنس بن مالك، وأنس ربيب أبي طلحة، والنبي الأعظم عليه السلام أعطى شيئًا من شعره لأبي طلحة، فبقي إلى أن آل لمولاه محمد، (فقال) أي: عبيدة: (لأن تكون عندي شعرة) أي: واحدة (منه) أي: من شعر النبي الأعظم عليه السلام (أحبُّ)؛ بالرفع خبر المصدر المؤول من (أن تكون) واللام للابتداء، و (تكون) ناقصة، فـ (شعرة) اسمها، والظرف قبلها خبرها، ويحتمل أن تكون تامة، فـ (شعرة) فاعلها، والظرف متعلق بها، أو حال من (شعرة) تقدم عليها؛ فافهم، (إليَّ من الدنيا وما فيها)؛ أي: من متاعها، وللإسماعيلي: (أحب إليَّ من كل صفراء وبيضاء)، وروي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه جعل في قلنسوته من شعر النبي عليه السلام، فكان يدخل بها الحرب وينتصر ببركته، فسقطت عنه يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة، وأنكر الصحابة عليه، فقال: لم أفعل ذلك لقيمة القلنسوة، لكني كرهت أن تقع في أيدي المشركين وفيها من شعره عليه السلام.

ووجه المطابقة أنَّه لما جاز اتِّخاذ شعر النبي الأعظم عليه السلام والتبرُّك به لطهارته؛ دلَّ على أنَّ مطلق الشعر طاهر، وإلَّا لما حفظوه، ولا تمنَّى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرًا؛ فالماء الذي يغسل به طاهر، وتُعقِّب بأنَّ شعره عليه السلام مكرَّم لا يقاس عليه غيره، وأجيب: بأنَّ الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل عدمها؛ فافهم.

[حديث: أن رسول الله لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره]

١٧١ - وبه قال: (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) المشهور بصاعقة، البغدادي (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (سعيد بن سليمان) أبو عثمان الضبي البزار سعدويه، الواسطي، الحاج ستين حجة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومئتين عن مئة سنة، وما في «القسطلاني» من أنه توفي سنة خمس وثمانين؛ فخطأ ظاهر (قال: حدثنا عَبَّاد)؛ بفتح المهملة، وتشديد الموحدة، ابن العوَّام؛ بتشديد الواو، أبو سهل الواسطي، المتوفى سنة خمس وثمانين ومئة ببغداد، (عن ابن عَوْن)؛ بفتح المهملة، وسكون الواو، آخره نون، واسمه عبد الله التابعي، وسيد القرَّاء في زمانه، (عن ابن سيرين) محمد المشهور، (عن أنس) وللأصيلي زيادة: (ابن مالك رضي الله عنه) : (أن النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم لمَّا حلق رأسه)؛ أي: في حجة الوداع، وإسناد الحلق إليه مجاز والقرينة عادية؛ نحو: بنى الأمير المدينة، والصحيح أنَّ الحالق للنبي الأعظم عليه السلام معمرُ بن عبد الله، وقيل: خِراش بن أمية؛ بكسر الخاء المعجمة، آخره شين معجمة أيضًا، وأمَّا في الحديبية؛ فالصحيح أنَّ الحالق له هو خِراش.

وقوله: (كان أبو طلحة) جواب (لمَّا)، واسمه زيد بن سهل بن الأسود النجاري زوج أم سليم والدة أنس، شهد المشاهد كلَّها مع النبيِّ الأعظم عليه السلام، المتوفى بالمدينة على الأصح سنة اثنتين وثلاثين، وصلَّى عليه ثالث الخلفاء عثمان ذي النُّورين، وقول القسطلاني: المتوفى سنة سبعين؛ خطأ ظاهر (أول من أخذ من شعره) عليه السلام، وأخرج أبو عوانة هذا الحديث في «صحيحه» بأظهر مما هنا، وهو: أنَّ رسول الله عليه السلام أمر الحلَّاق فحلق رأسه، ودفع إلى أبي طلحة الشقَّ الأيمن، ثمَّ حلق الشقَّ الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس، ورواه مسلم بلفظ: لمَّا رمى الجمرة ونحر نسكه؛ ناول الحلَّاق شقَّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسر فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، وقال: «اقسمه بين الناس»، وله في رواية أخرى: أنَّه قسم الأيمن فيمن يليه، وفي لفظ: (فوزَّعه بين الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى الأيسر أم سليم)، وفي لفظ: (أبا طلحة) ولا تناقض بين هذه الروايات؛ لإمكان الجمع: بأنه ناول أبا طلحة كلًّا من الشقَّين، فأمَّا الأيمن؛ فوزعه أبو طلحة بأمره بين الناس، وأمَّا الأيسر؛ فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره عليه السلام أيضًا، زاد أحمد في رواية له: (لتجعله في طيبها)، فالضمير في (قسمه) وفي (اقسمه) عائد إلى الشق الأيمن، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

وفي الحديث: استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس الحالق، وهو قول الإمام الأعظموالجمهور، وما نقله العجلوني عن الإمام الأعظم من خلافه؛ فخطأ ظاهر؛ لأنَّ كتب المذهب طافحة بذلك؛ فافهم.

وفيه: طهارة شعر الآدمي وهو قول إمامنا الإمام الأعظم والجمهور، خلافًا للشافعي، والحديث حجة عليه؛ فافهم.

وفيه: التبرك بشعره عليه السلام وجواز اقتنائه والصلاة فيه، وحمله في عمامته؛ كما فعله خالد بن الوليد.

وفيه: المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية، قال في «عمدة القاري» : والمواساة لا تستلزم المساواة.

وفيه: تنفيل من يتولَّى التفرقة على غيره.

هذا (بابٌ) بالتنوين: (إذا شرِب) بكسر الرَّاء ((الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعًا) وهذه الترجمة لفظ حديث الباب، وهي مع لفظ (باب) ساقطة في رواية، وعليها شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني، ووجه سقوطها ظاهر؛ لأنَّ الباب الأول مشتمل على حكمين؛ أحدهما: في طهارة الشعر، والثاني: في سؤر الكلاب، فالذي قدَّمه


إنَّما هو لبيان الحكم الأول، وهنا أراد

[حديث: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا]
١٧٢ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، وفي رواية: (عن مالك)، (عن أبي الزِناد)؛ بكسر الزاي المعجمة، بعدها النُّون، واسمه عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه: أنَّه (قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسقط لفظ: (قال) في رواية، (قال: إذا شرِب الكلب)؛ بكسر الرَّاء؛ أي: ولغ الكلب، وهذه الرواية كرواية «الموطأ»، لكن المشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه: «إذا ولغ» وهو المعروف في اللغة، وزعم الكرماني: ضمَّن (شرِب) معنى (ولغ)، فعُدِّي تعديته، واعترضه في «عمدة القاري» : بأنَّ الشارع عليه السلام أفصح الفصحاء، وروي عنه (شرب) و (ولغ) لتقاربهما في المعنى، فلا حاجة إلى هذا التكليف، لا يقال: الشرب أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه؛ لأنَّا نقول: لا نسلم عدم

<<  <   >  >>