للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا من أربعة عشر طريقًا، وأخرجه مسلم أيضًا، ثم قال: (فذهب الذاهبون: إلى أن المني طاهر وأنه لا يُفْسِدِ الماء وإن وقع فيه، وأن حكمه في ذلك حكم النجاسة، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار)، وأراد بهؤلاء الذاهبين: الشافعي، وأحمد، وغيرهما، ثم قال: (وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل هو نجس)، وأراد بالآخرين: الإمام الأعظم، وأصحابه، والأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالكًا، والليث بن سعد، والحسن ابن حيٍّ، وهو رواية عن أحمد، ثم قال الحافظ الطحاوي: وقالوا لكم في هذه الآثار؛ لأنَّها إنَّما جاءت في ذكر ثياب ينام فيها، ولم تأت في ثياب يصلي فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط، والدم، والبول لا بأس بها، ولا تجوز الصَّلاة فيها، فقد يجوز أن يكون المني كذلك، وإنما يكون هذا الحديث حجة علينا إن لو كنا نقول: لا يصلح النوم في الثوب النجس، فأما إذا كنا نبيح ذلك ونوافق ما رويتم عن النبيِّ عليه السلام، وقد جاء عن عائشة فيما كانت تفعل بثوب رسول الله عليه السلام الذي كان يصلي فيه إذا أصابه الشيء: حدثنا يونس: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا عبد الله بن المبارك وبشر بن المفضل، عن عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: (كنت أغسل المني من ثوب رسول الله عليه السلام، فيخرج إلى الصَّلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه الجماعة أيضًا على ما يأتي بيانه)، قال الحافظ الطحاوي: (فهكذا كانت تفعل عائشة بثوب رسول الله عليه السلام الذي كان يصلي فيه؛ تغسل المني منه وتفركه من ثوبه الذي كان لا يصلي فيه)، ثم قال هذا القائل واستدلَّ في رده على الحافظ الطحاوي فيما ذكرناه بأن قال: (وهذا التعقيب بالفاء ينفي...) إلخ، ورده في «عمدة القاري» : بأن هذا الاستدلال فاسد؛ لأنَّ كون الفاء للتعقيب لا تنفي احتمال تخلُّل الغسل بين الفرك والصَّلاة؛ لأنَّ أهل العربية قالوا: التعقيب في كل شيء بحسبه، لا يقال: إنه يقال تزوَّج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل؛ وهو مدة متطاولة، فيجوز على هذا أن يكون معنى قول عائشة: (لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله عليه السلام)، وأرادت به ثوب النوم، ثم تغسله فيصلي فيه.

ويجوز أن تكون الفاء بمعنى (ثم)، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: ١٤]، فالفاءات فيها بمعنى (ثم)؛ لتراخي معطوفاتها، فإذا ثبت جواز التراخي في المعطوف؛ يجوز أن يتخلَّل بين المعطوف والمعطوف عليه مدة، ويجوز وقوع الغسل في تلك المدة، ويؤيد ذلك: ما رواه البزار في «مسنده»، والحافظ الطحاوي في «معاني الآثار» عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله عليه السلام، ثم يصلي فيه).

وقوله: (وأصرح منه رواية ابن خزيمة...) إلخ؛ لا يساعده أيضًا فيما ادَّعاه؛ لأنَّ قوله: (وهو يصلي) : جملة اسمية وقعت حالًا منتظرة؛ لأنَّ عائشة ما كانت تحك المني من ثوب النبيِّ عليه السلام حال كونه في الصَّلاة، فإذا كان كذلك؛ يحتمل تخلل الغسل بين الفرك والصَّلاة، انتهى كلامه رحمه الله ورضي عنه.

اللهم؛ فرج عنا وعن المسلمين بجاه سيد المرسلين، فإنه قد ضاق الحال، وتغيِّرت الأحوال، وعدمت الرجال، وكثر القيل والقال.

(٦٥) [باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره]

هذا (باب)؛ بالتنوين في بيان حكم غسل المني أو غيره، ولم يذهب أثره، وإليه أشار بقوله: (إذا غَسل) بفتح الغين المعجمة (الجنابة) أي: المني، (أو غيرها)؛ أي: غير الجنابة؛ نحو: دم الحيض وغيره من النجاسة؛ (فلم يذهب أثره) ومراده: أن الأثر إذا كان باقيًا؛ لا يضره، وقال ابن حجر: (الأثر: أثر الشيء المغسول)، قال في «عمدة القاري» : وفيه نظر؛ لأنَّ على قوله يكون الباقي أثر المني ونحوه، وهذا يضره؛ بل المراد الأثر المرئي للماء لا للمني، ولفظ حديث الباب يدلُّ على هذا، وهو قوله: (وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء)، والفاء في قوله: (فلم يذهب) للعطف لا للجزاء؛ لقوله: (إذا غسل)؛ لأنَّ جزاءه محذوف؛ تقديره: صحت صلاته أو نحو ذلك، والضمير في (أثره) يرجع إلى كل واحد من غسل الجنابة وغيرها إلا أنه أَنَّثَ ضمير (غيرها)؛ نظرًا إلى لفظ (الجنابة)، وذكر في قوله: (أثره)؛ نظرًا إلى أنها بمعنى المني، وغيرها بمعنى الدم، وقال الكرماني: (فلم يذهب أثره)؛ أي: أثر الغسل) @، وقال ابن حجر: (وأعاد الضمير مذكرًا على المعنى؛ أي: فلم يذهب أثر الشيء المغسول)، قال في «عمدة القاري» : (وكلام الكرماني أوجه؛ لأنَّ المعنى على أن بقاء أثر الغسل لا يضرُّ لإبقاء المغسول، اللهم إلا إذا عسر إزالة أثر المغسول، فلا يضر حينئذٍ؛ للحرج، وهو مدفوع شرعًا)، وقال الكرماني: (وفي بعض النسخ: «أثرها»؛ أي: أثر الجنابة)، قال في «عمدة القاري» : (إن صحت هذه النسخة؛ فلا حاجة إلى التأويل المذكور، ولكن تفسيره بقوله: «أي: أثر الجنابة» يرجع إلى تفسير القائل المذكور، وفساده ظاهر) انتهى.

ولم يذكر في الباب حديثًا يدل على هذه الترجمة، وزعم ابن حجر بأنه ذكر في الباب حديث الجنابة، والحق غيرها قياسًا، وأشار بذلك إلى ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة: أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله؛ ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض، فكيف أصنع؟ قال: «إذا طهرت؛ فاغسليه»، قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: «يكفيك الماء، ولا يضرُّك أثره»، انتهى.

ورده في «عمدة القاري» : (بأن المؤلف يذكر مسألة، ثم يقَيْس عليها غيرها، أو يسرد حديثًا في باب مترجم دالًّا على الترجمة، ولا فائدة في ذكر ترجمة بدون ذكر حديث موافق لها مشتمل عليها، ولم يعرف ما مراده من هذا القياس: هل هو لغوي أو اصطلاحي؟ شرعي أو منطقي؟ وما هذا إلا قياس فاسد، وأيضًا من أين عرفنا أنه أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود؟ ومن أين عرفنا أنه وقف على هذا، ولم يقف؟ ولكن كل ذلك تخمين بتخبيط) انتهى.

[حديث: كنت أغسله من ثوب رسول الله ثم يخرج إلى الصلاة]

٢٣١ - وبه قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل المِنْقَري)؛ بكسر الميم، وسكون النون، وفتح القاف، نسبة إلى بني منقر؛ بطن من تميم، وهو أبو سَلَمَة التبوذكي (قال: حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قال: حدثنا عَمرو) بفتح العين المهملة (بن مَيمُون) بفتح الميم الأولى، وضم الثانية (قال: سمعت سُليمان) بضمِّ السين المهملة (بن يسار)؛ بفتح التحتية، وتخفيف السين المهملة، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية: (سألت سليمان بن يسار) (في الثوب)؛ أي: سمعت سليمان يقول في حكم الثوب الذي (تصيبه الجنابة)؛ أي: المني، وعلى الرواية الثانية؛ أي: قلت لسليمان: ما تقول في الثوب الذي تصيبه الجنابة؟ على هذه الرواية يجوز أن يكون (في) بمعنى (من)، كما في قوله: (وهل يقمن من صلبه العصر الخالي) (قال: قالت عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (كنت أغسله)

<<  <   >  >>