للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويحتمل تعدد القصة؛ فافهم.

(كما أراكم)؛ أي: من أمامي، وصرح به في رواية أخرى، كما سيأتي، وفي رواية مسلم: (إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي)، وعن تقي بن خالد: أنه عليه السَّلام كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء، والكاف في (كما أراكم)؛ للتشبيه، فالمشبه به: الرؤية المقيدة بالقُدام، والمشبه: المقيدة بالوراء، قاله إمام الشَّارحين، وبقية الكلام سبق في الحديث السابق.

(٤١) [باب هل يقال: مسجد بنى فلان؟]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين: (هل يقال: مسجد بني فلان؟)؛ يعني: هل يجوز أن يضاف مسجد من المساجد إلى قبيلة، أو إلى أحد مثل بانيه أو الملازم للصلاة فيه، فيقال: مسجد بني أمية، أو مسجد سنان باشا؟

نعم؛ يجوز، والدليل عليه حديث الباب المروي عن ابن عمر الآتي ذكره، وإنما ترجم المؤلف الباب بلفظة (هل) التي للاستفهام؛ إشارةً إلى أنَّ في هذا خلاف إبراهيم النخعي، فإنَّه كان يكره أن يقال: مسجد بني فلان؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: ١٨]، ذكره عنه ابن أبي شيبة، وحديث الباب يرد عليه، والجواب عن تمسكه بالآية: أن الإضافة فيها إلى الله تعالى حقيقة، وإضافتها إلى غيره إضافة تمييز وتعريف على سبيل المجاز لا للملك، كذا قاله إمام الشَّارحين، وتبعه الشراح.

قلت: وقد يقال: إن إبراهيم النخعي لا يمنع الجواز، بل كان يكره ذلك، وبين الكراهة وعدم الجواز فرق بيِّن (١)، فالأولى عدم الاعتداد بخلافه؛ لأنَّ الكراهة لا تفيد عدم الجواز، وعادة المؤلف إطلاق ترجمته، وعدم القطع بالحكم؛ فلهذا أتى بالاستفهام، وقد يقال: إن عادة المتقدمين التعبير بالكراهة، ومُرادهم عدم الجواز، وعليه فيكون مراده بالكراهة عدم الجواز؛ فافهم.

قال إمامنا الشَّارح: (ووجه ذكر هذا الباب ههنا، ووجه المناسبة بينه وبين الأبواب المتقدمة: أن المذكور في الأبواب السابقة أحكام تتعلق بالمساجد، والمذكور في هذا الباب أيضًا حكم من أحكامها، وهذا القدر كاف) انتهى.

[حديث: أن رسول الله سَابَق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء]

٤٢٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي الكلاعي الدمشقي الأصل (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن نافع) : هو مولى ابن عمر، (عن عبد الله بن عمر) : هو ابن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سابق) من المسابقة؛ وهي السبق الذي يشترك فيه الاثنان، وباب المفاعلة يقتضي ذلك (بين الخيل) على حُلَل أتته من اليمن، فأعطى السابق: ثلاث حلل، وأعطى المُصلِّي: حُلتين، والثالث: حلة، والرابع: دينارًا، والخامس: درهمًا، والسادس: فضة، وقال: «بارك الله فيك وفي كلكم (٢)، وفي السابق، والفِسْكِل»، وهو بكسر الفاء والكاف، وسكون المهملة، آخره لام؛ الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل، قاله ابن التين (التي أُضمرت)؛ بضمِّ الهمزة على صيغة المجهول، من الإضمار، يقال: ضمر الفرس -بالفتح- وأضمرته أنا، والضُّمْر -بضمِّ الضاد المعجمة، وسكون الميم-: الهزال، وكذلك الضمور، وتضمير الفرس: أن يعلف حتى يسمن، ثم يرده إلى القوت، وذلك في أربعين يومًا.

وفي «النهاية» : (وتضمير الفرس: هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتًا؛ لتنحف، وقيل: تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رهلها، ويشتد لحمها، ورَهَلَها -بفتح الراء والهاء واللام- من رهِل لحمه؛ بالكسر: اضطرب واسترخى، قاله الجوهري، والمضمر: الذي يضمر خيله لغزو أو سباق، والمضمار: الموضع الذي يضمر فيه الخيل، ويكون وقتًا للأيام التي تضمر فيها)، قاله إمام الشَّارحين.

(من الحَفْياء)؛ بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء، وبالتحتية، والألف ممدودة، قال السفاقسي: (وربما قرئ بضمِّ الحاء مع القصر، وقدم بعضهم الياء على الفاء؛ وهو اسم موضع بقرب المدينة، والخيل التي أضمرت هي التي كانت المسابقة (٣) بينها، وكان فرس النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بينها يسمى: السَّكْبَ-بتشديد السين المهملة، وسكون الكاف، وفتح الباء الموحدة- وكان أغر محجلًا، طلق اليمين، له مسحة، وهو أول فرس مَلَكه، وأول فرس غزا عليه، واشتراه من أعرابي من بني فزارة بعشر أواق، وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس، فسماه عليه السَّلام السَّكْب، وسابق عليه فسبق، وفرح به، وهو أول فرس سابق عليه فسبق، وفرح المسلمون به)، قاله إمام الشَّارحين.

(وأَمَدها) بفتح الهمزة والميم؛ أي: غايتها (ثنية الوَداع)؛ بفتح الواو، عند المدينة، وبينها وبين الحفياء خمسة أميال أو ستة أو سبعة، وسميت بذلك؛ لأنَّ الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها، والثنية لغة: الطريقة إلى العقيقة، واللام فيه للعهد، كذا في «عمدة القاري».

(وسابق) عليه السَّلام أيضًا (بين الخيل التي لم تُضَمَّر)؛ بضمِّ المثناة الفوقية، وفتح الضاد المعجمة، وتشديد الميم المفتوحة، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية: بضمِّ المثناة، وسكون الضاد، وتخفيف الميم؛ يعني: لم تجلل عليها؛ ليكثر عرقها، ويقوى لحمها، بل كانت كعادتها، وليس المراد منه: أنها مهزولة، بل هي متوسطة في السمن؛ فافهم.

(من الثنية)؛ بالمثلثة، والنون، والتحتية؛ هي الموضع المذكور آنفًا (إلى مسجد بني زُرَيْق)؛ بضمِّ الزاي المعجمة، وفتح الراء، وسكون التحتية، آخره قاف، وبنو زريق بن عامر بن حارثة بن غضب بن جشم بن الخزرج، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: وإضافة المسجد إليهم إضافة تمييز وتعريف؛ حيث إنَّهم بنوه لا للملك، كما تقدم، وهذا موضع المطابقة للترجمة.

وقال صاحب «التوضيح» : (بنو زريق بطن من الخوارج)، ورده إمام الشَّارحين فقال: (تفسيره بهذا ههنا غلط، والصحيح هو الذي ذكرناه) انتهى.

قلت: والظاهر أن قوله: (من الخوارج) تحريف من الناسخ، فزاد الألف، وأبدل الراء واوًا، فإنَّه قريب التصحيف؛ فافهم.

وقوله: (وأن) بفتح الهمزة (عبد الله بن عمر) هو ابن الخطاب (كان فيمن سابق بها)؛ أي: بالخيل أو بهذه المسابقة، كذا


(١) في الأصل: (فرقًا بينًا)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (كلمكم).
(٣) تكرر في الأصل: (المسابقة).

<<  <   >  >>