للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يرفعوا طرق أسانيد هذا الحديث، ولو ثبت؛ فهو منسوخ، وقد استقصينا الكلام في باب (وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد)، وفيه: طهارة فضل الجنب والحائض، وقال الداودي: وفيه: جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، قال في «عمدة القاري» : (ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى: أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألتُ عائشةَ، فذكرت هذا الحديث، وهو نص في المقصود) انتهى والله تعالى أعلم.

(٣) [باب الغسل بالصاع ونحوه]

هذا (باب) حكم (الغُسل) بضمِّ الغين المعجمة (بالصاع)؛ أي: بالماء قدر ملء الصاع؛ لأنَّ الصاع اسم للخشبة، فلا يتصور الغسل به (ونحوه)؛ أي: ونحو الصاع من الأواني التي يسع فيها ما يسع في الصاع، ويجوز تذكيره وتأنيثه، قال الجوهري: (الصاع: الذي يكال به، وهو أربعة أمداد، والجمع أصوع، وإن شئت؛ أبدلت من الواو المضمومة همزة، والصواع لغة فيه) انتهى.

قلت: وهي فصيحة، وبها جاء القرآن، قال تعالى: {صُوَاعَ المَلِكِ} [يوسف: ٧٢]، وقال القاضي عياض: (جمع الصاع أصوع، وآصع لكن الجاري على العربية أصوع لا غير، والواحد صاع وصواع وصوع، ويقال: أصوع؛ بالهمزة) انتهى، وقدمنا لك: أن الصاع عند الجمهور ثمانية أرطال بالبغدادي، وهو الصحيح، وقيل: هو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وهو ضعيف، والرطل البغدادي: مئة وثلاثون درهمًا على الصحيح، فالصاع: ما يسع ألفًا وأربعين درهمًا، وقيل: هو مئة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم، والعمل على الأول، وهو المعتمد؛ لأنَّ الأصل الثاني، فزادوا فيه مثقالًا لجبر الكسور، فصار مئة وثلاثين درهمًا، وعليه استقر الحال.

وزعم العجلوني: أن الأرجح الثاني؛ لأنَّه كان موجودًا وقت تقدير العلماء به.

قلت: وهو فاسد، فإن هذا لا يدل على الرجحان؛ لأنَّ المقصود بيان ملء الصاع، وإذا كان موجودًا وقت التقدير؛ لا ينافي الزيادة لأجل الكسور، فإنه إذا كان كاملًا خير من أن يكون ناقصًا، على أن المقام مقام الاحتياط، فيؤخذ بالأول، ووفَّق بعض علمائنا بين القولين في مقدار الصاع، وجعل الخلاف ليس بحقيقي، فقال من قال: إنه خمسة أرطال... إلخ؛ فمراده بالرطل رطل المدينة: وهو ثلاثون إستارًا، ورطل العراق: عشرون إستارًا، فيكون المجموع على القولين مئة وستين إستارًا، والإستار: ستة دراهم ونصف، وقال بعضهم: الاختلاف بينهم ثابت بالحقيقة، والإستار؛ بكسر الهمزة: أربعة مثاقيل ونصف، كذا في «شرح الوقاية» معزوًّا (١) لـ «الينابيع».

[حديث أبي سلمة: دخلت أنا وأخو عائشة]

٢٥١ - وبه قال: (حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية بالإفراد (عبد الله بن محمَّد)؛ هو الجعفي الُمسندي؛ بضمِّ الميم من ذرية الجعفي الذي أسلم جد البخاري المغيرة على يديه (قال: حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (عبد الصمد)؛ هو ابن عبد الوارث التنوري (قال: حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (شعبة)؛ هو ابن الحجاج (قال: حدثني)؛ بالإفراد (أبو بكر بن حفص)؛ هو ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو مشهور بالكنية، وقيل: اسمه عبد الله (قال: سمعت أبا سَلَمَة)؛ هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ابن أخت عائشة من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم أخت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعائشة خالته (يقول)؛ أي: أبو سَلَمَة، والجملة محلها النصب على الحال، هذا هو الصحيح؛ لأنَّ (سمعت) لا يتعدَّى إلا إلى مفعول واحد، وعلى قول من يقول يتعدى إلى مفعولين؛ منهم: الفارسي؛ يكون في محل النصب على أنها مفعول ثان، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» : (دخلت أنا وأخو عائشة) رضي الله عنها؛ أي: من الرضاعة، وهو عبد الله بن يزيد البصري، كما عند مسلم في (الجنائز)، واختاره النووي، وقيل: هو: كثير بن عبيد الكوفي كما في «الأدب المفرد» للمؤلف، و «سنن أبي داود»، وأما قول الداودي: إنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وقول الآخرين: إنه الطفيل بن عبد الله؛ فإنه أخوها لأمها، فقال صاحب «عمدة القاري» : (قيل: إنه وهم وغير صحيح، والدليل على فساد هذين القولين: ما رواه مسلم من طريق معاذ، والنسائي من طريق خالد بن الحارث، وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون؛ كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة) انتهى وتبعه ابن حجر، والقسطلاني، والعجلوني، لكن قال إمام الشارحين في «عمدة القاري» : (ثم الذي ادَّعى أنه عبد الله بن يزيد استدلَّ بما روى مسلم في (الجنائز) عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد، والظاهر أنه لم يتعين، والأقرب أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ولا يلزم من رواية مسلم وغيره أن يتعين عبد الله بن يزيد؛ لأنَّ الذي سألها عن غسل رسول الله عليه السلام لا يتعين أن يكون هو الذي روى عنه أبو قلابة في «الجنائز») انتهى.

قلت: على أن عبد الرحمن أعم؛ لأنَّه أخوها من النسب والرضاعة، وظاهر حديث الباب يدل عليه؛ لأنَّه المشهور بالأخوَّة لها، والذي استدل بأنه كثير بن عبيد فاستدل بما رواه المؤلف في «الأدب المفرد»، وأبو داود في «السنن»؛ كلاهما عن أبي قلابة عن كثير بن عبيد، وهذا يدل على أنه لا يتعين؛ لأنَّه لا يلزم من روايتهما أن يتعين كثير بن عبيد؛ لأنَّ الذي سألها عن غسله عليه السلام لا يتعين أن يكون هو الذي روى عنه أبو قلابة في (الصَّلاة)، فالظاهر أنه لم يتعين واحد منهم، بل يحتمل كل واحد منهم، والظاهر أنه عبد الرحمن بن أبي بكر؛ لأنَّه هو الأخ الحقيقي من النسب والرضاعة، وحديث الباب يدل عليه؛ فليحفظ.

قال في «عمدة القاري» : وقوله: «وأخو عائشة» عطف على الضمير المرفوع المتصل بعد التوكيد بضمير منفصل، وهو قوله: (أنا)، وهذه هي القاعدة؛ لأنَّه لا يحسن العطف على الضمير المتصل بارزًا كان أو مستترًا إلا بعد توكيده بضمير منفصل؛ نحو: {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [الأنبياء: ٥٤]) انتهى؛ فليحفظ.

(على عائشة)؛ الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، (فسألها أخوها)؛ أي: عبد الرحمن، أو غيره على ما مر (عن غُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة، وفي بعض الأصول بفتحها (النبيُّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: من الجنابة، وعن بيان كيفيته، (فدعت)؛ أي: عائشة (بإناءٍ نحو)؛ بالجر والتنوين في (نحو)؛ لأنَّه صفة (إناء)، وفي رواية كريمة: (نحوًا)؛ بالنصب، فيحتمل وجهين؛ أحدهما: كون موصوفه منصوب المحل؛ لأنَّه مفعول قوله: (فدعت)، والثاني: بإضمار (أعني)، ونحوه، كذا قاله في «عمدة القاري».

قلت: وعلى الأول: فيكون نعتًا للمجرور باعتبار المحل، فإن المعنى: طلبت إناء نحوًا، وعلى الثاني: فيكون مفعولًا لفعل محذوف، وزعم العجلوني: أن الثاني أولى.

قلت: هو غير ظاهر، فإنه لا أولوية لأحدهما، بل الوجهان على حد سواء في ظهور المعنى على أنه يقال: الوجه الأول أولى؛ لأنَّه في الحقيقة مفعول فعل مذكور، والوجه الثاني فعله مقدر، وإذا دار الأمر بين الظاهر والمقدر؛ فالظاهر هو الأولى، كما لا يخفى؛ فافهم.

(من صاع)؛ أي: قريبًا من الصاع لما سيأتي في تفسيره بذلك، (فاغتسلت)؛ أي: عائشة، (وأفاضت) أي: أسالت الماء (على رأسها) وهذه الجملة كالتفسير لقوله: (فاغتسلت) (وبيننا وبينها حجاب)؛ أي: ستر، والجملة وقعت حالًا.

قال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أنهما رأيا (٢) عملها في رأسها وأعالي جسدها؛ مما يحل للمَحرَم نظره من ذات الرحم، ولولا أنهما شاهدا ذلك كله في ستر، كله في ستر عنهما؛ لرجع الحال إلى وصف أيهما، وإنما فعلت الستر؛ لئلا يرى أسافل البدن، وما لا يحل للمحرم النظر إليها، وفي فعلها هذا دلالة على استحباب التعلم بالفعل، فإنه أوقع في النفس من القول، وأدل عليه، كذا في «عمدة القاري».

وزعم ابن حجر أنه لما كان السؤال محتملًا للكيفية والكمية؛ بينت لهما ما يدل على الأمرين معًا؛ أما الكيفية؛ فبالإقتصار على إفاضة الماء، وأما الكمية؛ فبالاكتفاء بالصاع.

ورده صاحب «عمدة القاري»، فقال: (قلت: لا نسلم أن السؤال عن الكمية أيضًا، ولئن سلم؛ فلم يتبين إلا الكيفية؛ لأنَّها طلبت إناء ما مثل صاع، فيحتمل أن يكون ذلك الماء ملء الإناء أو أقل منه) انتهى.

قلت: وهو ظاهر، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.


(١) في الأصل: (معزيًّا)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (رأى)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>