للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حمرة الدم على الماء)، وعنده من حديث عائشة: (أن سهلة بنت سهل استحيضت، فأتت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك؛ أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح)، وعنده من حديث عائشة أيضًا قالت: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرت أن تعجل العصر، وتؤخر الظهر، وتغتسل لهما غسلًا، وأن تؤخر المغرب، وتعجل العشاء، وتغتسل لهما، وتغتسل لصلاة الصبح)، وعنده من حديث عائشة: (المستحاضة تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها)، وفي لفظ: (فاجتنبي الصَّلاة إثر محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير)، وعند أبي عوانة الإسفراينيِّ: (فإذا ذهب قدرها؛ فاغسلي عنك الدم)، وعند الترمذي مصححًا: (توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)، وعند الإسماعيلي: (فإذا أقبلت الحيضة؛ فلتدع الصَّلاة، وإذا أدبرت؛ فلتغتسل ولتتوضأ لكل صلاة)، وعند الحافظ الطحاوي مرفوعًا: (فاغتسلي لطهرك، وتوضئي عند كل صلاة)، وعند الدارمي: (فإذا ذهب قدرها؛ فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلِّي).

قال هشام: (وكان أبي يقول: تغتسل غسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك؛ فإنها تطهر وتصلي)، وعند أحمد: (اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وصلي)، وقال الشافعي: ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ ولو كان محفوظًا؛ لكان أحب إلينا من القياس.

وفي «التمهيد» رواه أبو حنيفة الإمام الأعظم عن هشام مرفوعًا، كرواية يحيى عن هشام سواء قال فيه: (وتوضئي لكل صلاة)، وكذلك رواه حمَّاد بن سَلَمَة عن هشام مثله، وقال حمَّاد في هشام: (ثقة ثبت).

وروى سبط ابن الجوزي عن الإمام الأعظم أنه عليه السلام قال: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة»، وفي «شرح مختصر الحافظ الطحاوي» : روي عن الإمام الأعظم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «توضئي لوقت كل صلاة»، فالوضوء محفوظ في الروايات، وهذا محكم لا يحتمل غيره بالنسبة إلى كل صلاة بخلاف: (توضئي لكل صلاة)، فإن لفظ (الصَّلاة) شاع استعمالها في لسان الشرع والعرف في وقتها؛ فمن الأول: قوله عليه السلام: «إن للصلاة أوَّلًا وآخرًا»؛ أي: لوقتها، فوجب حمل (توضئي لكل صلاة) على المحكم؛ لأنَّ اللام للوقت؛ كما في قوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨]؛ أي: زوالها، فكان ما رواه الشافعي نصًّا محتملًا للتأويل، وما رواه الإمام الأعظم مفسر لا يحتمل التأويل، فيترجح عليه كما عرف في موضعه، على أن الحفاظ اتفقوا على ضعف ما رواه الشافعي؛ كذا حكاه النووي في «المهذب»، وباقي أصحاب الأعذار في حكم المستحاضة، فالدليل يشملهم.

قال في «عمدة القاري» : ووطء المستحاضة جائز في حال جريان الدم عند جمهور العلماء، وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، وحكاه ابن المُنْذِر عن ابن عباس، وابن المسيب، والحسن، وعطاء، وسَعِيْد بن جبير، وقتادة، وحمَّاد بن سليمان، والأوزاعيِّ، والثوري، ومالك، وإسحاق، وأبي ((١)) ثور، والشافعيِّ، والمزنيِّ، تعلقوا بما في كتاب أبي داود بسند جيد: (أنَّ حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يأتيها).

قال ابن المُنْذِر: وروِّينا عن عائشة أنها قالت: (لا يأتيها زوجها)، وبه قال النخعيُّ، والحكم، وسليمان بن يسار، والزُّهْرِيُّ، والشعبيُّ، وابن عُليَّة، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية: (لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت)، وقال أئمتنا الأعلام: ودم الاستحاضة كرعاف لا يمنع الصوم، ولا الصَّلاة ولو نفلًا، ولا الوطء وإن لزم منه تلطخ بالدم، ولا قراءة القرآن، ولا مس المصحف، ولا دخول المسجد، ولا الطواف إذا أمنت من اللوث؛ كذا في «شرح النقاية» للقهستانيِّ عن «الخزانة». وقال منصور: تصوم ولا يأتيها زوجها، ولا تمس المصحف، وتصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل، وقال الإمام الأعظم: طهارتها مقدرة بالوقت، وتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض والنوافل، وهو محكيٌّ عن الثوريِّ، وعروة، وأبي ثور، ورواية عن أحمد.

وقال الشافعيُّ: لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة ومقضية، وفي وجه له: لا يستبيح النافلة أصلًا.

وقال مالك وربيعة وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء، فإذا تطهرت؛ فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت إلا أن تحدث بغير الاستحاضة.

وقال صاحب «عمدة القاري» : ويصح وضوءها لفريضة قبل دخول وقتها خلافًا للشافعيِّ، ولا يجب عليها اغتسال لشيء من الصلوات، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبه قال جمهور العلماء، وهو مذهب الإمام الأعظم، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وهو قول عروة، وأبي سَلَمَة، ومالك، وأحمد، وروي عن ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وابن الزبير أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل كل يوم غسلًا واحدًا، وعن ابن المسيب والحسن: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر، انتهى.

فائدة: ذكر إمام الشارحين: أنه كان في زمنه عليه السلام جماعة من النساء مستحاضات؛ منهنَّ: أم حبيبة بنت جحش، وسيأتي حديثها، وزينب أم المؤمنين، وأسماء أخت ميمونة لأمها، وفاطمة بنت أبي حبيش، وحمنة بنت جحش ذكرها أبو داود، وسهلة بنت سهل ذكرها أيضًا، وكذا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن حسين، وزينب بنت أم سَلَمَة ذكرها الإسماعيلي في جمعه لحديث يحيى بن أبي كثير، وأسماء بنت مرشد الحارثيَّة ذكرها البيهقي، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن الأثير قال: (قلت: هي الثقفية ((٢)) التي قال عنها هيت المخنث: تقبل بأربع وتذهب بثمان، تزوجها عبد الرحمن بن عوف، وأبوها أسلم، وتحته عشرنسوة) انتهى، والله تعالى أعلم.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة؛ لأنَّه في حكم الاستحاضة، ومرَّ هذا الحديث في باب (غسل الدم)، وصرَّح به بالاستحاضة، وذلك في رواية أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله؛ إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصَّلاة؟ ... ؛ الحديث؛ كذا في «عمدة القاري»، والله تعالى الهادي، وعليه توكلي واعتمادي.

(٩) [باب غسل دم المحيض]

هذا (باب) بيان (غَسل) بفتح الغين المعجمة (دم الحيض) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية: (المحيض) بالميم، وفي أخرى: (الحائض)، وقد ذكر في كتاب (الوضوء)، باب (غسل الدم)، وهو أعم من هذه الترجمة، كما لا يخفى.

[حديث: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه]

٣٠٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التنيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن هشام) زاد الأصيلي: (ابن عروة)؛ هو ابن الزبير، (عن فاطمة بنت المُنْذِر)؛ هو ابن الزبير بن العوام زوجة هشام المذكور وابنة عمه، (عن أسماء بنت أبي بكر الصديق) رضي الله عنهما، وفي رواية سقط لفظ (الصديق)، وهي جدة فاطمة وزوجها لأبويهما المعروفة بذات النطاقين أم عبد الله بن الزبير، وهي آخر المهاجرات وفاة، توفيت في جمادى الأول، سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد ابنها عبد الله بأيام، بلغت مئة سنة، لم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل رضي الله عنها (أنها قالت) أي: أسماء: (سألت امرأةٌ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) والمرأة السائلة هي أسماء بنت يزيد التي يقال لها: خطيبة النساء، وقيل: هي أسماء بنت مَشكَل؛ بفتحتين، قال جماعة من المحدثين: والأولى هي الصواب، وقواه النووي واعتمده، وما قيل: إنَّها أسماء بنت أبي بكر المذكورة، وأبهمت نفسها لغرض؛ فقد ردَّه النووي، وقدمنا أنَّها لو كانت هي السائلة؛ لم تبهم نفسها؛ لأنَّه لا عذر لها، ولا غرض فيه، بل التصريح أشرف وأحسن لها، لا يقال: إن الحياء منعها من التصريح؛ لأنَّا نقول: هذا حكم شرعي، والنَّبيُّ الأعظم عليه السلام نهى عن الحياء في الأحكام الشرعية والسؤال عنها، ولهذا إنَّ أم سليم لما أتته تسأله قالت: إن الله لا


(١) في الأصل: (وأبو).
(٢) في الأصل: (الثقيفة)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>