للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: إشارة الحاكم إلى الصلح على جهة الإرشاد، وههنا وقع الصلح على الإقرار المتفق عليه؛ لأنَّ نزاعهما لم يكن في الدَّين، وإنَّما كان في التقاضي، وأمّا الصلح على الإنكار؛ فأجازه الإمام الأعظم وكذا مالك بن أنس، وهو قول الحسن وغيره، ومنعه محمَّد بن إدريس، وبه قال ابن أبي ليلى.

وفيه: الملازمة في الاقتضاء، وفيه: الشفاعة إلى صاحب الحق والإصلاح بين الخصوم وحُسن التوسط بينهم، وفيه: قبول الشفاعة في غير معصية، وفيه: إسبال الستور عند الحجرة) انتهى.

وقال ابن بطال: (وفيه: المخاصمة في المسجد في الحقوق والمطالبة، وفيه: الحض على الوضع عن المعسر والقضاء بالصلح إذا رآه صلاحًا، والحكم عليه بالصلح إذا كان فيه صلاح له؛ لقوله: «قم فاقضه») انتهى.

(٧٢) [باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان]

هذا (باب) بيان فضل (كَنس المسجد)؛ بفتح الكاف، مصدر كَنَسَ؛ كـ (نَصَرَ) : إزالة الكُناسة -بالضم- وهي القمامة منه، قال الدماميني: (نبه به على مشروعية مثل هذا ولا يتخيل أنَّه ترفُّه للمصلين واشتغال بالدنيا وزينتها) انتهى، قلت: يعني: أنَّه نبَّه بهذا على أنَّه يستحب تنظيف محل الصلاة كالمسجد ونحوه التي هي أفضل العبادة ومناجاة الرب عز وجل، فيكون على أكمل الحالات وأحسن الهيئات، (والتقاط الخِرَق)؛ بكسر الخاء المعجمة، وفتح الرَّاء: جمع خِرْقَة -كسِدْرَة وسِدَر- وهي قطع الثوب البالي الممتهن، قال إمام الشَّارحين: (والالتقاط هو أن تعثر على الشيء من غير قصد وطلب) انتهى.

واعترضه العجلوني (بأنَّه لم يعثر عليه في اللُّغة، لكنه قد يوافق الاصطلاحي، واستند لما في «القاموس» : الالتقاط: مصدر التقط؛ وهو أخذ الشيء من الأرض) انتهى.

قلت: وهذا كلام بارد من ذهن شارد، فإنَّه لا يلزم من عدم اطلاعه (١) عدم اطلاع غيره عليه لاسيما وقد أثبته مثل هذا الإمام فلا ينبغي القول بعدم وجوده؛ لأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، والمُثبِت مقدَّم على النافي، على أنَّه ما ذكره عن «القاموس» غير صحيح؛ لأنَّ عبارة «القاموس» هكذا: (لقطه: أخذه من الأرض...) إلى أن قال: (والتقطه: عثر عليه من غير طلب) ثم قال: (واللُّقاطة (٢)؛ بالضم: ما كان ساقطًا مما لا قيمة له) انتهى، ومثله في «مختار الصِّحاح»، وزاد فيه: (من باب «نصر») انتهى، فهذا كما رأيت يوافق ما قاله إمام الشَّارحين، ويخالف ما زعمه شيخ عجلون، وكأنَّه لم يفهم عبارة «القاموس» حتى قال هذا الكلام، أو أنَّ نسخته غير مصححة، ويلزمه النقل عن نسخة صحيحة، ثم إنْ كان فيه كلام؛ يتكلم، وإلا فما بلغ رتبة هذا أن يتكلم على إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(و) التقاط (القَذَى) كذا في رواية الأربعة، وفي رواية غيرهم تأخيره عن قوله: (العيدان)، و (القَذَى)؛ بفتح القاف والذَّال المعجمة: جمع قذاة، وجمع الجمع: أقذية، قال الجوهري: (القذى في العين والشراب: ما يسقط فيه)، قلت: المراد منه ههنا: كِسر الأخشاب، والقش ونحو ذلك، قاله إمامنا الشَّارح رضي الله عنه، قلت: فالمراد به هنا: كل ما يسقط في البيت ونحوه إذا كان يسيرًا، كالقش وكسر الخشب ونحوها، (والعِيدان)؛ بكسر العين المهملة: جمع عُود؛ بالضم، فقلبت الواو ياء في الجمع؛ لانكسار ما قبلها، ويجمع أيضًا على أعواد، والمراد به: أعواد الخشب والشجر ونحوها، وقوله: (منه) ثابت في رواية الأصيلي ساقط عند غيره، ولكن يُقدَّر فيه، وهو يتعلق بـ (الالتقاط)، وعطف الالتقاط وما بعده على ما قبله من عطف الخاص على العام؛ لأنَّ الكنس أعم من الالتقاط؛ لأنَّه يزيل الخرق والقذى والعيدان، وكذا التراب ونحوه، فهو أعم كما لا يخفى، ووهم العجلوني تبعًا لابن حجر في «المنحة»، فزعم أنه من عطف العام على الخاص، ووجه الوهم ما ذكرناه؛ فافهم.

[حديث: أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره]

٤٥٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا سليمان بن حرب)؛ ضد الصلح، هو البصري الأزدي القاضي بمكة، الواشحي؛ بمعجمة فمهملة؛ نسبة إلى واشح؛ بطن من الأزد، (قال: حدثنا حمَّاد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الحمصي البصري، (عن ثابت) هو أبو محمَّد البناني البصري، قال بكر بن عبد الله: (من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت، يظل يراوح بين قدميه وجبهته)، وكان يقوم الليل خمسين سنة رحمه الله تعالى، (عن أبي رافع) هو نُفَيْع؛ بِضَمِّ النُّون، وفتح الفاء، وسكون التحتية، الصائغ التَّابعي الكبير، قال إمام الشَّارحين: ولقد وهم من قال إن أبا رافع صحابي وقال: وهو رواية صحابي عن صحابي، وليس كما قاله، فإن ثابتًا البناني لم يدرك أبا رافع الصَّحابي، انتهى، قلت: فإن أبا رافع الصَّحابي مولى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، واختلف في اسمه فقيل: إبراهيم، وقيل: أسلم، قاله في «الاستيعاب»؛ فافهم، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصَّحابي الجليل رضي الله عنه: (أنَّ) بفتح الهمزة (رجلًا أسود أو امرأة سوداء) كلمة (أو) فيه للشك.

قال إمام الشَّارحين: (الشك فيه إمَّا من ثابت أو من أبي رافع، ولكن الظَّاهر أنَّه من ثابت؛ لأنَّه رواه عنه جماعة هكذا، وأخرج البخاري أيضًا عن حمَّاد بهذا الإسناد قال: «ولا أراه إلا امرأة»، وأخرجه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، فقال: «امرأة سوداء» من غير شك، ووقع في رواية البيهقي من حديث ابن بريدة عن أبيه: أن اسم المرأة أم محجن) انتهى كلامه، قلت: وحديث ابن بريدة سنده حسن، ورواية ابن خزيمة تعيَّن أنَّ الشك من ثابت، وبه جزم أبو الشيخ في كتاب «الصلاة» بسند مرسل، فالأرجح أنَّ الشك من ثابت؛ فليحفظ.

قال ابن حجر: فإن كان محفوظًا؛ فهذا اسمها، وكنيتها أم محجن، انتهى، قلت: لاشك أن كون اسمها أم محجن؛ لأنَّه رواه البيهقي بسند حسن هكذا كما رأيت، ولا ريب أنَّه هو المحفوظ.

وفي «المنحة» : (اسمها أم محجن، وقيل: محجنة، وأما الرجل؛ فلم يُسمَّ) انتهى، قلت: وعلى هذا فاسمها محجنة، وكنيتها أم محجن؛ فتأمل.

وذكر ابن منده في الصَّحابة: خرقاء: امرأة كانت تَقُم المسجد، انتهى، قلت: يحتمل أنَّ هذه المرأة غيرها، وأن اللاتي (٣) يقمن المسجد غير واحدة؛ لأنَّ مرادهن الثواب والفضل، فكل واحدة تباشر يومًا، والله أعلم.

وزعم في «المنحة» تبعًا للكرماني أنَّ الشك من أبي هريرة، قلت: وهو بعيد عن النَّظر، ويدل عليه ما أخرجه ابن خزيمة الذي ذكره قريبًا إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(كان) أو كانت (يقُم)؛ بِضَمِّ القاف، من قمَّ الشيء يقُمُّ قمًّا، من باب (نَصَرَ ينْصُر)؛ ومعناه: كنس (المسجد)؛ أي: النَّبوي من القُمامة؛ بالضم، وهي الزبالة، وقال إمام الشَّارحين: القمامة؛ بالضم: الكناسة، قاله ابن سيده، وقال اللحياني: قمامة البيت ما كسح منه فألقى بعضه على بعض، وهي لغة حجازية، والمِقمَّة؛ بكسر الميم: المكنسة، وفي «الصِّحاح» : والجمع: القمام.

وتقديرنا: (أو كانت) هو المناسب لسابقه أو يجعل اسم (كان) ضمير المذكور أو الشخص؛


(١) في الأصل: (اضطلاعه)، وكذا في الموضع اللاحق.
(٢) في الأصل: (والالتقاطة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (التن)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>