للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «كان يقم المسجد»؛ أي: يكنسه، فإن قلت: و «التقاط الخرق...» إلى آخره من جملة التَّرجمة، وليس في الحديث ما يدل عليه، قلت: أجاب الكرماني: بأنه لعل البخاري حمله بالقياس على الكنس والجامع بينهما التنظيف) انتهى.

قلت: ويدل عليه أنَّ الكنس أعم من التقاط الخرق ونحوها، والتكنيس يستلزم التقاط الخرق؛ لأنَّه إذا كنس التراب والقشَّ؛ فبالأولى أن يكنس الخرق؛ فافهم.

وأجاب ابن حجر، فزعم أنَّ الذي يظهر من تصرف البخاري أنَّه أشار بكل ذلك إلى ما وَرَد في بعض طرقه صريحًا، ففي طريق العلاء المتقدم: (كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد)، وفي حديث بريدة المتقدم: (كانت مولعة بلقط الأذى من المسجد)، ثم زعم وتكلف من لم يطلع (١) على ذلك، فزعم أنَّه يؤخذ من إتيان النَّبيِّ القبرَ حتى صلى عليه، فيؤخذ من ذلك الترغيب في تنظيف المسجد، انتهى.

قلت: وهذا كلام صادر من غير تأمل؛ لأنَّه كيف يترجم المؤلف بشيء، ويشير في ترجمته إلى طريق لم يذكره هو تحت ترجمته ولا في بابه، وهذا من أبعد البعيد؛ لأنَّه لو كان مراده الإشارة إليه؛ لكان يضعه في الباب تحت تلك التَّرجمة.

فإن قلت: عدم ذكره له؛ لكونه غير موافق لشرطه؛

قلت: إذا كان غير موافق لشرطه؛ يكون غير محتج به، ولا يصلح دليلًا لما ترجم له، ولهذا ترك ذكره وإنما أراد بقوله: (والتقاط الخرق) بالقياس على الكنس؛ لأنَّ كلًّا منهما المراد به: التنظيف، ولأنَّ الكنس أعم وأشمل.

وقوله: (وتكلف...) إلخ؛ مراده به: ابن بطال الشَّارح؛ لأنَّه ذكره في «شرحه»، وسنذكر عبارته، وهو غير تكلف (٢)، فإنَّ صلاته عليه السَّلام على قبره؛ إكرامًا وتعظيمًا له؛ حيث إنَّه كان ينظف المسجد، فيؤخذ منه الترغيب في تنظيف المسجد، ويدل عليه أنَّه عليه السَّلام سأل عنه ولم يسأل عن غيره من الناس ممن دُفن ولم يعلم به، وإن علم بدفن أحد؛ لم ينقل أنَّه صلَّى عليه، ولم يقل لهم: (أفلا آذنتموني به)، فسؤاله عليه السَّلام وصلاته عليه إنَّما كان لأجل كونه كان يكنس المسجد، وينظفه فجعل ذلك إكرامًا له وتعظيمًا؛ فافهم، ولا تغتر بعصبية ابن حجر، فإنَّه مشهور.

(فمات)؛ أي: الرجل، أي: أو ماتت المرأة، (فسأل النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم عنه)؛ أي: أو عنها؛ أي: عن حاله أو حالها، ومفعول (سأل) محذوف؛ أي: سأل الناس عنه، (فقالوا)؛ أي: الناس؛ يعني: الصَّحابة (مات)؛ أي: أو ماتت، وفي «عمدة القاري» : وفي رواية البيهقي: أنَّ الذي أجاب النَّبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، انتهى، قلت: لكن يعكر عليه قوله ههنا: (فقالوا)؛ بصيغة الجمع الذكور، إلا أن يقال: إنَّهم اشتركوا في الجواب، ونص على أبي بكر؛ لكونه أفضل الصَّحابة وأعظمهم منزلة؛ فتأمل.

(قال) : ولأبوي ذر والوقت: (فقال)؛ بالفاء؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (أفلا) : الهمزة إما مقدمة من تأخير؛ لدلالة الآتي عليه، أو في محلها، لكن قال إمام الشَّارحين: ولابد من مقدر بعد الهمزة، والتقدير: أدفنتم؟ (٣) فلا (كنتم آذنتموني)؟؛ بفتح الهمزة مع المد؛ أي: أعلمتموني (به) أو بها؛ أي: بموته أو بموتها حتى أصلي عليه، وعند المؤلف في (الجنائز) : (فحقروا شأنه)، ولابن خزيمة: (قالوا: مات من الليل، فكرهنا أن نوقظك).

وفي «عمدة القاري» : وإنما قال ذلك؛ لأنَّ صلاته عليه السَّلام عليهم رحمة ونور في قبورهم، على ما جاء في رواية مسلم: (أن امرأة أو شابًّا...)؛ الحديث، وزاد في آخره: «إنَّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنَّ الله ينورها لهم بصلاتي عليهم»، قيل: لم يخرِّج البخاري هذه الزيادة؛ لأنَّها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت، بيَّن ذلك غير واحد من أصحاب حمَّاد بن زيد.

قلت: قال البيهقي: الذي يغلب على القلب أن هذه الزيادة في غير رواية أبي رافع عن أبي هريرة (٤)، فإمَّا أن يكون عن ثابت عنه عليه السَّلام مرسلًا، كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه، أو عن ثابت، عن أنس، عنه عليه السَّلام، رواه غير حمَّاد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع فلم يذكرها، ووقع في «مسند أبي داود الطيالسي» عن ثابت بهذه الزيادة، وزاد بعدها: (فقال رجل من الأنصار: إن أبي أو أخي مات أو دفن؛ فصلِّ عليه، فانطلق معه عليه السَّلام...)؛ الحديث، انتهى.

(دلوني على قبره، أو قال: على قبرها) كلمة (أو) للشك، يحتمل من ثابت، ويحتمل من أبي رافع، والأظهر الأول كما سبق، (فأتى) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (قبره) ولابن عساكر: (قبرها)، (فصلى عليه) وفي رواية: (عليها)، وفي «صحيح ابن حبان» من حديث خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فلما وَرَد البقيع؛ إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: فلانة، فعرفها، وقال: «ألا آذنتموني بها، فإنَّ صلاتي عليها رحمة لها»، ثم أتى القبر فصفنا خلفه، فكبَّر عليه، انتهى.

قال صاحب «التلويح» : وهذا يحتاج إلى تأمل ونظر؛ لأنَّ يزيد قُتل باليمامة سنة ثنتي عشرة، وخارجة توفي سنة مئة أو أقل من ذلك، وسنه سبعون سنة، فلا يتجه سماعه منه بحال، كذا في «عمدة القاري».

قال ابن بطال: (وفي الحديث الحض على كنس المساجد، وتنظيفها؛ لأنَّه عليه السَّلام إنَّما خصه بالصلاة عليه بعد دفنه من أجل ذلك، وقد روي أنَّه عليه السَّلام كنس المسجد) انتهى، وسلمه إمام الشَّارحين، واعترضه ابن حجر تعصبًا بأنه تكلف، وقد سبق رده قريبًا، فلا تغفل.

وقال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: استحباب الإعلام بالموت.

وفيه: أن على الراوي التنبيه على شكه فيما رواه مشكوكًا.

وفيه: خدمة الصالحين، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وافتقاده.

وفيه: المكافأة بالدعاء والترحم على من وقف نفسه على نفع المسلمين ومصالحهم.

وفيه: الرغبة في شهود جنائز الصالحين.

وفيه: جواز الصلاة على القبر، وهي مسألة خلافية؛ فجوَّزها طائفة؛ منهم: علي، وأبو موسى، وابن عمر، وابن مسعود، وعائشة، وهو قول الأوزاعي، وإسحاق، وأحمد، والشَّافعي، ومنعها طائفة؛ منهم: النخعي، والحسن البصري، والثَّوري، وهو قول الإمام الأعظم أبي حنيفة، واللَّيث، ومالك، ومنهم من قال: إنَّما يجوز إذا لم يصلِّ الولي أو الوالي، ثم اختلف من قال بالجواز إلى كم يجوز؟ فقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يَبْلَ جسده، وقيل: أبدًا) انتهى.


(١) في الأصل: (يضطلع).
(٢) في الأصل: (تكليف)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (إذ دفنتم)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (رافع)، وهو سبق نظر.

<<  <   >  >>