للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى آخر الحديث السابق.

قال في «عمدة القاري» : وقوله: (بينا أيُّوب...) إلخ بدل من الضمير المنصوب في قوله: (ورواه إبراهيم)، وهذه الرواية موصولة أخرجها النسائي عن أحمد بن حفص، عن إبراهيم، وأخرجه الإسماعيلي أيضًا، ولما ذكره الحميدي قال عطاء تعليقًا عن أبي هريرة، ثم قال: (لم يزد؛ يعني: البخاري على هذا اللفظ من رواية عطاء، وقد أخرجه ولم يذكر اسم شيخه وأرسله، وقال الكرماني: (وإنما أخر الإسناد عن المتن لعل له طريقًا أخرى غير هذا الطريق تركها، وذكره تعليقًا لغرض من الأغراض التي للتعليق)، وقوله: (ورواه إبراهيم) إشعار بهذا الطريق الآخر، وهذا أيضًا تعليق؛ لأنَّ البخاري لم يدرك عصر إبراهيم، لكنه نوع آخر منها، فلا يكون فيه تأخير الإسناد، وكذا لو قلنا: (وعن أبي هريرة) من تتمة كلامهما؛ فلا يكون تأخيرًا أيضًا؛ لأنَّه يكون مذكورًا للتقوية والتأكيد، ثم إن المحدثين كثيرًا منهم يذكر الحديث أولًا، ثم يأتي بالإسناد، لكن

(٢١) [باب التستر في الغسل عند الناس]

هذا (باب) حكم (التَّستُّر) بفتح الفوقية الأولى، وضم الثانية مع التشديد (في الغُسل) بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: من الجنابة وغيرها (عن) وفي رواية: (عند)، وفي أخرى: (من) (الناس) قال العجلوني: (وهذا الباب يقابل الباب السابق) انتهى.

قلت: الباب السابق ذكر فيه بيان الغسل عريانًا وحده مطلقًا، كما أشار إليه حديث موسى، وحديث أيُّوب، وهذا الباب ذكر فيه بيان الغسل بالسترة في حضرة الناس، وحكم التستر في الغسل من الناس؛ لأنَّ ما ذكره في الباب الأول حكم شريعة موسى وغيره من عدم وجوب ستر العورة عن الناس، ويذكر هنا أن سترها واجب، إذا علمت هذا؛ ظهر لك وجه المناسبة بين البابين، وظهر لك فساد ما قاله العجلوني؛ فافهم.

[حديث: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل]

٢٨٠ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسَلَمَة)؛ بفتح الميم واللام، بينهما سين مهملة ساكنة، زاد ابن عساكر: (ابن قعنب)، (عن مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن أبي النَّضْر)؛ بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية (مولى عمر)؛ بدون الواو (بن عبيد الله)؛ بالتصغير، التابعي: (أن أبا مُرَّة)؛ بضمِّ الميم، وتشديد الراء (مولى أم هانئ)؛ بالنون وبهمزة في آخره، منونًا، زاد في رواية: (بنت أبي طالب)، وكنيت باسم ابنها، واسمها: فاختة، وقيل: عاتكة بالمهملة والفوقية، وقيل: فاطمة، وقيل: هند، وقيل: جمانة، وقيل: رملة، والأول هو المشهور، وهي أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خطبها النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: والله إني لأحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكني امرأة مصبية، فسكت رسول الله عليه السلام، أسلمت عام الفتح، وتقدم في باب (من قعد حيث ينتهي به المجلس) أن أبا مرة مولى عَقيل بن أبي طالب، وأجاب في «عمدة القاري» : (بأنه هو مولى أم هانئ، ولكن لشدة ملازمته وكثرة مصاحبته لعَقيل؛ نسب إليه، وقيل: كان مولى لهما) انتهى.

وزعم العجلوني بأن مولى أحد الفريقين قد يصير مولًى للآخر.

قلت: وهذا غير صحيح؛ لأنَّه إذا كان مولًى لأحدهما، كيف يكون مولًى للآخر؟ وما هذا إلا تناقض وخروج عن الدائرة؛ فافهم.

(أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب)؛ هو ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية ابنة عم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (تقول)؛ بالفوقية، جملة محلها النصب على الحال: (ذهبت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام الفتح)؛ أي: فتح مكة، وكان في رمضان سنة ثمان، (فوجدته) عليه السلام؛ بتاء المتكلم (يغتسل) جملة محلها النصب على أنها مفعول ثان لـ (وجدت)، واغتساله عليه السلام إنَّما كان عن جنابة كما هو الظاهر، وزعم العجلوني أنه لدخول مكة) انتهى.

قلت: هو يحتاج إلى دليل، وقرائن الأحوال تدل على أنه للجنابة؛ فافهم.

(وفاطمة)؛ أي: ابنته عليه السلام ورضي عنها (تَسْتُره)؛ بفتح الفوقية الأولى، وسكون المهملة، وضم الفوقية الثانية؛ أي: عن الناس، (فقال) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يغتسل: (من هذه؟) قال في «عمدة القاري» : (يدل على أن الستر كان كثيفًا وعرف أيضًا أنها امرأة؛ لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال) انتهى، وهذا يقتضي أنه كان بعد نزول آية الحجاب.

(قلت) وفي رواية: (فقلت)؛ بتاء المتكلم: (أنا أم هانئ) ولما اتبعت أنا بأم هانئ؛ زال الالتباس، فلا يقال: كيف قالت: (أنا)، وقد جاء النهي عنه؛ لأنا نقول: إنه محمول على ما إذا لم يذكر بعده ما يزيل الالتباس.

قال في «عمدة القاري» : وفي الحديث: دليل على وجوب الاستتار في الغسل عن أعين الناس، فكما لا يجوز لأحد أن يبدي عورته لأحد من غير ضرورة، فكذلك لا يجوز له أن ينظر إلى فرج أحد، وهذا قول الإمام الأعظم، ومالك، والثوري، والشافعي، واختلفوا إذا نزع مئزره، ودخل الحوض، وبدت عورته عند دخوله، فقال الإمام الأعظم، والثوري: (لا تسقط شهادته بذلك ويعذر به؛ لأنَّه لا يمكن التحرُّز عنه)، وقال مالك والشافعي: (تسقط شهادته).

وأجمع العلماء على أن للرجل أن يرى عورة أهله وترى عورته، وفيه ما قال النووي: فيه: دليل على جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه إذا كان يحول بينه وبينها ساتر من ثوب أو غيره) انتهى.

قلت: وفيه: المطابقة للترجمة، كما لا يخفى، والمراد بسقوط الإزار المذكور أنه إذا سقط من غير تعمُّد واستتر فورًا؛ لا إثم عليه، ولا ترد به شهادته، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والشافعي، والثوري، وقد نقل ابن بطال عن الشافعي: (أنه إذا بدت عورته عند دخول الحوض؛ ترد شهادته)، فاعترضه العجلوني بأن مذهب الشافعي: (أنه إذا سقط من غير تعمد واستتر فورًا؛ لا إثم عليه، ولا ترد شهادته)، والعجب من عدم اعتراضه كالكرماني عليه؛ فاعرفه.

قلت: لا عجب في عدم الاعتراض، فإنه ليس جميع المؤلفين مثلك في التعصب والتعنت، وما قاله ابن بطال وإن كان مطلقًا إلا أن المراد به التقييد المذكور؛ لأنَّه لو استتر فورًا وكان سقط إزاره من غير تعمد؛ لا يسع أحدًا أن يقول بتأثُّمه ورد شهادته، فالكرماني لا ريب أنه أعلم وأحرى للأحكام من هذا القائل؛ فاعرفه فافهم، والله أعلم.

[حديث: سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة]

٢٨١ - وبه قال: (حدثنا عبدان)؛ هو لقب عبد الله العتكي (قال: أخبرنا عبد الله)؛ هو ابن المبارك (قال: حدثنا)، وفي رواية: (أخبرنا) (سفيان)؛ هو الثوري، وقال الكرماني: (هو ابن عيينة)، وقدمنا في أول أبواب (الغسل) ما يرجح الأول، لا يقال: الالتباس في أحدهما يقدح في الحديث؛ لأنا نقول: لا قدح؛ لأنَّ كلًّا منهما على شرط المؤلف؛ فافهم، (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران، (عن سالم بن أبي الجَعْد) بفتح الجيم، وسكون العين المهملة، (عن كُريب) بضمِّ الكاف؛ مصغرًا، مولى ابن عباس، (عن ابن عباس)؛ هو عبد الله رضي الله عنهما، (عن) خالته (مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، أم المؤمنين بنت الحارث رضي الله عنها (قالت: سترت النبيَّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: بثوب (وهو يغتسل من الجنابة) جملة اسمية محلها النصب على الحال، وزعم العجلوني أن هذا الحديث مر في باب (من أفرغ بيمينه على شماله) بلفظ: (وسترته)، فالضمير فيه عائد إلى النبيِّ عليه السلام بدليل ما هنا من التصريح بقولها: (سترت النبيَّ عليه السلام)، وبه يظهر ما قلناه هناك من المناقشة مع الشراح؛ حيث جعلوه عائدًا على الإناء الذي دل عليه (غسلًا) المتقدم، والعجب منهم حيث غفلوا عما هنا أو أهملوه) انتهى.

قلت: حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء، فإن الشراح لم يغفلوا ولم يهملوه؛ لأنَّ لفظ الحديث هناك: (قالت ميمونة: وضعت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غسلًا وسترته)، زاد في باب (نفض اليدين بثوب)، والقاعدة: أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، فيتعين أن يكون الضمير عائدًا على الإناء الذي فيه الماء؛ لأنَّ قولها: (غُسلًا)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ الماء الذي يغتسل به؛ يعني:

<<  <   >  >>