للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هو بالمدِّ والياء المثناة التحتية، ورواه الباجي: (لولا أنَّه)؛ بالنُّون؛ يعني: لولا أنَّ معنى ما أحدثكم به في كتاب الله؛ ما حدثتكم، وفي «المطالع» : قول عثمان: (لولا أنَّه في كتاب الله)؛ بالنُّونفيرواية يحيى، وجماعة معه، وكذا لابن ماهان في «مسلم»، وعند ابن مصعب، وابن وهب، وآخرين من رواية «الموطأ» : (لولا آية)، وهي رواية الجلودي في «مسلم»، وبهذا ظهر بطلان قول ابن حجر: صحَّف بعض رواته (آية)، فجعلها (أنَّه)؛ بالنُّون المشددة، وبهاء الشأن؛ فافهم.

وقوله: (ما حدثتكموه) : جواب (لولا)، واللام محذوفة منه؛ ومعناه: لولا أنَّ الله تعالى أوجب على من علم علمًا إبلاغه؛ لما (١) كنت حريصًا على تحديثكم، ولما كنت مكترثًا (٢) بتحديثكم، (سمعت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقول) فالجملة محلها نصب على الحال: (لا يتوضأ)، وفي رواية: (لايتوضَّأنَّ)؛ بنون التوكيد الثقيلة (رجل) ومثله المرأة (فيحسن)، وفي رواية: بدون الفاء؛ أي: يحسن (وضوءه)؛ من الإحسان، ومعنى إحسان الوضوء: الإتيان به تامًّا بصفته، وآدابه، وتكميل سننه، وهو بالرفع عطف على قوله: (لا يتوضأ)، وكلمة الفاء هنا؛ بمعنى (ثم)؛ لأنَّ إحسان الوضوء ليس متأخِّرًا عن الوضوء حتى يعطف عليه بالفاء التعقيبية، وإنَّما موقعها موقع (ثم) التي هي لبيان المرتبة وشرفها، دلالة على أن الإحسان في الوضوء والإجادة فيه من محافظة السنن ومراعاة الآداب أفضل من أداء ما وجب مطلقًا، ولا شك أن الوضوء المحسنَ فيه أعلى رتبة من الغير المحسنِ فيه؛ فليحفظ.

(ويصلي الصلاة)؛ أي: المكتوبة، وفي رواية لمسلم: (فيصلي هذه الصلوات الخمس) (إلا غُفِر)؛ بضم الغين المعجمة، مبني للمفعول (له)؛ أي: لا يتوضأ رجل إلا رجل غفر له، فالمستثنى محذوف؛ لأنَّ الفعل لا يقع مستثنى، أو التقدير: لا يتوضَّأ رجل في حال إلا في حال المغفرة، فيكون الاستثناء من أعمِّ عام الأحوال (ما بينه وبين الصلاة)؛ أي: التي تليها، كما صرَّح به مسلم في رواية هشام بن عروة (حتى يصليها)؛ أي: يفرغ منها، ولفظة: (حتى) غاية لحصول (٣) المقدَّر العامل في الظرف؛ لأنَّ الغفران لا غاية له، وقال ابن حجر: (معناه: أن يشرع في الصلاة الثانية)، وردَّه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: وهذا معنى فاسد؛ لأنَّ قوله: «ما بينه وبين الصلاة» : يحتمل أن يراد به بين الشروع في الصلاة وبين الفراغ منها، ولمَّا كان المراد الفراغ منها؛ أشار عليه بقوله: «حتى يصليها»، ولهذا لم يكتف بقوله: «بين الصلاة»؛ لأنَّه لا يغني عن ذكر «حتى يصليها»؛ لما ذكرنا، انتهى، وتمامه في «كشف الحجاب عن العوام»، ثم قال في «عمدة القاري» : والمراد بهذا وأمثاله غفران الصغائر، كما سبق، وجاء في «مسلم» : «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها؛ إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة»، وفي الحديث الآخر: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر»، لا يقال: إذا كفَّر الوضوء؛ فماذا تكفِّر الصلاة؟! وإذا كفَّرت الصلاة؛ فماذا تكفِّر الجمعات ورمضان؟! وكذا صيام عرفة يكفِّر سنتين، ويوم عاشوراء كفَّارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأنَّا نقول: المراد: أنَّ كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفِّره من الصغائر؛ كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة؛ رجي أن يخفف من الكبائر، والله تعالى أعلم.

(قال عروة: الآية) : هي قوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا})، زاد في رواية: ({مِنَ البَيِّنَاتِ})، وفي رواية: ({مَا أَنزَلْنَا..} ... ؛ الآية)؛ أي: التي في سورة (البقرة) إلى قوله: {... اللَّاعِنُونَ}، كما صرَّح به مسلم، وقد روى مالك في «الموطأ» هذا الحديث عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية، فقال من نفسه: (٤) أراه يريد: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، والصواب: قول عروة؛ يعني: لئلَّا يتكل الناس، فكيف بالنهي عن الكتمان أوجب عليه الحديث؛ مخافة الكتمان؟! والآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب، ولكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فدخل فيها كل من علَّم علمًا تعبَّد اللهُ العبادَ بمعرفته، ولزمه من تبليغه ما لزم أهل الكتاب منه، ففيه: أن الفرض على العالم تبليغ ما عنده من العلم؛ لأنَّ الله تعالى قد توعَّد الذين يكتمون ما أنزل الله باللعنة، وظاهر الحديث: يدل على أن المغفرة المذكورة لا تحصل إلا بالوصف المذكور وإحسانه والصلاة، وفي «الصحيح» من حديث أبي هريرة: «إذا توضأ العبد المسلم؛ خرجت خطاياه»، ففيه: أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يفرغ من الوضوء نقيًّا من الذنوب، وليس فيه ذكر الصلاة؛ فيحتمل أن يحمل حديث أبي هريرة عليها، لكن يبعده أنَّ في رواية لمسلم في حديث عثمان: «وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة»، ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له ذلك عند الوضوء، وآخر عند تمام الوضوء، والله تعالى أعلم.

(٢٥) [باب الاستنثار في الوضوء]

هذا (باب) طلب (الاستنثار في الوضوء)، و (الاستنثار) : (استفعال) من النثر؛ بالنُّون والثاء المثلثة، والمراد به: الاستنشاق، كما مر، (ذكره)؛ أي: روى الاستنثار في الوضوء (عثمان)؛ أي: ابن عفان ثالث خلفاء النبي الأعظم عليه السلام، كما أخرجه المؤلف موصولًا في الباب الذي قبله، (و) رواه أيضًا (عبد الله بن زيد)؛ أي: ابن عاصم، لا صاحب الأذان، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (مسح الرأس كله)، كما سيأتي، (و) رواه أيضًا (ابن عباس)، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (غسل الوجه من غرفة)؛ كلهم (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، لكن ليس في حديث ابن عباس ذكر الاستنثار، وكأنَّ المؤلف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم موقوفًا: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا)، قاله ابن حجر، واعترضه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: ليس الأمر كما ذكره، بل في حديث ابن عباس الذي أخرجه المؤلف ذكر الاستنثار؛ فإنَّ أكثر الروايات فيه ذكر: (واستنثر) بدل (واستنشق)، وقوله: (وكأنَّه أشار...) إلخ، احتمال بعيد على ما لا يخفى، وحديث أبي داود أخرجه ابن ماجه أيضًا، وذكر الخلال عن أحمد أنَّه قال: في إسناده شيء؛ فافهم.

[حديث: من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر]

١٦١ - وبه قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح المهملة، وسكون الموحدة: هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) : هو ابن المبارك (قال: أخبرنا يونس) : هو ابن يزيد الأيلي، (عن الزهري) : محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس) : عائذ الله؛ بالهمزة، والذال المعجمة، ابن عبد الله الخولاني؛ بالمعجمة، التابعي القاضي بدمشق لمعاوية رضي الله عنهما، المتوفى بقرية داريا الكبرى من أعمال دمشق سنة ثمانين، وقبره معروف يزار ويتبرك به: (أنَّه سمع أبا هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم أنَّه قال) وسقط لفظ: (أنَّه) في رواية: (من توضأ) كلمة (من) : موصولة تتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في جوابه، وهو قوله: (فليستنثر)؛ أي: فليخرج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط، وغبار، ونحوه، وذلك لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى النفس الذي به التلاوة، وبإزالة ما


(١) في الأصل: (كما).
(٢) في الأصل: (متكثرًا)، ولعله تحريف عن المثبت.
(٣) في الأصل: (لحصل).
(٤) في الأصل:.

<<  <   >  >>