الخزرجي، المتوفى بالمدينة سنة ثمان، أو أربع، أو تسع وسبعين؛ وهو آخرهم موتًا بالمدينة، (قال وهو يحدث عن فترة الوحي)؛ أي: عن حال احتباس الوحي عن النزول: (فقال) النبي عليه السلام (في حديثه: بينا) أصله: (بين)، فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا؛ وهي ظرف زمان مقطوع عن الإضافة بالألف، (أنا أمشي)، وجواب (بينا) قوله: (إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري؛ فإذا الملك) جبريل (الذي جاءني بحراء جالس)؛ خبر المبتدأ، وهو الملك، ويجوز نصب (جالس) على الحال، ويكون خبر المبتدأ محذوفًا (على كرسي)؛ بضم الكاف وقد تكسر: ما يُجلس عليه من الأعواد، (بين السماء والأرض) ظرف محله الجر صفة لـ (كرسي).
(فرُعِبت)؛ بضم الراء وكسر العين المهملة: مبني للمفعول، وللأصيلي: (فرَعُبت)؛ بفتح الراء وضم العين؛ أي: فزعت (منه)؛ أي: من الملك جبريل، (فرجعت) إلى أهلي (فقلت) لهم: (زملوني زملوني) بالتكرار مرتين، ولكريمة: مرة واحدة، وفي رواية: (دثروني)، (فأنزل الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت: (عز وجل) : ({يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ}) [المدثر: ١]؛ أي: المتدثر وهو لابسُ الدثار؛ وهو الثوب الذي يلبس فوق القميص، قيل: إن التدثير والتزميل؛ بمعنى واحد، والظاهر أن بينهما فرقًا خفيفًا؛ فالتزمل: التلفف بالثوب، والتدثر: بسط الثوب عليه، فالفرق بين اللف والبسط؛ فليحفظ.
({قُمْ فَأَنذِرْ}) [المدثر: ٢] حذِّر من العذاب لمن لا يؤمن، ولا شك أنَّ الإنذار يكون عقب نزول الوحي؛ فليحفظ، (إلى قوله: {وَالرُّجْزَ})؛ أي: الأوثان، ({فَاهْجُرْ}) [المدثر: ٥]، وللأربعة: (الآية).
(فحَمِي)؛ بفتح الحاء المهملة وكسر الميم: أي: فكثر، (الوحي)؛ أي: نزوله، (وتتابع)، ولأبي ذر: (وتواتر)؛ وهما بمعنى واحد، قاله القسطلاني، قلت: ليس كما قال؛ فإن (التتابع) : ظهور الشيء وبعده الآخر وهكذا، و (التواتر) : ظهور الأشياء بعضها عقب بعض؛ بمهملة بفتح الميم؛ فليحفظ، وإنما لم يقتصر على قوله: فحمي؛ لأنَّه لا يفيد التواتر والتتابع.
(تابعه)؛ أي: تابع يحيى بن بكير في رواية الحديث عن الليث (عبد الله بن يوسف) التنيسي، (و) تابعه (أبو صالح) عبد الله كاتب الليث، أو عبد الغفار بن داود البكري الحرَّاني، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين، وكلاهما عن الليث، وروى عنهما المؤلف، قال القسطلاني: ووهم ابن حجر العسقلاني في «فتحه الباري»؛ حيث جعل القائل عبد الغفار، انتهى.
قلت:. . . .
(وتابعه)؛ أي: تابع عقيل بن خالد في هذا الحديث (هلال بن رداد)؛ بدالين مهملتين، الأولى مشددة الطائي، وليس له في الكتاب إلا هذا الموضع، (عن الزهري) محمد بن مسلم، (وقال يونس) بن يزيد الأَيْلي؛ بفتح الهمزة وسكون التحتية: التابعي، المتوفى سنة تسع وخمسين ومئة، (ومَعْمَر)؛ بفتح الميمين وسكون العين: أبو عروة بن أبي عمرو بن راشد الأزدي الحراني؛ مولاهم، المتوفى سنة أربع وخمسين ومئتين: (بَوادره)؛ بفتح الموحدة: جمع بادرة؛ وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق، تضطرب عند فزع الإنسان، فوافقا عقيلًا، إلَّا أنهما قالا بدل (يرجف فؤاده) : (ترجف بوادره)؛ وهما بمعنى واحد في المعنى؛ من حيث أنَّهما دالان على الفزع، ولأبي ذر وكريمة: (تواتر)، وهذا أول موضع ذكر المتابعة؛ وهي المشاركة في الرواية، فإن اتفقت رجال السند؛ تسمى: متابعة حقيقية تامة، وإن اختلفت الرجال؛ سميت: ناقصة، وقد تسمى: شاهدًا.
[حديث: كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة]
٥ - وبه قال: (حدثنا) ولأبي الوقت: (أخبرنا) (موسى) أبو سلمة (بن إسماعيل) المِنْقَري؛ بكسر الميم، وإسكان النون، وفتح القاف، المتوفى في سنة ثلاث وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة والنون: الوضاح بن عبد الله اليشكُري؛ بضم الكاف، المتوفى سنة ست وتسعين ومئة، (قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة)؛ أبو الحسن الكوفي الهمداني؛ بالميم الساكنة والدال المهملة، وأبو عائشة قيل: لا يُعرف اسمه؛ فتأمل.
(قال: حدثنا سعيد بن جُبير)؛ بضم الجيم، وفتح الموحدة، وسكون المثناة التحتية: ابن هشام الكوفي الأسدي، من التابعين الكاملين، قتله الحجاج بن يوسف صبرًا في شعبان سنة ست وتسعين، ولم يَقتل بعده أحدًا، بل لم يعش بعده إلَّا أيامًا قليلة؛ بسبب دعائه عليه، ورؤي في المنام الحجاج فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني الله بكل قتيل قتلة، إلَّا سعيد بن جبير؛ فإنِّي قتلت فيه مئة قتلة، رحمه الله تعالى.
(عن ابن عباس) رضي الله عنهما؛ عبدِ الله حبرِ هذه الأمة، وترجمانِ القرآن، أبي الخلفاء، وأحدِ العبادلة الأربعة، المتوفى بالطائف، سنة ثمان وستين، عن إحدى وسبعين سنة، في أيام ابن الزبير، (في قوله تعالى) وللأصيلي: (عز وجل) : ({لَا تُحَرِّكْ بِهِ})؛ أي: القرآن ({لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}) [القيامة: ١٦] (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل) القرآني (شدة)؛ مفعول (يعالج)، والجملة خبر (كان)، (وكان) عليه السلام (مما)؛ أي: ربما (يحرك)، زاد في رواية به: (شفتيه) بالتثنية، وكان يكثر من ذلك حتى لا ينسى، أو لحلاوة الوحي في لسانه، قال ابن جبير: (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما: (فأنا أحركهما)؛ أي: شفتي (لك)، وفي رواية: (لكم)، (كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما)، وإنما لم يقل: (كما رأيت) الآتي؛ لأنَّ ابن عباس لم يدرك ذلك، (وقال سعيد)؛ هو ابن جبير: (أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه)، وإنما قال ابن جبير: (كما رأيت ابن عباس)؛ لأنَّه رأى ذلك منه، بخلاف ابن عباس؛ فإنَّه لم يره؛ لأنَّ نزول آية القيامة سابق على مولده؛ لأنَّه قبل الهجرة بثلاث سنين، ونزول الآية في بدء الوحي، ويحتمل أنه أخبر ممن رآه، أو أنه عليه السلام أخبره بذلك.
وورد عند الطيالسي: أنَّ ابن عباس رأى النبيَّ يحركهما، وهذا الحديث يسمى: المسلسل بتحريك الشفة، لكنه لم يتصل تسلسله.
(فأنزل الله تعالى)، ولأبوي ذر والوقت: (عز وجل) : ({لَا تُحَرِّكْ}) يا محمد ({بِهِ})؛ أي: بالقرآن ({لِسَانَكَ}) قبل أن يتم وحيه ({لِتَعْجَلَ بِهِ}) [القيامة: ١٦]؛ أي: لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك، وفي رواية: (عجل به) من حبه إياه، ({إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}) في صدرك ({وقُرْآنَهُ}) [القيامة: ١٧]؛ أي: قراءته، فهو مصدر مضاف للمفعول، والفاعل محذوف، والأصل: وقراءتك إياه.
وما ذكره ابن حجر مأخوذ من «شرح الإمام الكرماني»؛ رده الإمام بدر الدين العيني، ويأتي في (التفسير) : أنه كان يحرك به لسانه وشفتيه، فجمع بينهما، وبه اندفع ذلك، (قال) ابن عباس: (جمَعَه)؛ بفتح الميم والعين (لك صدرُك) بالرفع على الفاعلية، وللأربعة: (جمعه الله في صدرك)، وهذا تفسير قوله: (جمْعه)؛ بسكون الميم، ولأبوي ذر والوقت: (جمْعُه لك صدرُك)؛ بسكون الميم وضم العين مصدرًا، ورفع راء (صدرُك) فاعل به، (و) قال ابن عباس في تفسير {قُرْآنَهُ}؛ أي: (تقرأَه)؛ بفتح الهمزة، وقال القاضي: إثبات قراءته في لسانك؛ وهو تعليل للنهي.
({فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}) بلسان جبريل عليك ({فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}) [القيامة: ١٨] وتفسيره، كما (قال) ابن عباس: (فاستمع له)؛ أي: لا تكون قراءتك مع قراءته، بل تابعة لها، (وأَنصت)؛ بهمزة القطع مفتوحة: من أنصت، وقد تكسر؛ من نصت إذا سكت؛ أي: تكون حال قراءتك ساكتًا.
({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}) [القيامة: ١٩] فسره ابن عباس بقوله: (ثم إن علينا أن تقرأه)، وفسره غيره: ببيان ما أشكل عليك من معانيه؛ وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب؛ كما في «البيضاوي»، وإنما قال عن وقت الخطاب؛ لأنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى العمل؛ لأنَّه تكليف بما لا يطاق؛ كما في «شيخ زاده».
(فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل)؛ ملك الوحي المفضل به على سائر الملائكة: (استمع، فإذا انطلق جبريل) عليه السلام، (قرأه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قرأ)، ولأبي ذر: (كما كان قرأ)، وفي رواية: (كما قرأه) بضمير المفعول؛ أي: القرآن، ولما كان النزول في رمضان جملة واحدة؛ شرع بذكر حديث تعاهد جبريل له في رمضان، في كل سنة فقال:
[حديث: كان رسول الله أجود الناس]
٦ - (حدثنا عبدان)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الموحدة، وفتح المهملة: لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومئتين، عن ست وسبعين سنة، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي، التميمي، مولاهم المروزي، تابع التابعين؛ وهو من أتباع الإمام الأعظم، توفي سنة إحدى وثمانين ومئة، (قال أخبرنا يونس) بن يزيد بن مشكان الأيلي، المتوفى سنة تسع وخمسين ومئة؛ كما مر، (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.
(قال) أي: المؤلف، وفي «الفرع» : (ح) مهملة مفردة في الخط، مقصورة في النطق؛ لأجل الجمع بين الإسنادين:
(وحدثنا بِشْر بن محمد)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة: المروزي السختياني، المتوفى سنة أربعٍ وعشرين ومئتين، (قال: أخبرنا عبد الله)؛ هو ابن المبارك الحنفي، (قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه)، ولأبوي ذر والوقت: (نحوه عن الزهري) يعني: أنَّ ابن المبارك حدث به عبدان عن يونس وحده، وحدث به بشر عن يونس ومعمر معًا.
(قال) أي: الزهري (أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بن عتبة؛ بضم العين المهملة، وسكون المثناة الفوقية، وفتح الموحدة: ابن مسعود، أحد الفقهاء السبعة، التابعي، المتوفى سنة تسع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس)، بنصب (أجود) خبر (كان)؛ أي: أجودهم على الإطلاق، (وكان أجود ما يكون) حال كونه (في رمضان) برفع أجود؛ اسم (كان) وخبرها محذوف وجوبًا.
وللأصيلي وأبي ذر: (أجود) بالنصب خبر (كان)، ولأبي ذر: (فكان أجود) بالفاء، وفيه إشارة إلى أن جوده عليه السلام في رمضان أكثر من جوده في غيره، (حين يلقاه جبريل) عليه السلام، (وكان) جبريل (يلقاه)؛ أي: النبي عليه السلام.
وجوز الإمام الكرماني أن يكون الضمير المرفوع لـ (النبي)، والمنصوب لـ (جبريل)، ورجح الأول: الإمام بدر الدين العيني؛ لقرينة قوله: (حين يلقاه جبريل) (في كل ليلة من رمضان)، مصدر رَمَضَ إذا احترق، ممنوع من الصرف للزيادة، (فيدارسه القرآن)، بالنصب مفعول ثان لـ (يدارسه)، والفاء عاطفة، وإنما يدارسه حتى يتقرر عنده ويرسخ؛ وهذا إنجاز وعده تعالى له في قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى} [الأعلى: ٦].
(فلرسول الله)؛ مبتدأ، خبره قوله: (أجود بالخير من الريح المرسلة)؛ أي: المطلقة، وعبر بـ (المرسلة)؛ إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، كما أنه عليه السلام دائم الجود، والفاء في (فلرسول) : للسببية، واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ؛ للتأكيد.
[حديث أبي سفيان: أنَّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش]
٧ - وبه قال: (حدثنا أبو اليمان)؛ بفتح المثناة وتخفيف الميم واسمه: (الحكم بن نافع)؛ بفتح الحاء المهملة والكاف: الحمصي البهراني، مولى امرأة بهراء، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومئتين، وللأصيلي وكريمة: (حدثنا الحكم بن نافع) (قال: حدثنا شعيب)؛ هو ابن أبي حمزة؛ بالحاء المهملة والزاي: دينار القرشي، الأموي مولاهم، أبو بشر، المتوفى سنة اثنين وستين ومئة.
(عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) رضي الله عنه، (أن)؛ بفتح الهمزة: (عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أخبره: أن)؛ بفتح الهمزة: (أبا سفيان)؛ بتثليث السين: يكنى أبا حنظلة، واسمه: صخر بالمهملة، ثم