للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدنة بالطواف قبل التطهُّر من النفاس والجنابة، وأما الحدث، فإن طاف طواف القدوم؛ فعليه صدقة.

وزعم الشافعية أنَّه لا يعتد به، والطهارة شرط له عندهم، وكذا الحكم في كل طواف، وهو تطوع، ولو طاف طواف الزيارة محدثًا؛ فعليه شاة، وإن كان جنبًا؛ فعليه بدنة، وكذا الحائض والنفساء.

وفيه: جواز البكاء والحزن لأجل حصول مانع للعبادة، وفيه: جواز التضحية ببقرة واحدة لجميع نسائه، وفيه: دليل على جواز تضحية الرجل لامرأته بدون إذن منها.

وزعم النووي أنه محمول على أنه عليه السلام استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: هذا في الواجب، وأما في التطوع؛ فلا يحتاج إلى الإذن، كما هو صريح حديث الباب.

وذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والشافعي: إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقرة؛ لحديث ساعة الجمعة، فإن فيه تقديم البدنة على البقرة، وهو يقتضي الأفضلية، وذهب مالك: إلى [أن] البقر أفضل من البدنة في التضحية؛ لحديث الباب، ورد بأن حديث الباب لا دلالة فيه على الأفضلية؛ لاحتمال أنه عليه السلام لم يجد يومئذٍ إلا البقر؛ فيتعين.

قال في «عمدة القاري» : (وهنا حديث طويل فيه أحكام كثيرة وخلافات بين العلماء وموضعها كتاب «الحج») انتهى، والله أعلم.

(٢) [باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله]

هذا (باب) حكم (غَسل)؛ بفتح الغين المعجمة (الحائض) ومثلها النفساء والجنبة (رأس زوجها وترجيلِه)؛ أي: وحكم ترجيل رأسِه، وهو بالجر عطف على (غسل) المجرور بالإضافة، وهو أيضًا بالجيم: تسريح شعر الرأس، وقال ابن السِّكِّيت: (شعر رجل)؛ بفتح الجيم وكسرها إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطًا تقول منه: رجل شعره ترجيلًا.

[حديث: كنت أرجل راس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حايض]

٢٩٥ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (مالك) هو ابن أنس الأصبحي، (عن هشام بن عُرْوة) بضمِّ العين المهملة، وسكون الواو، (عن أبيه) هو عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (قال: كنت أُرجِّل) بضمِّ الهمزة، وتشديد الجيم؛ أي: أسرح (رأس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) فيه إضمار؛ تقديره: كنت أرجل شعر رأس رسول الله عليه السلام؛ لأنَّ الترجيل للشعر لا للرأس، ويجوز أن يكون من باب إطلاق المحل، وإرادة الحال، كذا في «عمدة القاري» (وأنا حائض) : جملة اسمية وقعت حالًا، وفيه المطابقة للترجيل في الترجمة لـ (رأس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأما أمر الغسل؛ فلا مطابقة له، كذا قاله في «عمدة القاري».

وزعم ابن حجر أنه ألحق به الغسل قياسًا أو إشارة إلى الطرق الآتية في باب (الحيض)، فإنه صريح في ذلك.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: الوجهان اللذان ذكرهما هذا القائل لا وجه لهما أصلًا، أما الأول؛ فلأن وضع التراجم في الأبواب: هل هو حكم من الأحكام الشرعية حتى يقاس حكم منها على حكم آخر؟! وأما الثاني؛ فهو وضع لوجه ترجمة في باب، والإشارة إلى المترجم الذي وضع لها في الباب الثالث) انتهى.

وفي الحديث: جواز ترجيل الحائض شعر رأس زوجها، وفيه: جواز استخدام الزوجة برضاها وهو بالإجماع، وكذا لا خلاف لأحد في غسل الحائض رأس زوجها وترجيله إلا ما نقل عن ابن عباس: أنه دخل على خالته ميمونة رضي الله عنها فقالت: (إي بني؛ ما لي أراك شعث الرأس؟) فقال: إن أم عمار ترجلني وهي الآن حائض، فقالت: إي بني؛ ليست الحيضة باليد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائض)، ذكره ابن أبي شيبة في «مصنفه»، والله أعلم.

[حديث عروة: أخبرتني عائشة أنها كانت ترجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم]

٢٩٦ - وبه قال: (حدثنا إبراهيم بن موسى)؛ هو ابن يزيد التميمي الرازي أبو إسحاق الفراء، يعرف بالصغير، وكان أحمد ينكر على من يقول له: الصغير ويقول: هو كبير في العلم والجلالة (قال: حدثنا هشام بن يوسف) هو الصنعاني أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء، من أبناء الفرس وهو أكبر اليمانيين وأحفظهم وأتقنهم، مات سنة سبع وتسعين ومئة: (أن ابن جُرَيج)؛ بضمِّ الجيم، وفتح الراء، واسمه: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي القرشي الموصلي، رومي الأصل، أحد العلماء المشهورين، وهو أول من صنف في الإسلام في قول، وكانت كنيته أبو الوليد، أو أبو خالد، مات سنة خمسين ومئة، وهو جاوز السبعين (أخبرهم)؛ أي: أخبر هشام (١) بن يوسف وأصحابه (قال: أخبرني) بالإفراد، وفي رواية: (أخبرنا) (هشام) زاد في رواية: (ابن عروة)، ففيه أن ابن جريج يروي عن هشام، وهشام يروي عن ابن جريج، فالأعلى ابن عروة، والأدنى ابن يوسف، وهي لطيفة حسنة، (عن عروة) هو أبوه هو ابن الزبير بن العوام: (أنه)؛ أي: عروة (سُئِل)؛ بالبناء للمجهول: (أتخدمني الحائض؟) الهمزة فيه للاستفهام، ومثل الحائض النفساء والجنبة، ولم يُعرَف السائل، (أو تدنو) أي: تقرب (مني المرأة) حالة النوم، أو الأكل، أو اللبس، أو غير ذلك (وهي جنب) : جملة اسمية وقعت حالًا، ولفظ (جنب) يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع، وهي اللغة الفصيحة، كذا في «عمدة القاري»؛ لأنَّه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، (فقال عروة) : في جواب السائل: (كل ذلك) الإشارة إلى الخدمة والدنوِّ اللذين يدل (٢) عليهما لفظ: (يخدمني)، و (تدنو)، وجاءت الإشارة بلفظ: (ذلك) للمثنى في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: ٦٨] (على هيِّن)؛ أي: سهل، وهو بالتشديد والتخفيف؛ كميت وميت، وأصله: هيون اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وسقط لفظ (على) فقط في رواية، (وكل ذلك)؛ أي: الحائض والجنب، والتذكير باعتبار المذكور لفظًا، ووجه التثنية قد ذكرناه، و (كل) مرفوع على الابتداء أو منصوب على الظرف (تخدمني) في الأكل، والشرب، وغيرهما، (وليس على أحد) أي: أنا وغيري (في ذلك بأس)؛ أي: حرج، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: وليس عليَّ في ذلك بأس، لكنه قصد بذلك التعميم مبالغة فيه، ودخل هو فيه بالقصد الأول، كذا قاله إمام الشارحين (أخبرتني) بالإفراد (عائشة) : الصديقة رضي الله عنها: (أنها كانت ترجَّل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: تسرح شعر رأس النبيِّ الأعظم عليه السلام؛ وفي رواية يعني: رأس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (وهي حائض)؛ بالهمزة، والجملة حالية، وإنما لم يقل: حائضة؛ لعدم الالتباس لاختصاص الحيض بالنساء، وأما قوله: جاءت الحاملة والمرضعة في الاستعمال؛ فلإرادة التباسهما بذلك الصفة بالفعل، فإذا أريد التباسهما بالقوة؛ تكون بلا تاء، قال الإمام الزمخشري في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} [الحج: ٢]، فإن قلت: لم قيل: مرضعة دون مرضع؟

قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع في حال وضعها به، كذا في «عمدة القاري».

(ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينئذٍ) أي: حين الترجل (مجاور) أي: معتكف (في المسجد) أي: مسجده عليه السلام (يُدني)؛ بضمِّ التحتية؛ أي: يقرب (لها)؛ أي: لعائشة (رأسه) الشريف عليه السلام (وهي في حُجرتها)؛ بضمِّ الحاء المهملة؛ أي: بيتها، والجملة حالية؛ أي: والحال


(١) في الأصل: (هشامًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (اللذان يدل)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>