للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

من عسقلان وعجلون؛ فافهم.

وفي هذه الروايات: دليل على استحباب التستُّر في الغسل ولو كان في البيت، فلو تجرَّد وحده للاغتسال؛ يكره، وقيل: إن أمن دخول أحد عليه؛ لا يكره، كما لا يكره تجرده للغسل، وتجرد زوجته للجماع في بيت مقداره خمسة أذرع أو عشرة، وقيل: لا يكره أن يغتسل متجردًا في الماء الجاري أو غيره في الخلوة، وفي «مسائل أبي الفرج» : (لا بأس به) انتهى.

وفيها: جواز الاستعانة بإحضار الماء للغسل أو الوضوء، وفيها: خدمة الزوجات للأزواج، وفيها: الصب باليمين على الشمال.

وفيها: كراهة التنشف بالمنديل ونحوه، قال الإمام الأعظم قدس الله روحه: لا خلاف في أنه لا يحرم تنشيف الماء عن أعضاء الوضوء والغسل، ولكن هل يكره، فيه خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، قال في «شرح المجمع» : (قيل: يكره حمل المنديل لمسح العرق؛ لأنَّه بدعة، والصحيح أنه لا يكره؛ لأنَّه يدفع الوسخ، وقيده بعضهم بعدم التكبُّر، فإن فعله للتكبُّر؛ كره، ومن فعله لحاجة؛ لم يكره)، قال في «البحر» : (والمنقول في «معراج الدراية» وغيرها: أنه لا بأس بالتمسُّح بالمنديل للمتوضئ والمغتسل إلا أنه ينبغي ألَّا يبالغ ويستقصي فيبقى أثر الوضوء على أعضائه)، ولم أر من صرَّح باستحبابه إلا صاحب «المنية»، فقال: (ويستحب أن يتمسَّح بمنديل بعد الغسل) انتهى، وفي «الفتاوى التاترخانية» : (لا بأس للمتوضئ والمغتسل أن يتمسح بالمنديل، وكره ذلك بعضهم للمتوضئ دون المغتسل) انتهى.

والصحيح: أنه يتمسَّح، ولكن لا يبالغ فيبقى أثر الوضوء، والصحيح: أنه لا يكره استعمال الخرقة؛ لتمسُّح العرق، ولإلقاء النخامة والمخاط، كما في «الكافي»، و «شرح الوقاية»، وغيرهما، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: (كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء)، رواه الترمذي، وضعَّفه، وصحَّحه الحاكم، وحديث معاذ رضي الله عنه: (كان النبيُّ عليه السلام إذا توضأ؛ مسح وجهه بطرف ثوبه)، رواه الترمذي، وضعفه، وحديث أبي بكر: (كانت للنبيِّ عليه السلام خرقة يتنشف بها بعد الوضوء)، رواه البيهقي، وقال: إسناده غير قوي، وحديث أبي مريم عن رجل من الصحابة: (أنه عليه السلام كان له منديل أو خرقة يمسح بهما وجهه إذا توضأ)، رواه النسائي في «الكنى» بسند صحيح، وحديث أم هانئ عند الشيخين: (قام رسول الله عليه السلام إلى غُسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به)، وهذا ظاهر في التنشُّف، فيحمل حديث ميمونة رضي الله عنها في رده عليه السلام بأنه قد رأى شيئًا فيه فكرهه، أو أنه قد حان وقت الصَّلاة، فاستعجل إلى القيام للصلاة، أو فعله عليه [السلام] تواضعًا، ويحتمل أن الثوب كان من حرير؛ لأنَّ الخرقة من الحرير يحرم استعمالها للرجال دون النساء إذا كانت من حرير خالص؛ كالقطن، والكتان المطرز بالحرير، أو بالفضة، أو بالذهب قدر أربعة أصابع، ويحمل حديث عائشة وغيره على الضرورة وشدة البرد؛ ليزيل برد الماء عن أعضائه، هذا وقد أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان، والحسن بن علي، وأنس، وبشير بن أبي مسعود، ورخص فيه الحسن، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، وكان أهل الكوفة، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق لا يرون به بأسًا، وكرهه ابن أبي ليلى، والنخعي، وابن المسيب، ومُجَاهِد، وأبو العالية.

وقال ابن دقيق العيد: (نفضُ الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشف؛ لأنَّ كلًّا منهما إزالة)، ورده صاحب «عمدة القاري» : (بأنه ليس فيه دليل على ذلك؛ لأنَّ التنشيف من عادة المتكبرين، ورده عليه السلام الثوب؛ لأجل التواضع مخالفة لهم) انتهى.

قلت: فما يفعله المتعصبون في زماننا من تعليق الخرقة أو المنديل بعد التمسح به في الأواسط أو على كتفه مكروه؛ لأنَّ فيه الزينة، والتكبر، وإظهار أنه قد صلى في المسجد الجامع، وأنه من الورعين الصالحين، فلسان حاله يقول وهو مارٌّ على أرباب الدكاكين: إنهم مقصرون، والحال يحتمل أنه يستحق حبلًا، وطبلًا، وشيحًا، وكبريتًا، وتنحِّيًا إلى القهقرى؛ فافهم.

وزعم ابن حجر واستدل بالحديث على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر، خلافًا لمن غلا من الحنفية، فقال بنجاسته.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: هذا القائل هو الذي أتى بالغلوِّ حيث لم يدرك حقيقة مذهب الأئمَّة الحنفية؛ لأنَّ الذي عليه الفتوى في مذهبهم: أن الماء المستعمل طاهر حتى يجوز شربه واستعماله في الطبخ والعجن، والذي ذهب إلى نجاسته لم يقل بأنه نجس في حالة التقاطر، وإنما يكون ذلك إذا سال من أعضاء المتطهر، واجتمع في مكان) انتهى.

قلت: على أن القول بالنجاسة ضعيف، والمعتمد الطهارة، وهذا دأب المتعصبين ينظرون الأقوال الشاذة، ويتصدرون للاعتراض عليها، ولم يميزوا بين الضعيف والصحيح، على أن الحديث يدل ظاهرًا على نجاسة المستعمَل؛ لأنَّ نفض الماء من أعضائه عليه السلام يدل على ذلك، وكذا رده المنديل حتى لا ينجس، والأحاديث التي فيها أنه استعمل المنديل كلها فيها مقال، ولو أوضحنا دليل النجاسة؛ لضاق القرطاس، وعمي المتعصب الخناس، لكن الضرورات تقدر بقدرها؛ فافهم.

وحديث: «لا تنفضوا أيديكم في الوضوء، فإنها مراوح الشيطان»، فقد أخرجه ابن حبان في «الضعفاء»، وابن أبي حاتم في «العلل» من حديث أبي هريرة، وقال ابن الصلاح: لم أجده، وتبعه النووي وغيره، ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيصُ على مسح الرأس في هذا الوضوء فتمسك به المالكية، فقالوا: إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس، بل يكتفى عنه بغسله.

قلت: وعموم لفظ: (توضأ وضوءه للصلاة) يدل على أنه قد مسح رأسه، كما لا يخفى على أولي الألباب، والله أعلم بالصواب.

(٢) [باب غُسل الرجل مع امرأته]

هذا (باب) حكم (غُسل) بضمِّ الغين المعجمة (الرجل مع امرأته) أو أمته من إناء واحد.

[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد]

٢٥٠ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا آدم) بفتح الهمزة الممدودة (بن أبي إِياس)؛ بكسر الهمزة، وتخفيف التحتية (قال: حدثنا ابن أبي ذِئب)؛ بكسر الذال المعجمة: هو محمَّد بن عبد الرحمن القرشي، (عن الزُّهري) هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب، (عن عُروة)؛ بضمِّ العين المهملة، هو ابن الزُّبير-بضمِّ الزاي- ابن العَوَّام؛ بفتح المهملة، وتشديد الواو، (عن عائشة)؛ أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت)؛ أي: السيدة عائشة: (كنت أغتسل أنا) أبرزت المضمر؛ لتعطف عليه المُظهَر، وهو قولها: (والنبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) فهو مرفوع، ويجوز فيه النصب مفعولًا معه.

فإن قلت: كيف يستقيم العطف؛ إذ لا يقال: أغتسل والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟

قلت: هو على تغليب المتكلم على الغائب كما غلَّب المخاطب على الغائب في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [الأعراف: ١٩] فعطف {زَوْجُكَ} على {أَنْتَ}.

فإن قلت: الفائدة في تغليب {اسْكُنْ} هي أن آدم كان أصلًا في سكنى الجنة وحواء تابعة له عليه السلام، فما الفائدة فيما نحن فيه؟

قلت: الإيذان بأن النساء محل الشهوات وحاملات للاغتسال، فكن أصلًا فيه، كذا قرره صاحب «عمدة القاري».

(من إناء واحد من قَدَح)؛ بفتحتين: واحد الأقداح التي للشرب، والقِدْحُ؛ بكسر القاف، وسكون الدال: السهم قبل أن يراش ويركَّب نصله، وبفتح القاف، وسكون الدال: خلاف التعديل، وهو القول المذموم في الشخص من عرضه ودينه، و (مِن) الأولى: ابتدائية، والثانية: بيانية، وزعم الكرماني أن الأولى أن يكون (من قدح) بدلًا (من إناء واحد)، بتكرار حرف الجر في البدل، و (من) فيهما ابتدائية، وارتضاه إمام الشارحين.

وإنما لا يجوز أن يكون التقدير: أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام

<<  <   >  >>