للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإمام الأعظم رئيس المجتهدين.

وزعم الشَّافعية الأفضل أن يغتسل إن لم يكن جنبًا، وإلا؛ وجب الغسل وإن اغتسل في الكفر؛ لعدم صحة الغسل منه عندهم.

وزعم ابن بطال وقال مالك: إذا أسلم النصراني؛ فعليه الغسل؛ لأنَّهم لا يتطهرون، فقيل: معناه: لا يتطهرون من النَّجاسة في أبدانهم؛ لأنَّه استحيل عليهم التطهير من الجنابة وإن نووها؛ لعدم الشرع، وقال: وليس في الحديث أنَّه عليه السَّلام أمره بالاغتسال، ولذلك قال مالك: لم يبلغنا أنَّه عليه السَّلام أمر أحدًا أسلم بالغسل، انتهى.

قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ الكفار يتطهرون من النَّجاسة في أبدانهم؛ لأنَّهم يغتسلون بالصيف بالمياه الباردة، وفي الشتاء بالمياه الحارة في الحمامات، كما هو مشاهد من حالهم، لكن ليس اغتسالهم على الوجه المخصوص، بل يعممون البدن بالماء، وهو كاف في صحة الغسل، ولم يلزم لهم نية؛ لأنَّ وضوء الكافر واغتساله صحيح، فلو أسلم بعده؛ جازت صلاته به؛ فافهم.

وقوله: (وقال: وليس في الحديث...) إلخ: رده إمام الشَّارحين، فقال: (قد مر في حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن حبان، وابن خزيمة، والبزار، وفيه: «فأمره عليه السَّلام أن يغتسل»، وفي «تاريخ نيسابور» للحاكم من حديث عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن أبيه، عن جده قال: «لما أسلمت؛ أمرني النَّبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال»، وفي «الحلية» لأبي نعيم عن واثلة قال: «لما أسلمت؛ قال لي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: اغتسل بماء وسدر، واحلق عنك شعر الكفر»، وفي كتاب «القرطبي» روى عبد الرحيم بن عبيد الله بن عمر، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أسلم أن يغتسل بماء وسدر) انتهى.

قلت: إذا علمت ذلك؛ ظهر لك أنَّ في الحديث أنَّه عليه السَّلام أمره بالاغتسال، فلا عبرة بكلامه؛ لأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، والمُثبِت مقدم على النافي، وإنما ذكر ذلك ترويجًا لمذهبه.

وقول مالك: (لم يبلغنا...) إلخ: يرده ما ذكره إمام الشَّارحين؛ لأنَّه قد ثبت أنَّه عليه السَّلام أمر بذلك، وهو لا ينافي بلوغه لغيره؛ لأنَّ الحفاظ قد أثبتوه في كتبهم الصِّحاح.

وزاد في الطنبور نغمة العجلوني فزعم أنَّه يحمل كلام مالك على عدم بلوغ الخبر إليه بحسب ظنه، أو لأنَّه لم يثبت عنده، فلا ينافي ما مر، انتهى.

قلت: وهذا فاسد؛ لأنَّ مالكًا قد نفى بلوغ الخبر إليه قطعًا، ولم يقل: بحسب ظني، وكونه لم يثبت عنده؛ ممنوع؛ لأنَّه قال: لم يبلغنا، ولم يقل: لم يثبت عندنا.

وقوله: (فلا ينافي ما مر)؛ أي: الأحاديث الدَّالة على أمره بالاغتسال، بل هو مناف لكلامه؛ لأنَّه قد نفى ذلك، وهو ثابت في الأحاديث الصِّحاح، فكيف لا ينافيه وما ذا إلا تعصب بارد من ذهن شارد؛ فليحفظ.

وقال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: أسر الكافر وجواز إطلاقه، وللإمام في حق الأسير العاقل القتل، أو الفداء، أو الاسترقاق، أو الإطلاق منًّا عليه.

وفيه: جواز ربط الأسير في المسجد، وزعم القرطبي يمكن أن يقال: إنَّ ربطه بالمسجد؛ لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها، فيأنس ذلك).

قلت: يوضح هذا ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» عن عثمان بن أبي العاص: أنَّ وفد ثقيف لما قدموا؛ أنزلهم النَّبيُّ عليه السَّلام المسجد؛ ليكون أرق لقلوبهم، وقيل: يمكن أن يكون ربطه في المسجد؛ لأنَّه لم يكن له موضع يربط فيه إلا المسجد.

ثم قال: (وأخذ ابن المنذر من هذا الحديث: جواز دخول الجنب المسلم المسجد، وأنَّه أولى من المشرك؛ لأنَّه ليس بنجس بخلاف المشرك) انتهى.

قال العجلوني: (وهذا القول في غاية الضعف والغرابة) انتهى.

قلت: ليس هذا القول بأضعف من قول إمامه الشَّافعي: في جواز دخول المسلم الجنب المسجد على وجه المرور، بل هو غريب أيضًا؛ لأنَّ المرور دخول وزيادة، وقد قال عليه السَّلام في الحديث الصَّحيح: «لا أُحِل المسجد لحائض ولا جنب»، وهو محكم لا يحتمل غيره، وقوله تعالى: {إِلَّاعَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣]؛ فمعناه: أي: مسافرين، باتفاق المفسرين؛ فليحفظ.

(٧٧) [باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم]

هذا (باب) : حكم نصب (الخَيْمة)؛ بفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية: البيت المستدير، أو الذي على ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام، ويستظل بها في الحر والمطر، أو هي كل بيت يبنى من عيدان الشجر، والجمع: خيمات، وخيام، وخيم؛ بالفتح، وكعنب كما في «القاموس»، (في المسجد للمرضى)؛ أي: لأجلهم، وهو جمع مريض من نزل به المرض (وغيرهم)؛ أي: من ذوي العاهات والحاجات، وتقديرنا الحكم أولى من تقدير الجواز كما فعل العجلوني، وإن كان المراد بالحكم الجواز؛ لحديث الباب، إلا أنَّ الحكم أعم؛ لشموله الجواز وغيره؛ فافهم.

[حديث: أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل]

٤٦٣ - وبالسند إلى المؤلف: (حدثنا زكريا) : يجوز فيه المد والقصر (ابن يحيى) : هو ابن عمر أبو السكين الطائي الكوفي، قاله إمام الشَّارحين، وتبعه ابن حجر، وقال القسطلاني: (هو البلخي اللؤلؤ الحافظ) انتهى، وتقدم في باب (إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا) أنَّه اختلف فيه، ومال الغساني والكلاباذي هناك: أنَّه زكريا بن يحيى بن صالح اللؤلؤ البلخي، المتوفى سنة ثلاثين ومئتين، ومال إمام الشَّارحين وابن حجر: أنَّه زكريا بن يحيى بن عمر الطائي الكوفي أبو السكين، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئتين، فالخلاف هناك جارٍ ههنا؛ فليحفظ، وكل (١) منهما شيخ للبخاري، ويروي عن عبد الله المذكور؛ فليحفظ.

(قال: حدثنا عبد الله بن نُمَيْر) بِضَمِّ النُّون، وفتح الميم، وسكون التحتية، هو الكوفي (قال: حدثنا هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه) هو عروة بن الزُّبير بن العوام المدني، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما: أنَّها (قالت: أُصيب) بِضَمِّ الهمزة، مبنيًّا للمجهول (سَعْد)؛ بسكون العين المهملة: هو ابن معاذ أبو عمرو سيد الأوس، بدري كبير، قال أبو نعيم: مات سنة خمس في شوال، وكذا قال ابن إسحاق، ونزل في جنازته سبعون ألف مَلَك ما وطئوا الأرض قبل، واهتز له عرش، وفي رواية: العرش.

فإن قلت: ما وجه اهتزاز العرش له؟

قلت: أجيب عنه بأجوبة؛ الأول: أنَّه اهتز استبشارًا لقدوم روحه، الثاني: أن المراد: اهتزاز حملة العرش ومن عنده من الملائكة، الثالث: المراد بالعرش: الذي وضع عليه، وسيأتي عند البخاري: أنَّ رجلًا قال لجابر بن عبد الله: إنَّ البراء بن عازب يقول: اهتز السرير، فقال: إنَّه كان بين هذين الحيين ضغائن، قال ابن الجوزي وغيره: يعني بالحيين: الأوس والخزرج، وكان سعد من الأوس، والبراء من الخزرج، وكل منهم لا يقر بفضل صاحبه عليه، قال صاحب «التلويح» : وفيه نظر من حيث إنَّ سعدًا والبراء كل منهما أوسي، وإنما أشكل عليهم فيما أرى أنَّه رأى في نسب البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج، وسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث الأوسي، فظن أنَّ الخزرج الأول هو أبو الخزرجيين ففرق بينهما، وإنما هو الخزرج أبو الحارثين المذكورين في نسبهما، وهو ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة،


(١) في الأصل: (وكلًّا).

<<  <   >  >>