للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كذا ذكر نسبهما ابن سعد، وابن إسحاق، وخليفة، وآخرين.

(يوم الخندق) ويسمى: الأحزاب، وكان في ذي القعدة، ذكره ابن سعد، وقال موسى بن عقبة: (في شوال سنة أربع)، وقال ابن إسحاق: (في شوال سنة خمس)، وذكر أبو عمرو أن سعدًا مات بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال، كذا في «عمدة القاري»، (في الأَكْحل)؛ بفتح الهمزة، والحاء المهملة، بينهما كاف ساكنة، على وزن (الأفعل) : عرق في اليد، ويقال له: النساء في الفخذ، وفي الظَّهر: الأبهر، قاله في «المخصص» و «المجمل»، وقيل: الأَكحل: عرق الحياة، ويدعى: نهر البدن، وفي كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة، فإذا قطع من اليد؛ لم يرق الدم، وفي «الصِّحاح» : (هو عرق في اليد يفصد، ولا يقال: عرق الأكحل)، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: فقول العجلوني: (هو عرق في وسط الذراع)؛ غير ظاهر؛ لأنَّه مخالف لكلام أهل اللُّغة؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: رماه رجل من قريش يقال له: حبان ابن العرقة، وهو حبان بن أبي قيس من بني معيص (١) بن عامر بن لؤي، والعرقة: هي أم عبد مناف، واسمها قلابة بنت سعد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص، سميت العرقة؛ لطيب ريحها، فيما ذكره الكلبي، وقال أبو عبيد بن سلام: (العرقة: هي أم حبان، وتكنى: أم فاطمة)، قال السهيلي: (وهي جدة خديجة، أم أمها هالة) انتهى؛ فليحفظ.

(فضرب النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، و (ضرب) يستعمل لمعاني كثيرة، وأصل التركيب يدل على الإيقاع، والباقي يستعمل ويحمل عليه، وههنا المعنى: نصب خيمة وأقامها على أوتاد مضروبة في الأرض، والخيمة: بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر، والجمع: خيمات وخيم؛ مثل: بدرة وبدر، والخيم مثل الخيمة، والجمع: خيام؛ مثل: فرخ وفراخ، وعند أبي نعيم الأصبهاني: (ضرب له النَّبي صلى الله عليه وسلم خباء في المسجد)، والخباء: واحد الأخبية، هو من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك؛ فهو بيت، كذا قاله إمامنا الشَّارح.

قلت: وضرب الخيمة إنَّما كان لسعد؛ (ليعوده) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (من قريب)؛ أي: من مكان قريب له عليه السَّلام، وذلك لمحبته لسعد ولعيادة المرضى؛ فليحفظ، (فلم يَرُعْهم)؛ بِضَمِّ الرَّاء، وفتح التحتية أوله، وسكون العين المهملة، من الروع؛ وهو الفزع، يقال: رعت فلانًا، وروعته فارتاع؛ أي: أفزعته ففزع، وقال الخطابي: الروع: إعظامك الشيء وإكباره فترتاع، قال: وقد يكون من خوف، وفي «المحكم» : الروع، والرواع، واليروع: الفزع، راعني الأمر روعًا ورووعًا -عن ابن الأعرابي كذلك حكاه بغير همز، وإن شئت؛ همزت-، وارتاع منه وله، وروَّعه فتروَّع، ورجل روع ورائع متروع، كلاهما على النسب.

والمعنى ههنا: فلم يرعهم؛ أي: لم يفزعهم إلا الدم، وقال الخطابي: (والمعنى: أنَّهم بينا هم في حال طمأنينة وسكون حتى أفزعهم رؤية الدم فارتاعوا له)، كذا قرره إمام الشَّارحين.

وزعم العجلوني أنَّه يجوز في (يرعهم) ضم أوله، وكسر الرَّاء، على أنَّه من أراع؛ بمعنى: أفزع، انتهى.

قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّ الرواية لا تساعده، ولأنَّ المعنى عليه غير ظاهر؛ فتأمل.

(وفي المسجد) أي: النَّبوي (خيمة) أي: أخرى (من بني غِفار)؛ بكسر الغين المعجمة، وتخفيف الفاء، آخره راء: هم من كنانة رهط أبي ذر الغِفاري، والجملة معترضة بين الفعل -أعني: (لم يرعهم) - والفاعل؛ أعني: قوله: (إلا الدم)، وجوز العجلوني كون الجملة حالًا.

قلت: هو غير ظاهر، وكونها معترضة هو الصَّواب، ولهذا اقتصر عليها إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(يسيل إليهم)؛ أي: إلى بني غِفار؛ لأنَّ خيمتهم كانت أنزل من خيمة سعد، قال إمامنا الشَّارح: (وهذه الخيمة كانت لرقية الأنصارية، وقيل: الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتحتسب بخدمتها من كانت به ضيعة من المسلمين) انتهى.

(فقالوا) أي: بنو غِفار: (يا أهل الخيمة؛ ما هذا الذي يأتينا من قِبَلكم؟)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: من جهتكم، وكلمة (ما) استفهامية، والإشارة إلى الذي يسيل، فاستفهامهم إنَّما كان عن ذات الذي يسيل إليهم؛ لأنَّهم لم يعلموا كونه دمًا أو غيره؛ لوقوعه ليلًا؛ يعني: فإن كان نجسًا؛ احترزنا منه، وإلا؛ فنحفظ ثيابنا منه أيضًا لتلوثها.

وقول العجلوني: (واستفهامهم إمَّا عن ذات الآتي، وإمَّا عن سببه إن علموه)؛ لا وجه لتردده، والاحتمال الثاني بعيد؛ لأنَّ استفهامهم إنَّما كان عن ذاته ما هو؟ أنجسٌ أم ماء طاهر؟ لأجل الاحتراز عنه، ويدل عليه الإشارة في قوله: (ما هذا؟)؛ فافهم.

(فإذا سعد يغذو)؛ بالغين والذَّال المعجمتين؛ أي: يسيل، وهو فعل مضارع، من غذا العرق نفسه، يغذوغذوًا (٢) غذوانًا؛ إذا سال، وكل ما سال؛ فقد غذا، والغذوان: المسرع، كذا في «عمدة القاري».

وقيده الخطابي بالدوام، فقال: (غذا الجرح: سال ودام سيلانه) انتهى.

قلت: وهذا القيد غير لازم؛ لأنَّ أئمة اللُّغة لم يقيدوه بالدوام، فإنَّ مجرد السيلان كاف، كما هو ظاهر لفظ الحديث، فهذا القيد من عنده، وهو غير مقبول؛ فافهم.

وقوله: (جُرحُه) بِضَمِّ الجيم، مرفوع؛ لأنَّه فاعل (يغذو) (دمًا) منصوب على التمييز، (فمات) أي: سعد (فيها)؛ أي: في الخيمة، أو في الجراحة التي الجرح بمعناها، أو في المرضة على أنَّ (في) للسببية، وفي رواية الأربعة: (منها)؛ أي: الجراحة أو المرضة، ونسب هذه الرواية إمام الشَّارحين للكشميهني والمستملي، ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة.

قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: أن السلطان أو العالم إذا شق عليه النهوض إلى عيادة المريض، يزوره ممن يهمه أمره؛ ينقل المريض إلى موضع يخف عليه فيه زيارته ويقرب منه) انتهى.

قلت: وفي الحديث: استحباب عيادة المريض للحديث، ومما وَرَد في الحديث الصَّحيح في حق الزائر قوله عليه السَّلام: «عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع»، والمخارف: جمع مخرفة؛ كمرسلة البستان؛ يعني: من فَعَل عيادة المريض؛ فهو على بساتين الجنة.

وقال ابن بطال: (في الحديث: جواز سكن المسجد للعذر، والباب مترجم به).

وقال إمام الشَّارحين: (استدل بالحديث مالك وأحمد على أنَّ النَّجاسة ليست إزالتها بفرض، ولو كانت فرضًا؛ لما أجاز عليه السَّلام للجريح أن يسكن في المسجد، وبه قال الشَّافعي في القديم.

قلت: لقائل أن يقول: إنَّ سَكَنَ سعد في المسجد كان بعد ما اندمل جرحه، والجرح إذا اندمل؛ زال ما يخشى من نجاسته) انتهى كلامه.

قلت: واستدلالهم بذلك فيما ذكر فاسد؛ لأنَّ هذه القصة واقعة حال، فعليه يحتمل أنهم غسلوه، وهو الظَّاهر من حالهم من حيث استفهام بني غِفار وسؤالهم عن الذي سال إليهم، هل هو نجس أم ماء طاهر؟ فانتظروا بذلك الجواب عن الحال، وأنهم إذا قالوا: نجس؛ يغسلوه؛ فافهم.

ولنا أدلة أخرى على وجوب إزالة النَّجاسة.

وزعم العجلوني أنَّ ما ذكره إمام الشَّارحين هو أحد قولي مالك: أنَّ إزالة النَّجاسة للصلاة سنة، والصَّحيح عنده خلافه، ولا نعرف قولًا فيه لأحمد والشَّافعي في القديم، نعم؛ في رواية عن أحمد: أنَّها واجبة، والصَّحيح: أنَّها شرط، كما في «المنتهى»، انتهى.

قلت: وما زعمه هذا القائل هو ظاهر الفساد؛ لأنَّ المشهور عن مالك: أنَّ النَّجاسة ليست إزالتها بفرض، وهو المعتمد عندهم، وفي


(١) في الأصل: (تعيص).
(٢) في الأصل: (نفسه وغذوًا)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>